المراسل العسكري.. عين الوطن على الجبهة
المراسل العسكري.. عين الوطن على الجبهة
من المدنية ونعومتها إلى الجبهة وخشونتها، وجد المراسل العسكرى نفسه على خط النار يواجه ويرى مباشرة مجنزرات العدو يسمع عن قرب دوى أسلحتهم، إلا أنه ورغم مدنيته تحمل وآثر على نفس إلا أن ينقل واقع وحقيقة البطولات التى يقوم بها رجال القوات المسلحة فى مواجهة العدو.. يرصد ويسجل تفاصيل ومشاهد.. أفراح وأحزان ضحكات ودموع.. دماء وعرق تختلط برمال الأرض المقدسة، دون أن يفكر لحظة واحدة أنه قد يصاب أو يستشهد، فقد رأى بعين رأسه كيف يضحى أبطالنا بكل حب وإيثار بأنفسهم من أجل الوطن، فهانت عليه نفسه ورخصت دماؤه من أجل أن يقوم هو بدوره ويشارك فى ملحمة البطولة، ويكون أحد من يسجلها وينقل تفاصيلها للوطن فى الداخل وللعالم كله ويسجل ويدون لأجيال كثيرة قادمة لتظل تحكى وتروي هى الأخرى جيلا بعد جيل بطولات هذا الوطن.. كثير من صحفى مصر وإعلاميوها خطت أقدامهم الجبهة خلال حرب الاستنزاف وحرب العبور المجيدة ولمعت أسماؤهم فى هذا المجال، نذكر بعضا منهم تقديرا للدور الجليل الذين قاموا به فى تلك الظروف العصيبة التى مرت بها مصر وكانوا خلالها قدر المسئولية وأهلا لها.
سعيد صلاح
الشاذلي وجاد الكريم.. أول مصورين يدخلون ساحة الحرب
أحد أبطال مؤسسة «أخبار اليوم» الذين شاهدوا بعين الصحفى أحداث الحرب وتحرير سيناء وامتلك ذخيرة ضخمة من الحكايات ورثها للقراء ولأجيال الصحفيين من تلاميذه.. ومن المصادفة أن رحيل فاروق الشاذلى كان فى نفس شهر أكتوبر.
فى مقال كتبه طاهر قبيل على صفحات جريدة «الأخبار» قائلا: كانت الرابعة من بعد الظهر وكنا كل ما نحصل عليه فى صالة تحرير «الأخبار» معلومات غير مؤكدة عن تحركات لقواتنا المسلحة واتصالات من القراء عن سماعهم لأصوات طائرات فى الجو.. وفشلنا فى التواصل مع الجهات العسكرية لسحب بعض الخطوط لصالح التحركات وفرض السرية عن العمليات مع تكرار بيانات عسكرية مقتضبة.. وفجأة جاء البيان الذى يحلم به كل المصريين بأن الجيش عبر قناة السويس ورفع العلم خفاقا على الشاطئ الشرقى فوق رمال سيناء.. وتبدل الحال فى صالة التحرير وتم إلغاء المواد المعدة للنشر وإصدار أكثر من طبعة تحمل متابعة فورية لكل جديد.
وتعود الحياة للاتصالات ويتم اختيار فاروق الشاذلى والفنان المصور مكرم جاد الكريم للانطلاق مع قافلة إعلامية إلى السويس مع أول ضوء يوم 7 أكتوبر وصرف «أفرول» لكل محرر عسكري.. وتتعرض القافلة الإعلامية لغارة جوية معادية عندما يصلون إلى البر الغربى ويختبئون فى أحد الدكاكين.. ومع انتهاء الغارة يتحركون إلى مكان آخر يرصدون من خلاله انطلاق أبطالنا البواسل مندفعين بكل بطولة إلى البر الشرقى من أحد المعابر لدعم المجموعات التى عبرت ومعاونتهم فى تحطيم خط بارليف.. ويرفض المسئولون عبورهم، فالأولوية للقوات والمعدات المشاركة فى القتال فينتقلون إلى مكان آخر ويتعرضون لغارة جوية أخرى وتتصدى لها وسائل دفاعنا الجوى وتسقط طائرة فانتوم إسرائيلية يتمكن مكرم جاد الكريم من التقاط صورة لها.. وتحاول أخرى الهروب فتغمرهم بالرمال.. ويقف الراحل فاروق الشاذلى على سلم لورى عسكرى لكى يصل إلى قيادة الجيش الثالث الميدانى ليبلغ الجرنال بما شاهده.. ويتركه السائق على بعد 10 كيلومترات من القيادة.. وتأتى سيارة نقل مياه ولا يجد له مكانا سوى احتضان خرطوم المياه.. ويرفض الأمن دخوله القيادة فيستكمل رحلته إلى القاهرة فى عربة لنقل الإمدادات ملتحفا مع الجنود بمشمع مملوء بالزيت والشحوم للاحتماء من البرد.
