محمد أمين يكتب: مصر تنتصر

محمد أمين يكتب: مصر تنتصرمحمد أمين يكتب: مصر تنتصر

*سلايد رئيسى5-10-2020 | 15:01

عقب يونيو 67 دارت آلة الإعلام الإسرائيلية تساندها كافة وسائل الإعلام الغربية (مقروءة ومرئية ومسموعة) تروج لأسطورة الجيش الذى لا يقهر، وتحاول فرض حالة نفسية ومعنوية على الشارع المصرى والعربى يتمخض عنها خلق حالة من الاستسلام للواقع الجديد الذى خلفته الهزيمة. لم يكن الأمر من قبيل الصدفة، لكنه كان جزءًا  من حلم إسرائيل وأسطورتها التى لا تتوانى عن السعى لتحقيقيها، إلا أن واضعى الاستراتيجية الاستعمارية، لم يلتفتوا خلال تلك الحقبة إلى دراسة سيكولوجية الشعب المصرى الذى استطاع أن يحول المحنة إلى منحة والهزيمة إلى انتصار مطيحًا بموازين القوى فى المنطقة، كما تغيرت معه العديد من النظريات العسكرية التى كانت تدرسها الأكاديميات والمعاهد العسكرية على مستوى العالم، ليكتب النصر فصلًا جديدًا فى تاريخ المنطقة، ويوثق شهادة جديدة للتاريخ على عظمة الشعب المصرى وقواته المسلحة.

(1)

كان المشهد عقب يونيو 1967 أشبه بكابوس ضرب المنطقة بأسرها، فقد البعض توازنه، وظنت حينها إسرائيل وأعوانها أنها حققت جزءًا من حلمها المزعوم (إسرائيل الكبرى). لكن الشعب المصرى منذ بدء الخليقة وهو يؤمن بوطنه ويدافع عنه بروحه ودمه، وفق عقيدة لا تتزعزع يرثها الأبناء من الآباء والأجداد ويعلموها أطفالهم، عقيدة ثابتة شعارها "النصر أو الشهادة" وهو ما جعل أبناء الشعب المصرى "خير أجناد الأرض". فى الوقت الذى ظنت فيه إسرائيل أن الأراضى التى احتلتها فى يونيو 67 لن تخرج منها مرة أخرى، جاء الرد من أبطال الجيش المصرى فى معركة "رأس العش" وسبقتها العريش التى أبى أبطالها أن يتركوها إلا بعد أن لقنوا العدو درسًا قاسيًا فلم تسقط إلا فى يوم 13 يونيو 1967 بعدما تحولت العريش إلى منطقة حرب شوارع، ولم تستطع إسرائيل احتلالها إلا بعد حصار دام ثمانية أيام. أعلن المصريون حينئذ وقوفهم خلف قيادتهم وتحملهم التحدي ومواجهة الصعاب، فقد خرج المصريون يطالبون الرئيس عبدالناصر بمواصلة قيادة سفينة الوطن والاستعداد لمعركة تحرير الأرض. فى الوقت ذاته كانت القوات المسلحة تستعد لمعركة رد الكرامة واسترداد سيناء، والعمل على استعادة الثقة، فكانت العملية التى هزت إسرائيل "إغراق المدمرة إيلات" فى 21 أكتوبر 67 عندما استطاع أبطال القوات البحرية إغراق أكبر القطع البحرية فى سلاح البحرية الإسرائيلية فى ذلك الوقت (المدمرة إيلات) لتنهار إحدى أهم النظريات العسكرية حينذاك والتى كانت تدرس فى المعاهد والأكاديميات العسكرية (وهى أن "القطع البحرية الكبيرة لا يمكن إغراقها إلا من خلال قطع بحرية مماثلة")، لنستعيد ثقتنا فى قدرتنا على التصدى ومواجهة التحدي ومحو الهزيمة وتحرير الأرض. كانت عملية إغراق المدمرة إيلات بداية سجل حافل من البطولات سطرها أبطال الجيش المصرى فى كافة الأسلحة، وكان الشعب على قدر المسؤولية، فقد تحمل تبعات الإعداد للمعركة، كتقليص حجم الدعم، ورفض الشعب أن تكون الأزمات الداخلية (من نقص فى السلع التموينية أو الوقود أو المنتجات الغذائية) شوكة فى ظهر الوطن، ليتحمل بكل شجاعة تحول اقتصاد الدولة إلى اقتصاد حرب على مدى 6 سنوات واجه خلالها الأزمات بمزيد من الجَلَد، وليصبح العمل لصالح المجهود الحربى واجبًا وطنيًا. حاولت إسرائيل الصيد فى الماء العكر من خلال أبواقها الإعلامية الدولية، لتأجيج الشارع وإحداث حالة من الفوضى للتأثير على القيادة السياسية والضغط عليها من أجل تدمير أية قوة أعدتها الدولة المصرية استعدادًا للمعركة. أطلقت هيئة الإذاعة البريطانية "القسم العربي" مجموعة من البرامج الحوارية التى تحرص على استضافة شخصيات تشكك فى قدرة القيادة السياسية أو الدولة المصرية على مواجهة إسرائيل مرسخة لمفهوم ضرورة الرضا بالأمر الواقع الجديد الذى حددته هزيمة يونيو 67. أدرك الشعب المغزى الخبيث للإعلام الدولى وساند قيادته (جمال عبدالناصر) فى قرار الحرب (ما أُخذ بالقوة لا يُستَّرد بغير القوة) لتزداد ثقة الشعب فى قيادته، وتستمر استعدادات القوات المسلحة للحرب.

