على مدار الأيام الماضية تم رفع السرية عن الكثير من الوثائق المتعلقة بدعم هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، لجماعة الإخوان ومشروع تيارات الإسلام السياسي، فى عهد إدارة أوباما، فيما سمى بأحداث «الربيع العربي»، التى كانت أحد مسارات إسقاط الأنظمة السياسية فى المنطقة العربية وتمزيقها جغرافيا وسياسيا، وكان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قد اتخذ قرارا برفع السرية عن جميع الوثائق المتعلقة بالتحقيقات فى قضية استخدام هيلارى كلينتون خادما خاصا لرسائل البريد الإلكترونى الحكومية بالإضافة إلى قضية التدخل الروسي.
بقلم - عمرو فاروق
تناولت العديد من الوثائق المسربة، محاولات تنصيب الإخوان على رأس السلطة فى مصر والمنطقة العربية، وتهيئة الأوضاع السياسية والاقتصادية والإعلامية بما يضمن بقاء الإخوان فى سدة الحكم أكبر فترة زمنية ممكنة.
الوثائق المسربة فضحت المؤامرة الأمريكية القطرية الإخوانية، فى عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ومساعيهم لتفكيك الأجهزة الأمنية المصرية وإعادة هيكلتها وفقا لما يتماشى مع مشروع الجماعة، وحلفائهم من الديمقراطيين الأمريكيين، وتشكيل المجلس المصرى الأمريكى للتنمية الاقتصادية، فى سبتمبر 2012، وحصوله على دعم مالى من الدوحة بقيمة 2 مليار دولار بهدف السيطرة على صناعة القرار داخل مصر.
كما كشفت الوثائق المسربة، أن هيلارى طالبت قطر بتأسيس قناة إعلامية وصحيفة يومية، ومركز بحثي، باستثمارات تبلغ 100 مليون دولار كرأس مال مبدئي، على أن يتولى إدارتها خيرت الشاطر، وهو المشروع الذى تم تأسيسه فيما بعد لكن تحت إشراف عزمى بشارة، من خلال تأسيس شركة «فضاءات» التى أنشأت قناة «التليفزيون العربي» فى لندن، وصحيفة «العربى الجديد»، و «المركز العربى للأبحاث ودراسات السياسات».
خطط التغيير
ووفقا للوثيقة الاستراتيجية (11)، أو «الأمر الرئاسى الأمريكى 11»، إحدى الوثائق التى كشفت عن دعم إدارة أوباما لتنظيم الإخوان الإرهابى منذ عام 2007، تحت ما يسمى بـ «مشروع الإصلاح السياسى بالشرق الأوسط»، فإن الإدارة الأمريكية بدأت منذ عام 2007 إحداث تغيير فى خطط اختيار وتعيين سفرائها بدول الشرق الأوسط، والتركيز على اختيار شخصيات ذات خلفية تاريخية بحركات الإسلام السياسى وجماعة الإخوان ومن بين أعضاء جهاز الأمن القومي، وليس من بين الدبلوماسيين المحترفين فى مجال العمل الدبلوماسي، خاصة فى دول مثل مصر وسوريا وليبيا وتونس والجزائر والعراق والمغرب والأردن.
الوثيقة أكدت أن الإدارة الأمريكية اعتبرت جماعة الإخوان ذراعاً سياسية لها فى الشرق الأوسط لتحقيق خطة الإصلاح السياسى وخضعت الجماعة لوصاية أمريكية مما أدى إلى نشوب خلافات بين النظام السابق للرئيس مبارك والإدارة الأمريكية وهو الأمر الذى سهل على واشنطن تنفيذ خطة الإطاحة بالرئيس الأسبق مبارك بسبب هذا الخلاف تحت ستار الإصلاح السياسى بالشرق الأوسط.
إخوانى فى مؤسسة «كلينتون»
ووفقا لما كشفته صحيفة «إيبوخ تايمز» الألمانية، عن علاقة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما فى تسهيل التعاون بين جماعة الإخوان فى مصر، ومنظمة «بيل وهيلارى كلينتون الخيرية»، فإن أحد المستفيدين من تلك السياسة الأمريكية هو جهاد الحداد، عضو جماعة الإخوان، والمحكوم عليه بالسجن المؤبد فى مصر.
إذ عمل جهاد الحداد لصالح مؤسسة كلينتون فى مصر لمدة 5 سنوات، ولم يكن الإخوانى الوحيد الذى تسلل لمؤسسة كلينتون، وأن «هوما عابدين»، مساعدة هيلارى كلينتون والتى أدارت حملتها الانتخابية وعملت كنائبة لها أثناء توليها منصب وزيرة الخارجية، كانت همزة الوصل بين كلينتون، وأعضاء الإخوان كونها على علاقة جيدة بحركات الإسلام السياسى وخصوصا أعضاء جماعة الإخوان.
