حكايات الرعب والفرار من الأحباب يرويها «مغسلو كورونا»

حكايات الرعب والفرار من الأحباب يرويها  «مغسلو كورونا»حكايات الرعب والفرار من الأحباب يرويها «مغسلو كورونا»

غير مصنف1-2-2021 | 10:22

«الأعداد كانت كبيرة جدا، والناس كانت مرعوبة وخايفة، ومحدش عايز يغسل الموتى سواء مات بكورونا أو بغيرها، إلا بتقاضى مبالغ كبيرة جدا من أهل الميت وصلت إلى 5 آلاف جنيه، ومن هنا جاءت الفكرة»! بهذه الكلمات يروى أحمد عبدالحكيم، قصة تكوين مجموعة من أصدقائه، بغرض تغسيل المتوفين جراء الإصابة بفيروس كورونا، فى الوقت الذى عزف فيه أغلب المغسلين عن تغسيل المتوفين، خوفا من الإصابة بالعدوى. يقول: «فكرنا فى عمل مكان لتغسيل وتكفين موتى كورونا، علشان نساعد أهلنا فى المنطقة، من خلال توفير مكان آمن نقوم فيه بعملية الغُسل والكفن». واستكمل: «اللى خلانى أعمل كده إنى شفت آية من أيات الله وهى قوله عز وجل «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَـاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ»، فلقيت الناس فعلا بتفر من أهلها، وقرايبهم، لدرجة إن الأهالى بتخاف تدخل معانا تشوف ابنها أو بنتها». دار المعارف - محمد العوضى يروى أحمد عبدالحكيم: «حسيت بصعوبة الموقف، وأنه لازم يكون لى دور، ومن هنا فكرت أنا وأصدقائى أننا نوفر مكان لتغسيل الميت وتكفينه». وعن أصعب تلك المواقف، قال: «أول حالة غسلتها كانت لأب رفض أبناؤه وزوجته الدخول عليه ولا حتى توديعه بعد الانتهاء من الغسل، ومش كده وبس، أكتر حاجة ضايقتنى، زوجته، عندما قالت لنا، بعد أذنكم خدوه والهدوم اللى كان نايم عليها، معلش أرموها معاكم، ودا كان أول وأصعب موقف اتعرض ليه». واستطرد عبد الحكيم: «بعد كده عرفت إن المغسلين بيطلبوا من 3 إلى 5 آلاف جنيه مقابل تغسيل المتوفى بسبب كورونا، ولذلك بعض أهالى المتوفين كانوا بينكروا أنه ميت بكورونا علشان ميدفعش المبلغ ده، ولكن بفضل الله تم إنشاء هذا المكان من خلال التبرعات من أهل الخير وتمكنا من تغسيل وتكفين المتوفين بسبب كورونا دون أن نحمل أهل المتوفى أى مصاريف حتى الكفن مجانا». ويستكمل: «فى بداية الأمر، كانت هناك مشقة فى ارتداء بدلة الغسل الوقائية للحماية من الإصابة عند الغسل، وتم شراء ما يقرب من 500 بدلة، يتم استخدامها بعد التعقيم مرة واحدة، وعقب انتهاء الغسل يتم وضعها فى حقيبة والتخلص منها لمنع تعرض أحد للإصابة فى حالة لمسها». وعن تعرضهم للإصابة بفيروس كورونا، قال: «بالفعل تعرض عدد منا للإصابة بالفيروس، وتوفى أحد المؤسسين للفكرة وهو المحامى أشرف سالمان، والذى توفى بعد أيام من إصابته بالفيروس». ويوضح «عبد الحكيم»، طريقة استقبال المغسلة لـ «المتوفين»، قائلا: «فى بعض الأحيان يتم استلام الجثمان بعد الإصابة والوفاة بالمستشفى، ليتم التغسيل بالمغسلة المخصصة، والبعض الآخر يتم استلامهم من المنزل بعد الحصول على شهادة الصحة». وعن أعداد المتوفين فى الموجة الأولى، قال «وصلنا لـ 37 حالة فى يوم، وكنا بنغسل أحيانا 15 حالة، و20 و 30 حالة يوميا، أما الآن فى الموجه الثانية فتتراوح بين 6 إلى 8 حالات فقط فى اليوم». وعن أبرز المواقف المؤثرة فيقول: «منذ أقل من شهر رجل أصيب بكورونا وتوفى داخل شقته دون أن يعرف أحد، والرائحة ظهرت بعد عدة أيام، وعرفنا إنه مطلق ويعيش بمفرده فى الشقة، وغادر جيرانه المنزل، والرائحة كانت صعبة جدا». وتابع عبد الحكيم: «ومن المواقف المؤثرة أيضا أب رفض رؤية ابنه المتوفى بالفيروس، ورفضة توديعه خوفاً من إصابته بالمرض». وعن كيفية التواصل معهم، أوضح أن أرقامهم منتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وصفحات الفيس بوك والأصدقاء. وعن تعامل الناس معه فى الشارع، قال: «خوف البعض من التعامل مع المغسل، أو المشاركة فى مساعدة المصابين بكورونا، بجانب النظرة السيئة، كان يتسبب فى إيذاء نفسى لنا فى بداية