أما مكرم جاد الكريم، فكان أول مصور صحفى يدخل الجبهة فى سيناء، كان كبير مصورى أخبار اليوم، وصاحب اللقطات العبقرية التى تؤرخ لتاريخ مصر فى مناسبات عديدة، صاحب أخطر صور فى تاريخ الصحافة وهى صور حادث المنصة عند اغتيال الرئيس الشهيد الراحل محمد أنور السادات.
قام بتغطية الكثير من الحروب مثل حرب اليمن وحرب الاستنزاف وحرب تشاد وحرب الخليج وحرب أكتوبر.
الغيطاني.. أديب المراسلين العسكريين
خلال أكثر من 45 عاما ظل جمال الغيطاني، يحكى ويروى ما وثقه بالقلم والصورة عن تفاصيل الملحمة الكبرى، حين كان يعمل وقتها مراسلا صحفيا حربيا لجريدة أخبار اليوم.
«الغيطاني» تأثر فى بداية حياته الأدبية والصحفية بالروائى الكبير نجيب محفوظ، وحكى فى كتابه «الرفاعي» عن ليالى حرب أكتوبر، وكيف وقعت وسط أجواء رمضان، وتحمل وقتها الجنود والمراسلون الجوع والعطش رافضين الإفطار.
وعقب النصر وتحديدًا فى عام 1974 انتقل «الغيطاني» للعمل فى قسم التحقيقات الصحفية، وبعد ذلك قام بتأسيس جريدة «أخبار الأدب» فى عام 1993، وظل رئيسًا لتحريرها إلى أن توفى عام 2015 عن عمر ناهز السبعين عامًا.
ودائما ما يروى «الغيطاني» عن الحرب والدور البارز الذى لعبه الطيارون المصريون فى 1973، وكيف كان للطيار المصرى دور مهم فى رفع الروح المعنوية لدى المصريين، وبطولات قوات الدفاع الجوى فى إسقاط طائرة استطلاع متقدمة بمقاييس الوقت، كان اسمها «ستراتو كورز» وكان إسقاطها صعباً لما تحمله من إمكانيات متقدمة، وكان فى ذات الوقت موجوداً بقاعدة أبو صوير عندما تم إسقاطها واعتبر هذه اللحظة محطة فارقة فى تاريخ الحرب.
ولفت إلى موقف آخر عندما تم تضليل صاروخ مضاد لقواعد الصواريخ الموجودة بين القوات المصرية وكان اسمه «سترايك»، وتم إطلاقه لرصد الإشارات المنبعثة من قواعد الصواريخ المصرية ويحفظها، هكذا يظل متجهاً إليها حتى إذا التزمت القواعد بالصمت الراداري.
وتحدث عن حصار منطقة «كبريت»، والتى أظهرت بسالة وجدية المقاتل المصرى أثناء حرب أكتوبر، وظهر ذلك فى صمودهم أمام الحصار والذى كان أطول حصار خلال الحرب، حيث استمر
134 يومًا مات خلالها الناس جوعًا، ورغم ذلك لم يسقط علم مصر عنها، كما ذكر أن أحد الجنود ظل على جبل عتاقة طوال هذه الفترة، وكان يتغذى على ورق الشجر.
صلاح قبضايا.. صاحب أشهر الكتب عن حرب أكتوبر
بترشيح من مصطفى أمين التحق صلاح قبضايا الذى لقب فيما بعد بـ «عميد المحررين العسكريين» بـ «الأخبار» كمراسل عسكرى لها فى أوائل الستينيات، وظل اسمه ملازمًا للجريدة لفترة من الزمن؛ حيث شارك كمراسل عسكرى فى عدد من الحروب، وأصيب فى حرب اليمن.
اسمه الحقيقى هو محمد صلاح الدين قبضايا، إلا أنه اشتهر فى الوسط الصحفى باسم «صلاح قبضايا»، ولد فى 25 فبراير 1936، ونشأ فى بورسعيد وقت الاحتلال الإنجليزي، ودرس فى كلية الآداب قسم الصحافة فى أولى دفعاتها 1961.
وكان قبضايا تلميذًا للكثير من الكبار، منهم مصطفى أمين وجلال الدين الحمامصي، ومع تأسيس أول صحيفة معارضة فى مصر عقب 1952، وهى جريدة «الأحرار» ، كان من المفترض أن يكون «الحمامصي» أول رئيس تحرير، إلا أن رحلة غامضة لم يعرف سببها لباريس حالت دون ذلك، فترك الحمامصى التجربة الوليدة لتلميذه وشريكه فيها صلاح قبضايا.
ويعد كتابه «الساعة 1405» أول كتاب عن حرب أكتوبر 1973 وأهم المراجع عنها، والتى نوه فيه إلى أن عظمة حرب أكتوبر تتجلى فى أنها أبرزت مدى صمود المقاتل المصري، موضحًا أن إرادة الإنسان المصرى تغلبت على كل المعوقات والصعوبات التى واجهته.