وأن هيلارى كلينتون التى تولت منصب وزيرة الخارجية فى الفترة من 2009 حتى 2013، مهدت الطريق أمام الإخوان ومحمد مرسى للوصول إلى الحكم فى مصر بعد أحداث يناير2011، حيث كان جهاد حداد يعمل وقتها لصالح مؤسسة كلينتون.
وسلط التقرير الضوء على أن جهاد الحداد أصبح كبير مستشارى حزب الحرية والعدالة فى 2011 فى الوقت الذى كان يعمل لدى مؤسسة كلينتون، وأن مشروع النهضة الإخوانى كان مشروعًا شاملاً مدته 25 عاما مبنى على ترسيخ أهداف مشروع الإخوان، ويخطط للسيطرة على مؤسسات عدة فى الدولة وتغيير سياسات بشأن بعض القضايا، وأنه لم يكن فقط مجرد برنامج مرسى وجماعته الانتخابى وأن مؤسسة كلينتون دعمت ذلك المشروع.
مؤامرات الإخوان
ووفقا للوثائق المسربة التى أوردها الباحث والمترجم توحيد مجدي، فى كتابه «مؤامرات الإخوان»، كشفت ووثقت تواصل الإخوان بدقة مع عناصر الاستخبارات الأمريكية، واستخدام وتوظيف تيارات الإسلام السياسي، فى تنفيذ سيناريوهات الفوضى الخلاقة ومشروع تقسم منطقة الشرق الأوسط الجديد، والاستيلاء على الحكم فى مصر.
فى ظهر يوم 19 يناير2011، أرسل ضابط المخابرات الأمريكية بالقاهرة، برقية إلى إدارة
الـCIA، أخبرهم فيها بلقائه بمجموعة من قيادات الإخوان، طالبوا فيها بتحقيق 7 مطالب لتفادى ما أطلقوا عليه الثورة الدموية، والحفاظ على المصالح الأمريكية فى مصر. وكانت المطالب هي:
أولاً: ضرورة تنحى مبارك عن الحكم نهائيا، وعدم طرح أى بديل آخر من النظام السابق.
ثانيًا: تشكيل حكومة إنقاذ برئاسة الإخوان.
ثالثًا: احتفاظ الإخوان فى حكومة الإنقاذ بمنصب وزير العدل، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية.
رابعًا: الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، على أن تشرف المنظمات الأمريكية على إجراء الانتخابات.
خامسًا: حل مجلسى الشعب والشورى.
سادسًا: تعديل دستور 71، خاصة المواد (75 - 76 - 77 - 88).
سابعًا: الاحتفاظ بنسبة 51% من مقاعد البرلمان، ليمثلوا حزب الأغلبية، ويتاح لهم فرصة تشكيل الحكومة الجديدة بالكامل.
برقية أخرى فى 21 يناير2011، صادرة من إدارة الـ CIA فى الولايات المتحدة، إلى ضابط الاتصال بالقاهرة، تفيد إبلاغه قيادات الإخوان بضرورة حشد الشارع يوم 25 يناير2011، والنزول فى الميادين لمنح مطالبهم شرعية سياسية، باعتبارهم البديل الجاهز والمناسب لنظام مبارك، وأن الإدارة الأمريكية تدعم نزول الإخوان للميدان العام.
مطالب جديدة
برقية أخرى صادرة فى مساء يوم 21 يناير2011، من ضابط الاتصال بالقاهرة، إلى إدارة الـ CIA، تفيد اجتماعه بقيادات الإخوان بالقاهرة، وأنهم عرضوا بعض المطالب الجديدة التى ستحقق أهدافهم، وهي:
أولًا: ضرورة حل مؤسسات القوات المسلحة المصرية، لكونها الصخرة الصلبة أمام تحقيق مشروع الإخوان فى مصر.
ثانيًا: تفكيك جهاز الشرطة المصرية، وإعادة تركيبه وفقا لما يتواءم مع مشروع الإخوان خلال المرحلة الجديدة.
ثالثًا: ضرورة الاستعانة بعناصر من حزب الله، موالية لمشروع الإخوان فى المنطقة، بهدف السيطرة على المشهد فى مصر.
رابعًا: ضرورة السيطرة على جهاز المخابرات العامة، واقتحام مكاتبه، والحصول على مختلف الأسرار المتعلقة بشئون الدولة المصرية ومختلف القضايا فى الداخل والخارج.
كانت الجماعة ترى أن اللواء عمر سليمان، هو الرجل الأقوى داخل نظام مبارك، أمنيا وسياسيا، وأنه البديل المناسب لشخص مبارك، ليكون الرئيس القادم، مما سيربك لها مخططها فى الوصول للسلطة.
