محمد أمين يكتب: صفعة على وجه البرلمان الأوروبي

أصدر البرلمان الأوروبي الجمعة قبل الماضية قرارًا من 19 بندًا، خلال ما عُرف بأسبوع حقوق الإنسان، موجهًا للدولة المصرية. تضمن القرار مجموعة من النقاط رد عليها البرلمان المصري والخارجية المصرية و مجلس الشيوخ والعديد من المؤسسات والأحزاب السياسية، إلا أن آلة الإعلام القطرية وحليفتها التركية حاولت تقديم القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي كما لو كان قرارًا صادرًا عن مجلس الأمن، مرددة مجموعة من أحاديث الإفك. كنت أود ألا أتحدث عن هذا القرار، خاصة أن المرحلة التي يمر بها العالم بشأن مواجهة الموجة الثانية من جائحة كورونا تحتم علينا جميعًا تكثيف جهودنا لمواجهة الجائحة حفاظًا على حياة البشر التي تعد أسمى حقوق الإنسان.

وفي الحقيقة إننا جميعًا أمام مسؤولية تستوجب منا الاصطفاف خلف الدولة لخلق حالة من الوعي بخطورة عدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية في ظل تلك الجائحة التي من المتوقع أن تتجاوز أعداد الإصابات الألف شخص يوميًا في مصر خلال هذا الأسبوع بحسب البيانات الرسمية. أعود إلى قرار البرلمان الأوربي، أو بمعني أدق التوصية الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان ب البرلمان الأوروبي يوم 18 ديسمبر الجاري. دعونى أوضح أولًا أن ما يصدر عن البرلمان الأوروبي، وما يطلق عليه قرارات، ليس سوى توصيات يتم تقديمها إلى الحكومات والبرلمانات الأوروبية وبرلمانات وحكومات الدول الأخرى للأخذ بها أو عدم الأخذ بها، إلا أن آلة إعلام قوى الشر تستغل تلك التوصيات لرسم صورة مغلوطة للضغط على الدول والحكومات. فما الذى حدث فى جلسة يوم الجمعة قبل الماضية خلال أسبوع حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبى؟ وهل سيكون هذا التقرير هو الأخير؟ ولماذا تلك الأسماء التى طالب البرلمان بالإفراج عنها تحديدًا؟ وما التحركات التى سبقت القرار ولجان الاستماع التى وجهت لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبى ومن الذى أنفق وأدار كل تلك التحركات؟

(1)

لم يختلف المشهد فى لجنة حقوق الإنسان خلال جلسة 18 ديسمبر الجارى كثيرًا عن جلسة 21 أغسطس 2013 عقب إطاحة الشعب المصرى بحكم جماعة الإخوان الارهابية واسترداد الدولة المصرية المختطفة، أو جلسة أبريل 2015، أو يونيو 2017 أو ديسمبر 2018 أو أكتوبر 2019، جميعها محاولات لا تتوقف عن استهداف الدولة المصرية. عقب ثورة 30 يونيو 2013 هرع أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية بمعاونة تركية قطرية بتقديم ملف إلى تلك اللجنة حينها أصدر البرلمان الأوروبى قرارًا بوقف التسليح للدولة المصرية زعمًا أنه يستخدم هذا التسليح فى قمع الحريات. ترتب على ذلك تقديم صورة سلبية عن الثورة الشعبية المصرية فى 30 يونيو 2013، وهى الصورة التى صُححت عقب انتخاب الرئيس السيسي عام 2014 وجولاته الخارجية والدور الذى قامت به الخارجية المصرية من تفنيد كامل للمزاعم والادعاءات التى أثارتها الدوحة وأنقرة بالتعاون مع التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية. وثَّقت الخارجية المصرية فى تقرير لها من 108 صفحات، جرائم الجماعة الإرهابية وما تتلقاه من دعم من كل من قطر وتركيا والعمليات الإرهابية التى قامت بها عناصرها داخل مصر، وعقب توضيح الصورة أدركت دول الاتحاد الأوروبى أن ما عُرِض على برلمانها لم يكن سوى حديث إفك تحترفه تلك الجماعة الإرهابية والنظامين القطرى والتركى. ارتفع مستوى الشراكة الأوروبية مع مصر منذ 2014 وحتى الآن إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية رغم القرارات المسيسة داخل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبى. وكى لا نتعجب من ذلك القرار (التوصية) الأخير، دعونا نسترجع تفاصيل الجلسة التى ارتكزت على دول المقاطعة الأربعة (مصر، الإمارات، السعودية، البحرين) وهو ما يدل على أن توجه اللجنة لم يكن يستهدف الحديث عن حقوق الإنسان بقدر ما استهدف الحديث عن دول المواجهة مع النظام القطرى الداعم للإرهاب.

