ماجد بدارن يكتب: على الجميع دون استثناء

ماجد بدارن يكتب: على الجميع دون استثناءماجد بدارن يكتب: على الجميع دون استثناء

الرأى6-11-2020 | 14:31

للأسف تغافلنا لسنوات بإرادتنا أو رغمًا عنا عما يحدث فى المجتمع من ظواهر سلبية، فزاد الجنوح إلى الفوضى وعدم احترام القانون لدى البعض، والتسيب وعدم الانضباط، ووجود حالة من التربص تسود التعاملات والتصرفات بين الأفراد وتتحكم فى ردود أفعالهم التى تقترن بالحدة والرفض المسبق لكل الآراء المخالفة وتسفيه الرؤى الأخرى، وكلها ظواهر سلبية تؤثر على المجتمع ومسيرة التنمية. فهذه الظواهر السلبية المرفوضة قد تدمر مجتمعًا كاملاً وهذه حقيقة ثابتة فى التاريخ وعلوم الاجتماع والسياسة والاقتصاد، فيعانى المجتمع المصرى من ظواهر تكاد تعصف باستقراره، فقد جسدّت كثير من الجرائم التى حدثت مؤخرًا عنفًا لم يكن مألوفًا وقسوة لم تكن متخيلة، ولم يكن يتصور أحد صدورها ممن صدرت منهم، من آباء وأمهات وأزواج وزوجات، فكثير من جرائم الأسرة أصابتنا بالدهشة والذهول والألم.. وكثير من الجرائم كان مرتكبوها أطفالاً جنحوا للعنف، هذا العنف مع البلطجة ظواهر خطيرة تهدد المجتمع، كما تُظهر الإحصائيات زيادة فى أرقام تعاطى وإدمان المخدرات، ما يؤدى لزيادة الجرائم كالسطو المسلح والقتل والاغتصاب وغيرها من الجرائم، أيضًا التحرش الجنسى من أكثر الظواهر السلبية التى تتعرض لها الفتيات والسيدات فى الشوارع والأماكن العامة مما يهدد سلامة المجتمع. كما نلاحظ انتشار النفاق الاجتماعى، فنجد الشخص يُظهر سمات وصفات حميدة أمام الناس، ويُبطن فى نفسه ما يناقضها، فيظهر التدين وهو بعيد عن الدين، ويُظهر الشهامة والمروءة وهو غير ذلك تمامًا، هذه الظواهر الاجتماعية السلبية وغيرها أفرزت فوضى الشارع وانحدار الذوق العام واعتياد القبح والتلوث السمعى والبصرى. ويجب أن نعترف بوجود كوارث تحدث خلال التعامل والاحتكاك اليومى بين أفراد المجتمع بصورة متكررة وتشكل ظاهرة تستوجب التوقف عندها وبحثها من الخبراء والمتخصصين لمعرفة جذورها وأسبابها والعمل على حلها بدلاً من الاكتفاء بلعنها ورفضها، فنحن لا نقدم حلولاً لكن فقط نعبر عن استيائنا منها. اعتبر ابن خلدون قضية الضبط الاجتماعى ضرورة ملحة يجب أن تتوافر فى أى مجتمع لضبط سلوكياته وأفعاله وتنظيم حياته وفرض الاستقرار والتوازن فيه. هذا وتعتبر عملية التنشئة الاجتماعية من أهم وسائل الضبط الاجتماعى، فهى التى تعلم الطفل قيم المجتمع، وتعده للحياة الاجتماعية المقبلة التى سيتعامل فيها مع آخرين خارج نطاق الأسرة، ويتأثر الطفل بوالديه بالتقليد والمحاكاة، فيبدأ ببناء شخصيته، وللمدرسة دور كبير فى تنشئة الطفل وتربيته، فيتعلم فيها احترام نفسه واحترام الآخرين، كما يتعلم ضبط نفسه، فى المدرسة يجد النمط التالى لنمط والديه متمثلا فى المعلم، فيطيعه ويتعلم منه عادة الطاعة والاحترام، وهكذا تصبح التربية أداة أخلاقية فى يد المجتمع لضبط أبنائه. أيضًا أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى وسيلة قوية من وسائل ضبط المجتمع، بعد أن أصبح صوت المواطن مسموعًا وبقوة، وتحول لقوة ضغط حقيقية فى الرقابة والمتابعة وحسم كثير من الأحداث المثيرة للجدل. أما القانون فهو أعلى أنواع الضبط الاجتماعى دقة وتنظيمًا، ويتميز عن بقية الضوابط بكونه أكثرها موضوعية وتحديدًا، وينطوى على العدالة التى لا تفرق بين أبناء المجتمع، فالثواب والعقاب صنوان فى القانون، وهو فى العقاب بمثابة الردع أو منع وقوع جريمة أو ارتكاب خطأ، ويحدد القانون العقوبات وفقًا للخطر الذى يمثله الخارجون عليه، ويعتبر كضابط اجتماعى يجمع كل الآليات التى تمنع الانحراف. ولا شك أن انهيار المجتمع له أسبابه التى نعرفها جيدًا وأولها الفقر، فحين يدخل الفقر من الباب تهرب الأخلاق من الشباك وتختفى كل أركان القيم والفضيلة أمام احتياجات البطون الجائعة. ثانى الأسباب هو الجهل، فقضية الأمية جريمة كبرى فى حق الشعب، ففى مصر 18.4 مليون أمى، والجهل أساس التخلف والإرهاب وغياب الوعى. السبب الثالث هو الزحام، وله أيضًا سلوكياته السلبية، لأن ثقافة الزحام مع غيبة التربية وتعلم النظام لا تصنع بشرًا أسوياء، الزحام فى فصول المدرسة، فى وسائل المواصلات، وجود أسرة كاملة فى غرفة واحدة مع دورة مياه مشتركة، وطوابير فى كل مكان.. أمام السجل المدنى، مكاتب التموين، المستشفيات، وسط الزحام تتبخر الأخلاق وتنمو العدوانية والأنانية ويتصور الفرد أن تحقيق مصلحته لا يتم إلا على رقاب الآخرين، فتختفى الرحمة وتسقط الإنسانية، وسط الزحام تغيب الأخلاق وينتشر التحرش. إن عملية إنقاذ المجتمع تبدأ بمحاربة الفقر والجهل ومكافحة المخدرات وتحسين جودة حياة المصريين. وخلاصة القول أن المجتمع المصرى سريع الفساد وسريع الصلاح فى نفس الوقت، فهو مجتمع يسهل إفساده ويسهل إصلاحه أيضا، ومن الممكن لحكومته أن تحوله لمجتمع فاسد بالتراخى والتكاسل فى فرض القانون، ومن الممكن أن تجعله مجتمعا صالحا، إذا توافرت لها الإرادة والقدرة والرؤية، وطبقت القانون على الجميع دون استثناء.. أكرر «دون استثناء».
أضف تعليق

إعلان آراك 2