برقية أخرى عاجلة، فى صباح 22 يناير2011، صادرة من إدارة الـ CIA، كشفت عقد اجتماع طارئ للجهاز الأمن القومى الأمريكى لبحث الموقف فى مصر، ومناقشة مطالب الإخوان، لتحقيق السيناريو المرسوم بدقة.
المخابرات الأقوى
ووفقا للبرقية، فإن إدارة أوباما، وافقت على كل الشروط المطروحة عدا البند المتعلق بجهاز المخابرات العامة، وحذرتهم من اللجوء لهذه الخطوة لخطورتها، مؤكدة أن جهاز المخابرات العامة من أقوى الأجهزة الاستخباراتية فى المنطقة، ومن الصعب التعامل معهم نهائيا، كما رفضت البند المعنى بطرح عناصر حزب الله فى المشهد من بدايته وأشارت إلى إرجائه مؤقتا لحين تقييم المشهد بشكل عملى وبيان حجم قدرتهم على حشد وتحريك الشارع.
لكن تم قطع الاتصال بين ضباط الاتصال فى القاهرة، وبين قيادات الإخوان، منذ 22 يناير 2011، حتى 3 فبراير 2011، الأمر الذى دفع قيادات الإخوان للتواصل مع ضابط الاتصال المسئول عن قطاع الشرق الأوسط بـ الأردن، بهدف السماح لهم بمقابلة ضابط الاتصال المعنى بمتابعة حزب الله، بشكل عاجل وضروري، موضحين أن المشهد فى مصر لم يحسم بعد، وأنه لابد من التدخل العاجل بقوات خارجية مدربة على طريقة حروب العصابات.
تكريس الإنقسام
الكثير من الوثائق التى سربت من جهات صنع القرار فى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، كشفت أن أهداف الإدارات الأمريكية المتتالية منذ عام 2003 ومخططاتها وسياستها فى الهيمنة على المنطقة العربية، ومحاولة تكريس الانقسام والتجزئة العرقية والطائفية والمذهبية، بما يؤدى إلى نشوب صراعات دموية وحروب أهلية، تكون نتيجتها إنهاك شعوب وجيوش المنطقة وسقوطها فى براثن الولايات المتحدة التى تسعى لبسط نفوذها على المجتمعات العربية، وإعادة تشكيلها فى شكل دويلات صغيرة نوعية.
ومن ثم تم توظيف جماعات الإسلام السياسي، ومنظمات المجتمع المدنى التى تمولها الولايات المتحدة عبر موظفى مبادرة الشراكة الشرق أوسطية MEPI المتواجد ممثلين لها فى كل سفارة أمريكية بدول المنطقة، وأن هؤلاء الموظفين هم الذين يعطون التكليفات لإثارة الاضطرابات وأعمال العنف والفوضى وبما يحقق الأهداف الأمريكية فى إسقاط الأنظمة الحاكمة فى بلدان المنطقة، واستبدالها بأنظمة تابعة للولايات المتحدة تم تدريب عناصرها وتمويلهم فى المؤسسات الأمريكية «فريدم هاوس» و «أمتيور» فى صربيا و «أكاديمية التغيير» فى لندن ثم فى الدوحة.
شراكة ثلاثية
فقد حددت وثيقة صدرت فى 22 أكتوبر2010 عن هذه الإدارة بعنوان «مبادرة الشراكة الشرق أوسطية – نظرة عامة» هيكل متطور من وضع برامج وزارة الخارجية الأمريكية تهدف بشكل مباشر إلى بناء منظمات المجتمع المدني، لاسيما المنظمات غير الحكومية، لتغيير السياسة الداخلية فى البلدان المستهدفة لصالح السياسة الخارجية الأمريكية وأهداف الأمن القومى الأمريكي.
وتحت الجانب الخاص بكل بلد فى البرنامج، تقوم كل سفارة للولايات المتحدة بتعيين موظفين من السفارة مسئولين عن إدارة عمليات التمويل، والعمل كضباط اتصال مباشرين مع مختلف المنظمات غير الحكومية ومجموعات المجتمع المدنى التى يتم تمويلها من أمريكا، أما المشاريع الخاصة بكل بلد، فإنه تم تحديدها فى استجابة للتطورات والاحتياجات المحلية على النحو الذى تراه سفاراتنا والإصلاحيون المحليون التابعون لنا، وطبقاً لتحليلاتنا الميدانية لكل مجال خارجي، وقد تؤدى التطورات السياسية فى البلاد إلى بروز فرص جديدة فى صالح الولايات المتحدة، أو تحديات لأهداف السياسة الأمريكية، هنا يجب أن تكون مبادرة الشراكة MEPI جاهزة لتحويل الأموال بما يتلاءم وهذه التطورات واضعة فى الاعتبار المصالح العليا للولايات المتحدة.