(2)

على مدى ثلاث سنوات تولى خلالها «على بن صميخ المري» رئاسة ما يعرف باللجنة الوطنية ل حقوق الإنسان بدولة قطر؛ زار «المُرى» العاصمة البلجيكية (بروكسل) عدة مرات والتقى رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبى وعدد من أعضاء البرلمان، حيث رافقه فى تلك اللقاءات عدد من أعضاء التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية وعدد من عناصر جهاز الاستخبارات التركية. استهدفت تلك اللقاءات استمرار الضغط على الدول الأربع من خلال حديثها الزائف عن انتهاكات لحقوق الإنسان. حرص «المُرى» على زيارة عدد من العواصم الأوربية فى 2017 و2018 و 2019 وعقد ندوات فى كل من أسبانيا (مدريد) وبريطانيا (لندن) وفرنسا ولكسمبورج، بالإضافة إلى العاصمة البلجيكية (بروكسل). كما يحرص المرى على لقاء مجموعة من أعضاء الكونجرس الأمريكى كل عام لتقديم طلب عقد جلسة استماع لعدد من أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية كل عام يحاولون بها الضغط على الإدارة الأمريكية لاتخاذ موقف ضد الدولة المصرية، وهو ما فشلت فيه تلك المجموعة خلال إدارة ترامب، وتحاول خلال الأسابيع القادمة وعقب تولى الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن مهام منصبة عقد جلسة استماع فى الكونجرس لإصدار قرار يدعو الإدارة الأمريكية الجديدة لاتخاذ موقف ضد الدولة المصرية تحت زعم انتهاك حقوق الإنسان وتقييد الحريات، وهو ما سبق استخدامه من جانب إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما. استوجب هذا الأمر من الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب ألا تترك نفسها رهن مجموعة من العناصر الإرهابية التى تقدم تقارير مغلوطة إلى عدد من أعضاء الكونجرس الذين يرتبطون بمصالح اقتصادية وشراكات استثمارية مع عدد من أعضاء التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية. نعود إلى تقرير البرلمان الأوروبى الذى جاء عقب جلستى استماع عُقدتا يومى الثلاثاء والخميس 15 – 17 ديسمبر الجارى وكانتا أشبه بسيناريو إدارة مسرحية تم إخراجها للوصول إلى هدف معين - ألا وهو (تقرير يدين أوضاع حقوق الإنسان فى كل من مصر، الإمارات، السعودية، والبحرين). تم الاستماع إلى أقوال ما تم تسميتهم بالشهادات الحية، قامت «الدوحة» بدفع نفقات إقامة أصحاب تلك الشهادات، يوم الثلاثاء 15 ديسمبر، وهم القطريتين د. وفاء اليزيدى والطالبة جواهر محمد المير، وخديجة جنكيز خطيبة جمال خاشقجى، والطالب البريطانى ماثيو هيدجز، إلى جانب على الأسود، بحرينى الجنسية. جاءت د. وفاء اليزيدى من الولايات المتحدة الأمريكية على نفقة اللجنة الوطنية لحقوق الانسان بدولة قطر، وكذا الطالب البريطانى الذى قَدِم من لندن وعضو مجلس النواب البحرينى على الأسود الذى قَدِم من واشنطن أيضًا. فى جلسة يوم الخميس حاولت اللجنة المتاجرة بقضية «ريجينى» والحديث عن الحريات فى مصر، ورغم البيان الصادر من النائب العام المصرى ونظيره الإيطالى قبل انعقاد اللجنة بأكثر من أسبوع فى بيان مشترك يوثق الحقائق فى تلك القضية، إلا أن اللجنة تجاهلت كل ذلك ولجأت إلى تزييف الحقائق. فى الوقت الذى زعمت اللجنة وجود انتهاكات ل حقوق الإنسان فى دول المقاطعة، بدا تأثير المال القطرى والتركى على قرار اللجنة عندما لم يُشِر تقرير اللجنة إلى أية خروقات ل حقوق الإنسان داخل تركيا رغم الانتهاكات المتواصلة ضد المعارضة التركية. كما أن «هانا نيومان» رئيسة لجنة شبه الجزيرة العربية وعضو البرلمان الأوروبى، والتى كانت فى زيارة للدوحة قبل 4 أشهر، لم تُشِر من قريب أو بعيد إلى وضع العمال فى قطر المشاركين فى الاستعدادات الخاصة بكأس العالم 2022 والذين يعملون فى ظروف غير إنسانية وفقًا لتقارير دولية. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أشادت «نيومان» بدور قطر فى مكافحة الإرهاب وهو ما يكشف حجم تأثير المال القطرى على قرار اللجنة. فى الوقت الذى ثبت للعالم حجم الدور الذى تقوم به كل من قطر وتركيا فى دعم الإرهاب نجد لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبى تزعم أن قطر تساهم فى مكافحة الإرهاب، وهى فى الحقيقة أحد داعمى التنظيمات الإرهابية.