وتحدث فى كتابه عن الضابط الذى ابتكر خراطيم المياه لفتح السواتر الترابية فى خط بارليف الحصين، مؤكدًا أنه تمكن من فتح ثغرات بواسطة طلمبات أو ماكينات ضخ للمياه، والذى أدى إلى انهياره فى لحظات معدودة.
وفى كتاب آخر له بعنوان: «مشاهد الضربة الجوية» تحدث عن الضربة الجوية وعملية العبور، والساتر الترابى وتحصينات خط بارليف، وكيف خالف قائد القوات الجوية كل المعارضين للعمليات الهجومية.
وفى يوليو من عام 2014، هزم قبضايا فى معركته الأخيرة مع المرض ليلقى ربه، وخرجت صحف مصر تحمل نعيه فى خبر كان عنوانه «وفاة عميد المحررين العسكريين».
حمدى لطفي.. «الهلال» على الجبهة
كان مراسلا عسكريا لدار الهلال، والذى كان يوصف بأنه عميد الصحفيين المصريين المتخصصين فى الشؤون العسكرية.
وكان من أكثر من تحدثوا عن الدور البارز الذى قامت به الدبابات المصرية فى حرب أكتوبر على المستوى التكتيكى العسكري، الأمر الذى دفع بعض المعلقين العسكريين فى أنحاء العالم لدراسة وتحليل نتائج حرب أكتوبر إلى القول: «بأن جندى المدفعية المصرية قد قضى نهائيا على الدبابة فى هذه الحرب، وأكد أن دور الدبابات سيتوارى كثيرا فى المعارك القادمة».
وروى عن إصرار المقاتلين المصريين الذين قاتلوا لمدة 48 ساعة فى بداية الحرب دون أن يتناولوا وجبة طعام واحدة أو شربة ماء أو فكر أحدهم فى تدخين سيجارة، بل إن أكثرهم قضى فى هذه الحرب مائة ساعة متصلة بلا نوم.
حمدى الكنيسي.. عندما دخل حقل ألغام وأنقذه بطل صاعقة
كان أحد مراسلى الحرب، وشغل مناصب مشرفة فى المجال الإعلامي، كرئيس الإذاعة الأسبق، ومستشارًا إعلاميًا لمصر فى لندن ونيودلهي، وله عشرات المؤلفات عن الإعلام والإذاعة.
وتحدث فى كتابه «الحرب عن طريق السلام» عن حرب أكتوبر، ونال عليه جائزة أفضل كتاب عام 1997، كما أنه قدم برامج إذاعية عديدة بعد حرب أكتوبر كان منها: «صوت المعركة ويوميات مراسل حربي»، تلك البرامج التى ذاع صيتها حتى وصل إلى إسرائيل ذاتها.
ويحكى «الكنيسي» عن ذكرياته أثناء الحرب قائلًا: «كدت أفقد حياتى أثناء عبورى للقناة لولا شجاعة أحد أبطال الصاعقة الذى دفعنى داخل المياه ليبعدنى عن حقل ألغام».
وروى عن بطولات الجنود وكيف حققوا انتصارات قوية بإسقاط الدبابات بسلاح محمول على الأكتاف وسيرًا على الأقدام.
كرمه السادات تقديرا لجهوده التى قدمها كمراسل حرب يحارب من خلال أدواته، ومن خلال البرامج التى لعبت دوراً مهماً فى رفع الروح المعنوية للجنود، إضافة إلى خلق حالة من الالتفاف والتواصل بين الجبهة والشعب، مما أعطى شعوراً بأن الكل يحارب.
وروى «الكنيسي» أن البرنامج ساهم فى توتر إسرائيل، وشكلت لجنة لبحث أسباب انتشار البرنامج المصرى المعادى «صوت المعركة» بين الإسرائيليين الذين يعرفون اللغة العربية.
وعن رأيه فى شخصية الرئيس السادات أكد دوره الحاسم فى المعركة قائلا: «لقد أعطى الرجل انطباعاً لإسرائيل والغرب بأنه لا يملك الجرأة على اتخاذ قرار الحرب، بل إنه قد تم تسريب إحدى الصور الخاصة به وهو يرتدى المايوه على شاطئ البحر وبجواره كلب يداعبه، مما أعطى انطباعاً للعدو بأنه يريد أن يمارس حياته كالملوك ولا يشغله التفكير فى القيام بحرب لتحرير الأرض والكرامة العربية، وبذلك لعب السادات شخصياً دوراً أساسياً فى خطة الخداع والتضليل، كما أنه تحمل الكثير من الانتقادات التى كانت توجه له فى الداخل بأنه ليس الزعيم الذى يتخذ قرار الحرب».