(2)

ازداد سُعار الإعلام الإسرائيلى لمحاولة تزييف الوعي، ليغطى إرسال الإذاعة الإسرائيلية محافظات شرق الدلتا بالكامل، وكذا كل مناطق غرب القناة بالإضافة إلى سيناء، وساندت واشنطن ولندن وعدد من العواصم الأوروبية إسرائيل، ويُضربْ بالقرارات الدولية عرض الحائط. تحول أبطال من أبناء سيناء إلى رادارات متحركة تكشف للجيش المصرى كل ما يجرى على أرض الفيروز من تجهيزات عسكرية للعدو، وترصد كافة تحركاته، لتصبح سيناء كتابًا مفتوحًا أمام أجهزة المعلومات والقوات المسلحة المصرية. تابع الإعلام الدولى محاولات ضرب الثقة بين الشعب وقيادته الجديدة مرة أخرى، بعد وفاة الزعيم جمال عبدالناصر، فكان يسخر من الرئيس السادات، وتحولت مصطلحات عام الضباب وعام الحسم إلى حديث للتندر والسخرية من الرئيس السادات، ليستمر التشكيك فى قدرة مصر على مواجهة إسرائيل تحت قيادته، وقد ساند بعض الإعلاميين والصحفيين الناصريين ذلك التوجه. واصل الشعب مساندته للجيش استعدادًا لمعركة استرداد الأرض واستمرت معارك الاستنزاف التى كانت بمثابة تمهيد للمعركة الفاصلة (أكتوبر 73 -العبور) لتعود للأمة العربية كرامتها، ويعود ميزان القوى فى المنطقة إلى وضعه الصحيح. لتنتصر مصر وإرادة شعبها ويطلق قائدها البطل محمد أنور السادات عبارته الشهيرة (إن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف لإنه قد أصبح له درع وسيف، وعليه أن يعرف الآن أن هذه المنطقة قادرة على أن تمنح وأن تمنع). ويغير النصر العديد من النظريات العسكرية التقليدية، وتصبح حرب أكتوبر 73 أحد أهم حروب القرن العشرين التى تدرسها الأكاديميات العسكرية بعد أن أثبت الفرد المقاتل أنه أقوى أسلحة المعركة. بطولات لا تنتهى بدءًا من الضربة الجوية الأولى مرورًا بمعارك الدبابات ومعركة المنصورة الجوية، وصائد الدبابات الذى حطم نظرية أن الدبابات أقوى من المشاة، ليُسقط عبد العاطى وزملائه تلك النظريات، وتتعدل الاستراتيجيات وتتغير المفاهيم ونظريات القوة، ويصبح نصر أكتوبر 73 نقطة فاصلة فى تاريخ المنطقة بأسرها.