(3)

لم يكن قرار البرلمان الأوروبى من قبيل الصدفة، لكنه جاء فى محاولة لإيجاد ورقة ضغط على الدولة المصرية وهو ما لن يحدث، لأن الدولة المصرية لن تقبل أى تدخلات أو إملاءات، فقد مضى هذا الزمن وولَّى. جاءت كلمة ميشيل باشيليت المفوضة السامية للأمم المتّحدة ل حقوق الإنسان بمثابة صفعة على وجه البرلمان الأوروبى ومتاجرة لجنة حقوق الإنسان بتلك الورقة للضغط على الدول، فقد قالت باشيليت واصفة الوضع فى أوروبا: «حتى داخل حدود الاتّحاد الأوروبيّ – الذى يتميّز بمعايير رفيعة ل حقوق الإنسان ومبادئ مؤسسيّة جديرة بالثناء - يتمّ تقويض استقلال القضاء وحريّة الصحافة وحيز عمل منظمات المجتمع المدنيّ؛ كما تستهدف خطابات الكراهية ضد المهاجرين والأقليات تحصيل دعم سياسى وتعزيزه؛ وكى تتمتّع سياسات الاتّحاد الأوروبى تجاه البلدان الأخرى بالمصداقيّة، لا بدّ من النهوض ب حقوق الإنسان داخل الاتّحاد الأوروبى - وألاّ يتمّ تقويضها». وتضيف باشيليت: «فى العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي، لابدّ من بذل المزيد من الجهود لدمج الروما (شعوب الغجر ويبلغ تعدادهم 12 مليون نسمة) والأشخاص ذوى الإعاقة والمسنين والفقراء دمجًا كاملًا فى المجتمع؛ كما يساور مفوضيّتنا القلق حيال المقاربات المعتَمَدة لإدارة الهجرة، التى تعتبر المهاجرين مصدر تهديد أكثر منه مصدر مساهمة، وتفشل فى التركيز على خبرات الأفراد المعنيّين واحتياجاتهم». جاءت كلمة المفوضة السامية لتكشف متاجرة لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبى بشعارات مغلوطة، خاصة بعد أن تحدث الرئيس السيسي فى المؤتمر الصحفى العالمى مع الرئيس الفرنسى ماكرون قبل عقد تلك اللجنة بأسبوع وأوضح حقيقة الأكاذيب التى يروجها إعلام الإرهاب تحت مزاعم قمع الحريات. أكد الرئيس السيسي أن الدولة المصرية ليس لديها ما تخشى الحديث عنه وليس لديها ما تخفيه، فقد حرصت مصر على تطبيق الإعلان الدولي لحقوق الانسان الذي يحفظ الحق الأكبر وهو الحق في الحياة. إن ما صدر عن البرلمان الأوروبي لن يكون الأخير في ظل فشل قوى الشر في التأثير على المشروع المصري أو إيقاف تقدمه.

أضف تعليق