عبد الله يسري يكتب: «تأملات».. الموظف العاشق

عبد الله يسري يكتب: «تأملات».. الموظف العاشقعبد الله يسري يكتب: تأملات .. الموظف العاشق

الرأى1-11-2020 | 13:23

أكتب هذه السطور عن تجربة لى التقيت فيها بنموذج من الموظفين أثار بداخلى تساؤلات كثيرة.
وقبل سرد التفاصيل علىَّ أن أؤكد أن ما تشهده المرافق الحكومية من تطور وتحديث يدعو للتفاؤل وأن الصورة الذهنية لموظفى الحكومة التى رسخت لها السينما والدراما تتغير إلى الأفضل فى ظل النشاط والمتابعة لرأس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولى الذى يثير الدهشة فى متابعته الميدانية لكثير من المشاريع القومية فى كل ربوع مصر وأيضًا ما تم استحداثه من آليات لخدمة المواطنين والتعاطى مع شكواهم فى مقر رئاسة الوزراء بمنتهى الاحترام والمسئولية!!
بما يجعلنا نتسائل؛ هل هذا يحدث فعلاً فى مصر؟!
قد تظن عزيزى القارئ أن أتجمَّل أو أبالغ لكن اقرأ.. واحكم بنفسك!
كل موظف هو رسول الوزراء التى يعمل بها ومرآتها أمام الناس.. قد تذهب إلى دائرة حكومية لحلّ مشكلة أو طلب خدمة لك أو لأحد من الناس لا يستطيع الذهاب بنفسه، يقابلك موظف بوجه متجهم.. لا يعطيك فرصتك فى الحديث.. يرمى بك إلى موظف آخر ثم لآخر وآخر..
وفى النهاية لا تنجز معاملتك.
وموظفة وأنت تقف أمامها وتخاطبها؛ لا تعرف هل تردّ عليك أم على جهاز الموبايل المعلَّق فى حجاب رأسها والذى تتحدث فيه عن مشاكل الأولاد والطبيخ فى نفس وقت العمل والتعامل مع المواطنين!! أقسم بالله هذا يحدث..
الموظف رسول الحكومة إما أن يجعل المواطن طالب الخدمة راضيًا.. متفهمًا لأى إجراء أو إصلاح تقوم به الحكومة لنصل إلى درجة المواطن المتعاون والمصطف خلف القيادة السياسية، وإما أن يجعل هذا الموظف، المواطن ساخطًا.. معترضًا.. ناقمًا..
ذهبت بنفسى إلى رئاسة الوزراء لتقديم شكوى لحل مشكلة؛ رفض الموظف المعنى وهو "بيروقراطى كبير" أن يحلَّها من موقعه متعللاً باللوائح ونص القوانين وهى نفس الذريعة التى يسوقها أى موظف ردًا عليك وللوهلة الأولى، رغم أنك لو عدت إلى نص القانون لوجدته فى كثير من الأحيان لصالحك وأن روح القانون نفسه يقف إلى جوارك!! ما يَهمُّنى هو ذلك الموظف المحترم الذى كان يقف على باب رئاسة الوزراء والذى كان يلبس الكمامة وبزيِّه الرسمى والذى استمع لى فى عرض الشكوى رغم أنى كنت ألبس الكمامة وفوقها نظارة سوداء وأشك أنه عرفنى حينها..
استمع الموظف لى فى أدب جمَّ ثم أدخلنى إلى مكتب الشكوى وأخذ يتأكد بنفسه فى الأوراق والوثائق ثم دار حديث بينى وبينه لأكتشف ثقافته الواسعة والمدركة لحجم مصر وتاريخها ومكانتها فى الإقليم ثم لاحظت وضعه لشارة "أكاديمية ناصر العسكرية" فعرفت أنه أحد خريجيها وهنا زال العجب منى!!
فدرجة الوعى والمسئولية والأدب الجمّ والانضباط يتسم بها كل من يحمل هذه الشارة ويستحق بجدارة لقب "رجل دولة"!!
أخذ الموظف المحترم منى الشكوى ولم يُفصح لى عن اسمه ولا حتى عرفت ملامحه من تلك الكمامة وقال لى "هذه تعليمات لضمان مزيد من النزاهة والشفافية والقضاء على الفساد وغير مسموح لنا بإعطاء أى معلومات عن أسماء أو أى تفاصيل" واكتفى بكتابة رقم تليفونى على الشكوى!!
ترى ما الفرق بين هذا الموظف وتلك النماذج من الموظفين التى سردتها قبله؟!
إنه عشق الوطن واستشعار أن كل واحد منا يقف على ثغر من ثغوره.. كل منا مسئول، فإما أن يكون رسولاً للحكومة معبرًا عما وصلت إليه من تطور وما تتجلى به من مرونة وقدرة على خدمة الناس وإما أن يكون غير ذلك!
إليك أيها الموظف الذى كنت تقف فى الشمس عند بوابة رئاسة الوزراء ولا أعرف اسمك ولا حتى ملامح وجهك بسبب الكمامة، أقدم التحية لك ولكل موظف بدرجة عاشق لهذا الوطن!!
نحن نحتاج لمثل هذا النموذج الآن وقبل أىّ وقت مضى، وهنيئًا لكل وزارة وكل دائرة حكومية تختار بعناية رُسلها الذين يتعاملون مع الجمهور ومع الناس، فمن كان هؤلاء رُسلهم تركوا الأثر الطيب والرضا والتعاون والاصطفاف خلف الدولة فالعشق درجة كبرى تجعلنا نتجاوز كل العقبات لنيل رضى المعشوقة.. مصر.
أضف تعليق