(3)

استردت مصر مكانتها وأرضها بالكامل، ويبدأ العمل لعرقلة المشروع المصرى فى مهده عقب انتصار أكتوبر، فيتم إعلان الهجوم على مبادرة السلام التى كانت بمثابة معركة جديد نحو سلام وُلد من رحم النصر، سلام تحميه القوة ليفرض شروطه ويسترد كامل التراب الوطني. ثم يبدأ التحرك نحو معركة البناء والتنمية، فتخرج خفافيش الظلام (الجماعة الإرهابية وأعوانها من قوى الشر) التى تعمل لهدم الوطن مقدمة نفسها لأجهزة مخابرات دول اعتبرت نصر أكتوبر صفعة قوية لابد لها من ردها، فخططت لاغتيال الرئيس السادات لتوقف عجلة بناء الوطن عقب استراد الارض.

(4)

ثم تأتى أحداث 2011 لإدخال الدولة المصرية فى الفوضى، وتواجه مصر معركة البقاء والحفاظ على الدولة فى مواجهة عدو غير واضح، ويقف الجيش المصرى فى مواجهة هذا المخطط للحفاظ على الدولة، وتتشابه التحديات والتهديدات والمخاطر مع هزيمة 67 بل تكون أكثر خطورة لعدم وضوح العدو. فرغم أن العدو فى 67 كان معروفًا، لأنها كانت حربًا تقليدية، إلا أن العدو فى 2011 ارتدى أكثر من عباءة ليختفى خلفها وتلك هى طبيعة حروب الجيل الرابع، مما يعرف بالحروب اللامتماثلة لهدم الجيوش النظامية وإفشال الدول وتدمير مؤسساتها من أجل إسقاط الدول. قفزت الجماعة الإرهابية إلى الصدارة لاختطاف الدولة، وعملت عناصر أجهزة مخابرات أكثر من دولة على إذكاء الفوضى. لكن سرعان ما أدرك الشعب خطورة ما يحدث، وكشف أن المخطط يستهدف الوطن، فاسترد الوطن المختطف فى يونيو 2013. بدأت مرحلة جديدة من التهديدات والتحديات لوقف المشروع الوطني، ليقف الشعب خلف قيادته وينزل فى 2014 مبايعًا الرئيس عبدالفتاح السيسي لقيادة سفينة الوطن. ويواصل الشعب انتصاراته بالخروج من نفق الفوضى وتدمير الدول، التى سقطت فيه بعض دول المنطقة. ويواصل المصريين مساندتهم للقائد، والثقة فى القرارات التى يتخذها لبناء الوطن، وتعبر مصر أخطر مراحلها، فى ظل معركة استهدفت تزييف الوعى ونشر الشائعات والأكاذيب لإسقاط الدولة ووقف تقدمها. ويبدأ إعلام قوى الشر معركته فى مواجهة الدولة المصرية، ويكتشف الشعب حجم المخطط فيساند الدولة والقيادة السياسية، ويتحمل أقوى برنامج إصلاح اقتصادي، لتنتصر مصر فى أكبر معارك العصر الحديث، معركة الاستقرار والبناء فى زمن الفوضى وتدمير الدول. ويصبح الرهان على وعي الشعب المصرى هو الحصان الرابح فى تلك المعركة، لتفشل أجهزة المخابرات وقوى الشر فى إنجاح مخططها لهدم الدولة، وتتحطم كافة المخططات على صخرة الشعب المصرى وقواته المسلحة. وللمرة الثانية تعيد مصر صياغة المشهد نحو الاستقرار، لتقطع الطريق على كل من يدعو إلى الخراب والتدمير من أعداء الأوطان، ويظل النصر حليفًا لهذا الوطن ما دامت كتلته الصلبة (الشعب) ملتفة حول قيادتها، واثقة فى قراره. إنها مصر .. عمود الخيمة فى المنطقة العربية، كما يطلق عليها الأشقاء، وقلب الأمة النابض، وقواتها المسلحة هى عمود الخيمة الذى يشكل درع الوطن وسيفه. لقد استطاع المصريون خلال الخمسين عامًا الأخيرة مواجهة مخططات التقسيم التى تستهدف المنطقة وفرض إرادتهم لمواصلة بناء مشروعهم الوطني.
أضف تعليق

طحن العظام وتدمير الأوطان

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2