ماجد بدران يكتب: الهيمنة الصينية على العالم (1)

الرأى26-12-2020 | 15:19

فى مثل هذا اليوم السادس والعشرين من ديسمبر عام 1991 تفكك الاتحاد السوفيتى، عقب إصدار مجلس السوفيت الأعلى إعلانًا اعترف فيه باستقلال الجمهوريات السوفيتية السابقة، وإنشاء رابطة الدول المستقلة لتحل محل الاتحاد السوفيتى. قبل ذلك الإعلان بيوم واحد أعلن الرئيس الأخير ميخائيل جورباتشوف استقالته فى خطاب وجهه للشعب السوفيتى عبر التليفزيون الرسمى، وأعلن تسليم كافة سلطاته الدستورية بما فيها سلطته على الأسلحة النووية إلى الرئيس الروسى بوريس يلتسين وتم إنزال العلم الأحمر عن مبنى الكرملين للمرة الأخيرة فى التاريخ، ورُفع مكانه علم روسيا ثلاثى الألوان. كان تفكك الاتحاد السوفيتى يعنى نهاية الحرب الباردة وللعالم ثنائى القطبين، وإعلان مولد عالم جديد فيه قطب واحد فقط هو الولايات المتحدة الأمريكية، الآن وبعد مرور ثلاثة عقود تتشكل ملامح عالم ثنائى الأقطاب من جديد، ولكن هذه المرة ينافس التنين الصينى العم سام فى الهيمنة على مقدرات العالم، وإن كانت ملامح العالم الجديد تختلف كثيرًا عن السابق. وخلال العقود الثلاثة الماضية سعت الصين فى صمت إلى السيطرة الناعمة على النظام الدولى وزيادة حجم مشاركتها فيه باستمرار من خلال بناء اقتصاد قوى يصنع قوة عسكرية مؤثرة. وفى الوقت الذى كان العالم ينتظر تغير الصين وفق المقومات الغربية، كانت الصين تحقق المفاجأة وتقود تغيير العالم إلى مرحلة جديدة، فقد نفّذت الصين استراتيجية تمدد خارجى حماية لمصالحها، ساعدها على ذلك اقتصادها القوى وخبراتها العملية والتقنية المتنامية، وهو ما مكّنها من مضاعفة نفوذها السياسى فى جميع أنحاء العالم، وهو ما ينعكس سلبًا على المصالح الأمريكية خاصة فى منطقة المحيط الهادى وإفريقيا. وتراهن الصين على عامل الوقت فلا تتعجل فى مزاحمة أمريكا، وتستغل سياسة العولمة التى اخترعتها أمريكا لبسط هيمنتها على العالم، كأداة لتقويض النفوذ الأمريكى من داخل نظام العولمة ذاته. والمتابع لنمو النفوذ الصينى يرى أن صعودها الهادئ والمنظم يجعلها تقترب من هدفها، فتساعد بقوة الدول التى تعانى من صعوبات اقتصادية أو سياسية، وتمد جسورها الاقتصادية داخل أوروبا. واجتاحت العالم ببضائعها وشركاتها العملاقة، ويرى بعض المراقبين أنه إذا استمرت معدلات النمو الصينى فستصبح القوة الاقتصادية الأولى فى العالم بعد عدة أعوام. بالطبع واشنطن لم ولن تقبل بتغيير ميزان القوى لصالح بكين، فالأعوام القليلة الماضية شهدت موجة عنيفة من التصعيد السياسى والاقتصادى من الجانب الأمريكى ضد الصين، فتحاول أمريكا تطويق الصين على جميع المستويات للحد من انتشارها الاقتصادى وحضورها السياسى. وقد كشفت جائحة كورونا وقبلها الحرب التجارية بين أمريكا والصين عن حدوث تحول جوهرى فى رؤية الغرب للقوة الصينية، وظهر هذا التحول فى الجدل الدائر بين من يسعى لإطلاق حرب باردة جديدة ومن يعتبر أنه لم يعد بالإمكان الاستغناء عن العملاق الأصفر. فالصين الآن تتحول إلى قوة إمبريالية تنافس الولايات المتحدة الأمريكية، التى كانت وريثة جيوسياسية لبريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، لكن ذلك حدث داخل نسق سياسى غربى، لكن اليوم ولأول مرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى يجد الغرب نفسه فى وضع قد يؤدى لفقدان الريادة العالمية، فالتصدعات والانقسامات بين القوى الغربية تعرقل إيجاد تحركات ناجعة لمواجهة القوة الصينية الصاعدة. والموقف الدائم المعلن للصين أنها تعارض بشدة الهيمنة وسياسة القوة، وهو ما يؤكده الرئيس الصينى شى جين بينج أن بلاده لم تسع قط إلى التوسع، وتعتقد أن تصرفات من هذا النوع لا يمكن إلا أن تقود العالم إلى طريق مسدود. وأن الصين حافظت دائمًا على الطبيعة الدفاعية لسياستها الوطنية، ولم تسع أبدًا إلى الهيمنة أو التوسع، نحن نعارض بشدة الهيمنة وسياسة القوة. وانتقد كل المظاهر أحادية الجانب لسياسة الحماية والأنانية فى العالم، وكذلك الرغبة فى الهيمنة والتخويف. على الجانب الآخر وصف رئيس الاستخبارات الوطنية الأمريكية جون راتكليف منذ أسبوعين الصين بأنها تُشكِّل «أكبر تهديد للديمقراطية والحرية فى العالم منذ الحرب العالمية الثانية واتهمها بسرقة أسرار الأعمال وتكنولوجيا الدفاع الأمريكية». وقبل ستة أشهر من الانتخابات الأمريكية نشرت مجلة «فورين أفيرز» مقالاً للرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن تحت عنوان: لماذا على أمريكا أن تقود من جديد؟ استعرض فيه ملامح السياسة الخارجية التى يعتزم انتهاجها حال وصوله للبيت الأبيض، اتهم فيها الرئيس ترامب أنه قام بالتقليل من شأن حلفاء الولايات المتحدة، وقام بتقويضهم، وفى بعض الحالات تخلى عنهم، وجرأ خصومنا وبدد نفوذنا فى مواجهة تحديات الأمن القومى، فالنظام الدولى الذى بنته الولايات المتحدة بعناية شديدة ينهار. وحال فزت بالرئاسة – وهو ما حدث بالفعل – سأعيد الولايات المتحدة لقيادة العالم مرة أخرى. وللحديث بقية فى المقال القادم

أضف تعليق

خلخلة الشعوب وإسقاط الدول "2"

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2