أحمد محمود يكتب: معلم الرقص الأزهرى

أحمد محمود يكتب: معلم الرقص الأزهرىأحمد محمود يكتب: معلم الرقص الأزهرى

* عاجل13-8-2017 | 23:28

في مجتمع يردد أفراده دائما أنهم متدينون بحكم الطبع، وقد نمت في واديهم الطيب عقائد التوحيد والدين القيم، وكانت أرضهم ملاذا للمسيح وآل بيت النبي (ص) عليهما السلام، ويوصمون من يتجرأ علي الظلم وارتكاب المحرمات بأنه (مايعرفش ربنا ) مقرنين بين الجهل بالله و ارتكاب معاصيه، سوف يعجب ضيف أجنبي يعيش بين هؤلاء الناس ويحلل طرق العيش وأنماط التفكير التي تسودهم، حين يعلم أن راقصة مبتدئة تستطيع أن تربح مايزيد عن ثلاثين ألف دولار شهريا، بحسب تصريح لراقصة خبيرة ، والرقص في هذا المجتمع ليس فنا راقيا كما قد يتبادر إلي ذهن صاحبنا، من المؤكد أن أحدهم سيخبره عن حفلات علب الليل التي تتلوي وتتعري فيها أجساد الراقصات أمام عيون هائجة وغرائز لم تهذبها يد الحضارة، ولا مواعظ الشيوخ المليونيرات أصحاب البشرة اللامعة والشعر المزروع، فيما يشبه حفلات الاستريبتيز(التعري قطعة قطعة) التي تنتشر في الغرب.

علي جانب أخر، ربما سيفقد هذا الضيف ما تبقي في جعبته من دهشة حين يتوصل أخيرا في بحثه إلي معلم اللغة العربية فلان ،الذي يتحصل علي راتب خمسمائة جنيه شهريا، يعمل مجهول الهوية، اسمه غير مدون في أي ورقة رسمية بالمدرسة يمكن أن يستخدمها للمطالبة بحقوقه، بدون تأمينات اجتماعية، ولا تأمين صحي ولا عقد عمل ، حتي كشكول التحضير الخاص به يسحب منه قسرا نهاية كل عام دراسي حتي لا يربطه رابط بإدارة المدرسة، يحمل هويته ولا حتي ذكراه، فلان هذا لا يستطيع اللف علي بيوت ريفية متباعدة المسافات في البلدة التي يعمل فيها ليعطي دروسا خاصة مقابل جنيهات فقدت قيمتها منذ زمن، فآثر التعايش مع العجز والقهر بعد أن أفني سنوات طويلة في هذا المعهد المملوك لرجل أعمال يجبر تلميذات ابتدائي الصغار علي ارتداء الحجاب والصلاة في جماعات !

واذا أجال ضيفنا بصره بين سراديب "السوشيل ميديا" سيكتشف أن من أهم مايشغل هذا المجتمع الآن بنت صغيرة اسمها فريده عثمان، سيحملق في ذهول وهو يراها مستباحة، تتلقي الإهانات والمعايرة بسبب ملامحها وزيها الرياضي، لم يشفع لفريدة أنها بطلة عالمية حازت لوطنها علي الميدالية البرونزية في بطولة العالم للسباحة، يعايرها مواطنوها بسفالات وسخافات تنتهك إنسانيتها وأنوثتها، يسبونها دون حرج علي شاشاتهم المليئة بأدعية وأذكار تحض علي مكارم الأخلاق وكف الأذي !

سيرحل هذا الضيف وهو يتميز غيظا وسخرية من هؤلاء الناس الذين يلعنون في العلن كل الأشياء التي يمارسونها في السر، ربما سيسأل نفسه، لماذا لا يتحول معلم اللغة العربية الأزهري إلي معلم رقص؟! لماذا عادت فريدة عثمان إلي هذا المستنقع ورفضت أن تعوم في المياه النقية ؟

أين ذهبت ماعت ربة العدل والاتساق عند الأجداد القدماء، وتركت أحفادهم يلهثون في متاهات الفوضي ويستحلون النفاق؟!

    أضف تعليق