الأمر». وأضاف: «أكثر ما يحزننى، عندما نذهب إلى منزل أحد المتوفين بكورونا، نجد فى البداية الترحيب وبعد الإنتهاء من الغسل، يودوا أن نمشى من منزلهم فى أسرع وقت». وعن رفض تغسيل حالة، قال إنه بالفعل رفض تغسيل حالة عندما أصر أهل المتوفى على عدم ارتداء الملابس الواقية، بحجة أنه متوفى طبيعى وغير مصاب بكورونا، خوفا من الشبهة فى أن والداهم ميت بكورونا، متابعا: «فقد رفضت تماما، على الرغم أنه تم اكتشاف أن الميت كان مصابًا بكورونا». وعن الجانب الشخصى، قال: «فى أول مرة، فضلت بعيد عن زوجتى وأولادى أربعين يوم، بعد أول حالة غسلتها بكورونا، وكانوا مرعوبين فى البداية، أما الآن هما اللى بيشجعونى، ويقولوا لازم تقف جنب الناس دى، والحالات اللى أهلها بيتركوها، بعدما سمعوا وشافوا حالات كتير زى كده». وبجانب تغسيل الرجال، أكد عبد الحكيم،  أن هناك مغسلة للسيدات، تتولى مسؤليتها المغسِّلة «ناهد»، مشيرًا إلى أنها تواجه مهمة شاقة،  لأنها تعمل بمفردها، ولا تجد من تساعدها. ووجه رسالة إلى المغسلين الذين يشترطون أجرًا مقابل تغسيل الميت بكورونا: «أحب أقوللهم من لا يرحم لا يُرحم، اتقوا الله عز وجل، وخافوا من الفلوس اللى بتاخدوها غصب من أهل الميت». تغسيل كورونا صعب جدا ومن جانبه، يقول محمد كتكت، عن شعوره عند تغسيل أول حالة متوفية بكورونا، وكانت فى مستشفى الحميات بإمبابة، «فى الأول كنت خايف، ولكنى احتسبت الأمر لله، وكمان تغسيل كورونا صعب جدا، لأننا بنأخد أكثر من نص ساعة، فى اللبس والتعقيم والكمامات والملابس الواقية، وكذلك لما نخلص، ولكن مع الاستمرار والوقت اتعودنا». ويستكمل، محمد كتكت أحد المغسلين داخل مستشفى حميات إمبابة: «سبحان الله الغسل! بيطهر الميت من الفيروس تماما، وعلشان كده بنكون مطمنين أثناء الدفن». وعن أهم المستشفيات التى يتعامل معها، يقول: «الوراق المركزى، وحميات إمبابة والنيل ومستشفيات فى فيصل وأخرى خاصة، دا غير أن أرقامنا منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى». وتحدث عن أول حالة قام بتغسليها، حيث قال: «كانت بعد شهر رمضان الكريم، وتحديدا تانى يوم العيد». وعن الأعداد قال: «فى اليوم الواحد من الممكن أن يصل العدد لـ 10 حالات وفاة، أما أكتر يوم غسلت فيه حالات وفاة بكورونا، كانت فى مستشفى الحميات، وفى اليوم ده غسلنا 17 حالة، بدأنا الساعة 7 صباحا حتى مساء، فى الموجة الأولى بعد شهر رمضان». أما عن الأعداد مقارنة بين الموجة الأولى والثانية: قال: «أعداد الوفيات فى الموجة الأولى أكتر بكتير من الثانية، وخاصة فى شهر 5 و 6 بعد رمضان كانت أعداد الوفيات كتيرة جدا، أما الموجة الثانية فالأعداد قليلة». وحول ملابس وأدوات تغسيل كورونا، قال إنها مكلفة جدا مقارنة بالغسل العادى، لأنها تحتاج إلى مطهرات وكحول وأدوات تعقيم وملابس كاملة لتغطية الجسد بالكامل، مبينا أن تكاليف هذه العملية تتم من خلال تبرعات أهل الخير، ولا نتقاضى مليما من أهل الميت، ولا حتى مصاريف أدوات الغسل، سواء المجهود أو مصاريف الغسل. وحول دور أسرته فى رفض أو قبول تغسيله لحالات كورونا، قال: «زوجتى كانت خايفة فى الأول وبعدين شجعتنى أكمل لأننا كنا بنسمع إن مفيش حد راضى يغسل وفيات كورونا، بس كانت بتطلب منى أنى أعقم نفسى كويس وأنا راجع من الغسل لأنها كانت حامل، أما بالنسبة لأمى، لو كانت تطول تنزل تغسل معايا كانت هتعملها، وهى أكتر واحدة كانت بتطلب منى أنى أنزل أغسل، أمى كانت بتدفعنى علشان أروح أغسل بنسبة 90 %». وتحدث عن إصابته بكوورنا، و قال: «تعرضت لحادث، وأثناء الكشف علىًّ لدخول غرفة العمليات تم اكتشاف إصابتى بكورونا ولم تظهر  على أية أعراض، والحمد لله أخذت العلاج وشفيت». وأخيرًا أوجه رسالة إلى المغلسين المتخوفين من تغسيل حالات كورونا، «احتسبوا الأمر لله فقط».
    أضف تعليق

    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2