عاطف عبد الغنى يكتب: الفيلم الممنوع (!)
عاطف عبد الغنى يكتب: الفيلم الممنوع (!)
«فيلم سافل».. هذه الإجابة جاءتنى من شخص سبقنى إلى مشاهدة الفيلم المثير للجدل (18 يوم).. ما وجه السفالة فى الفيلم؟! أجابنى ذات الشخص: (الألفاظ التى فى الفيلم)، مضيفًا أن التحذير الذى يجب أن يصاحب الفيلم هو (+ 25) وليس (+ 18) فقط، والأرقام تعنى – كما هو معروف – تحديد الفئات العمرية المسموح لها بمشاهدة الشريط، لكن كل هذا لم يغرنى على مشاهدة الفيلم، تلك المشاهدة التى سبقنى إليها ما يزيد على 3 ملايين، غالبًا أغرتهم العبارة التى عنونوا بها الفيلم لجمهور الـ «يوتيوب» حيث كتبوا: «الفيلم الممنوع من العرض بقرار سيادى».
(1)
لا شك العبارة مستفزة، فالممنوع دائما مرغوب، هذه غريزة إنسانية، ولكن الدافع الأقوى لمشاهدتى كان وراءه مقال فى موقع إلكترونى أجنبى قدم للفيلم وتحدث عنه وكأنه منشور سياسى وليس شريطًا سينمائيًا، أو عملًا دراميًا، وعلى صفحات «اليوتيوب» التى تعرض الفيلم كان هناك كليبات أخرى لبرامج «الردح» الإخوانية المحمولة على الفضائيات الممولة بالريال القطرى وعملات أجنبية أخرى لا تركز على العمل الدرامى ولا يهمها مضمونه، ولكن كل همها أن تستغل ما أثير عن منعه فى طفح مزيد من البذاءات والسفالات ضد أعدائهم من المصريين جميعهم، الحكام، والسلطات، وباقى الشعب الذى لفظهم.
(2)
على هذه الخلفية قررت أن أشاهد الفيلم، وأنا مشوش البال تجاهه، وتصورت أننى مقدم على مشاهدة فيلم ردىء موجه.. يحمل وجهة نظر أحادية للأحداث، ووجهة النظر هذه بالطبع سوف تنتصر لفئة الثوريين المزيفين والملوثين عن عمد أو تغفيل.
ومع البدايات الأولى للعمل أصابنى شىء من التوتر، وبعد قليل مع ألفاظ السباب المتجاوزة كل الحدود المتعارف عليها لعمل فنى، والمباشرة الساذجة للحكاية الأولى من العمل الذى يقدم 10 حكايات، كدت أحكم عليه بالفشل وعند منتصف الفيلم قلت لنفسى إنه أقرب للعمل التسجيلى منه للفيلم الدرامى، ومع القصة الأخيرة التى حملت عنوان «أشرف سبرتو» غفرت للفيلم أكثر سيئاته، وقلت لنفسى: لو منح صنّاع الفيلم أنفسهم شيئًا من الروية والاندفاع لتخلصوا من الأحكام الأولى غير الدقيقة عن الثورة، ولو نظفوا شريطهم السينمائى من الألفاظ «السافلة» لصنعوا إبداعًا أكثر من الجيد يعكس طزاجة المشاعر الثورية، ويرصد سلوكيات أغلب شرائح المصريين خلال أيام الثورة الأولى منذ انطلاقها يوم الثلاثاء 25 يناير وحتى رحيل مبارك يوم الجمعة 11 فبراير.
(3)
الفيلم يحوى10 حكايات منفصلة، تجمعها وحدة موضوعية هى ثورة 25 يناير، ومن بين الحكايات العشرة تأتى الحكاية الثالثة، وعنوانها (1919) لتحمل أكثر ذنوب العمل.
وواضح جدا أن الحكاية تم استلهامها من سيرة أكذب شخصية عرفتها أيام الثورة الأولى وهو المدعو وائل غنيم الذى تم تصويره فى تلك الأيام الأولى بالأيقونة الثورية، وللغرابة فقد جسد الشخصية فى الفيلم ممثل لم يعد يحبه المصريون بسبب مواقفه وآرائه وهو عمرو واكد، وفى الشريط السينمائى ظهر التناول للصراع بين هذه الشخصية والسلطة ممثلة فى ضباط أمن الدولة مبالغ، فيها تعتمد على الألفاظ المسفة التى تصدر عن شخصيات مسطحة بهدف واحد هو شيطنة الأمن، وهى الخلفية التى تحرك عليها ثوار يناير، وظهر فيما بعد أنها كانت متعمدة ومهندسة من جهات معلومة الآن للوصول إلى الصدام وإسقاط مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسة الأمن، وهو السيناريو الذى تم تجريبه وأثبت نجاحه فى الثورات الملونة فى بلدان أوروبا الشرقية قبل أن تهب رياح ما سمى بالربيع العربى.
(4)
الانتصار على الوطن هو الهزيمة بعينها، وفيلم (18 يوم) حاول بالفعل – من وجهة نظر صانعيه والنجوم التى شاركت فيه - الانتصار للوطن وليس الانتصار عليه وذلك من خلال فضح سلوكيات الفساد الاجتماعى والأخلاقى الذى قامت عليه الثورة، والانتصار لأحلام المهمشين البسيطة فى الحياة، مثل بائعة الشاى فى ميدان التحرير فى حكاية «خلقة ربنا» تلك الفتاة الواقعة تحت رهبة سلطة الفتاوى الدينية المغلوطة، وأمين الشرطة الذى يفرض عليها إتاوة، أو أسرة بلطجي الحزب الوطنى فى حكاية «تحرير 2-2» تلك الأسرة العشوائية التى تشتهى أن تتناول وجبة من السمك البلطى فتحصل عليها مخضبة بدماء شاب ثورى، وقد شارك عائلها بسنجته ضد الثوار، وغيرها من الحكايات التى عرفناها قبل وأثناء وبعد الثورة، والسلوكيات المرفوضة التى نعرفها جميع ونتداول الحديث عنها صباح مساء، وندعّى أنها تعكر حبنا للوطن على الرغم من أننا أنفسنا من يقترف هذه الذنوب.
باختصار سجل الفيلم مشاهد الثورة التى تدين فئات من الشعب أكثر ما تدين السلطة، لذلك لا أتصور أن جهة سيادية كما تقول دعاية الفيلم منعته من العرض، بل على العكس لو كنت مكان المسئولين لأمرت بعرض الفيلم، ومناقشته على أساس أنه عمل فنى.. وليس منشورا سياسيا، والألفاظ المرفوضة فى حواره علاجها سهل وبسيط.
ويبقى فقط من حكاية فيلم (18 يوم) أن أؤكد لهؤلاء السُذج الذين اصطادوا ما أثير حول منع الفيلم ليجعلوه عناوين لمنشوراتهم ومدخلا لبرامج ردحهم الفضائية.. امنعوا أنتم أفلامكم المسفة.