كتب: عاطف عبد الغنى
أحدث الأخبار تؤكد أن 15 ألف، لاجئ يهربون من العنف في ميانمار كل يوم، وذلك وفقا للأمم المتحدة.
وتقدر المنظمة أن أكثر من120 ألف لاجئ عبروا خلال الأسبوعين الماضيين نهر ناف من ميانمار إلى بنجلاديش.
ويهرب اللاجئون من حملة مسلحة قتلت المئات فى ولاية "راخين بميانمار، وتقول وسائل إعلام غربية إن أعمال العدوان الموجه لـ "الروهينجا" المسلمون قد طغت في ميانمار لعقود، وإن الذى أثارها القوميون البوذيون.
وقد ندد الزعماء البوذيون، بمن فيهم الدالاى لاما، والأخت تشان خونج، وجاك كورنفيلد، بالعنف، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، وإن الحائزة على جائزة نوبل للسلام وزعيمة ميانمار أونج سان سو كي ، قد دعا لحماية الروهينجا، بينما أدان البعض سوكي نفسها، التى لم تتحدث بعد علنا عن اندلاع أعمال العنف مؤخرا.
هذا ما تخبرنا به وسائل الإعلام الغربية لكن فى الحكاية تفاصيل أخرى.. محزنة، مؤلمة، شائكة، محيرة، فى عهد يدعى فيه الإنسانيون إن البشرية وصلت إلى حد النضج.. للأسف.
لكل حكاية أصل.. والحكاية التى نبحث عن أصلها هى حكاية مسلمى الروهينجيا فى ميانمار.. الأقلية الأكثر تعرضا لمجازر التطهير العرقى، والطرد، والنفى، والتشريد وانتهاكات حقوق الإنسان – الآن- فى العالم، حسب ما عرفناه من تقارير مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.. من هم الروهينجيا المسلمون؟! وكيف ذهبوا إلى هذه البلاد الآسيوية البعيدة؟! ولماذا يتعرضون لهذه الأعمال الوحشية، وهذا العنف المستمر منذ الخميسنيات من القرن العشرين وحتى اليوم؟! وكيف تحولوا إلى عبيد يباعون ويشترون فى أسواق النخاسة فى دول شرق آسيا؟!
1- من هم؟!.. وما هى حكايتهم؟!
الاسم: الروهينجا وينطق أحيانًا الروهنجيا والروينجة وهى جماعة عرقية مسلمة أحدث التقديرات الرسمية الصادرة عام 2012 تشير إلى أن عدد أفرادها 800 ألف نسمة، تعيش هذه الأقلية فى ولاية راخين (اسمها القديم أراكان) وهى إحدى ولايات دولة جمهورية اتحاد ميانمار (كان اسمها حتى عام 1985 بورما) وهى إحدى دول شرق آسيا، وجغرافيا محصورة بين الصين والهند وبنجلاديش من الشمال (الشرقى والغربى) وخليج البنجال والمحيط الهندى من الجنوب، ومن حيث التركيب العرقى تتعدد العناصر المكونة للدولة، لكن يغلب على سكانها عنصر البورمان البوذيون، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات الأركان، وجماعات الكاشين وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات حيث وصل إليهم عن طريق إقليم “أراكان” بواسطة التجار العرب فى عهد الخليفة العباسى هارون الرشيد، يقول المؤرخ الشهير «أر. بى. اسمارت» صاحب كتاب BURMA GAZETTEER: كان للتجار العرب صلة وثيقة مع أهل أراكان منذ قبل 788م، وفى ذاك الوقت قاموا بتعريف الإسلام أمامهم بأسرع ما يمكن.
ويقال إن موطن أسلاف الروهنجا هو إقليم الروها فى أفغانستان، ويقال أيضا إن بعض مسلمى الروهينجا الحاليين من أصلاب المستوطنين الأوائل من التجار العرب والفرس، بالإضافة إلى أن البريطانيين إبان احتلالهم لهذه البلد جلبوا العديد من المسلمين الهنود إلى ميانمار لمساعدتهم فى الأعمال المكتبية والتجارة، وذلك حين خضعت ميانمار للاحتلال البريطانى ضمن المناطق والدول التى احتلها الإنجليز فى شرق آسيا.
....
وخلال سنوات الاحتلال التى امتدت من عام 1886 وحتى 1948 تصدت الأقلية المسلمة فى ميانمار للاحتلال الإنجليزى بعنف، وفى المقابل رد المحتل الإنجليزى على هذه المقاومة بزرع بذور الفتنة على أساس طائفى بين البوذيين والمسلمين، وفى هذا لجأوا لاستخدام مخططهم الشيطانى المشهور «فرق تسد» فقاموا بتطبيق سياسات التمييز من خلال استلاب حقوق وأملاك المسلمين من الأراضى والعقارات وحتى الوظائف العامة ومنحوها للبوذيين عن غير حق، وفى خطوة تالية تم الزج ببعض قادة المسلمين فى السجون ونفى البعض خارج البلاد، أما أخطر مراحل الفتنة فتمثلت فى تزويد البوذيين بالسلاح وتحريضهم ضد المسلمين وكانت النتيجة مذبحة بشعة تعرض لها الأخيرون عام 1942.
ودون أن نسترسل فى تفاصيل التاريخ للسياسات والأحداث الداخلية، نؤكد أن أحوال المسلمين فى هذا البلد ومنذ النصف الثانى من القرن العشرين وحتى اليوم كانت سيئة وتزداد سوءًا حيث تعرضوا خلال حقب متعاقبة من الحكم الديكتاتورى للتهميش والإقصاء والطرد من الوظائف العامة والجيش، ومع تصاعد موجة العنصرية البوذية، تعرضت طقوسهم الدينية للسخرية والازدراء حتى منعوا من ذبح أضحيتهم فى عيدهم الأضحى وأطلق البوذيون عليهم سخرية وصف «ذابحو البقر» فالبوذيون يعتبرون ما يفعله المسلمون نوعا من العنف ضد الحيوان بينما هم يؤمنون بفضيلة المحبة نحو جميع المخلوقات فهل - حقًا - يمارسون ذلك فى حياتهم العملية؟!
وفى تاريخ بورما الدموى هناك عشرات الجرائم التى ارتكبت ضد المسلمين، بسبب شعيرة الذبح الحلال، وفى كتاب التاريخ أن الملك «ألاينجبايا» الذى حكم ميانمار خلال السنوات (1752- 1760) منع تمامًا الذبح والأكل الحلال للمواشى وفى عهد ملك تالى هو «بوداوبايا» تفجرت فتنة هائلة فى البلاد بعد إعدام أربعة من أئمة المسلمين رفضوا أكل لحم الخنزير، ولم تقتصر الأسباب التى أدت لاضطهاد مسلمى بورما على الصراع الطائفى فى الداخل فقط ولكن كان قدر المسلمين الروهانجيين أن يدفعوا فاتورة تشدد أقرانهم فى البلاد المجاورة مثل إندونيسيا وأفغانستان، ففى شهر مارس عام 2001 قامت عناصر من حركة طالبان الأفغانية بتدمير تمثالين أثريين لبوذا منحوتين فى وادى جبلى بمنطقة هزارستان شمال غرب كابول العاصمة الأفغانية وفى ميانمار كان الرد دمويا من قبل غوغاء البوذيين مدعومين بعدد كبير من الرهبان البوذيين ضد مسلمى الروهينجا، وتصاعد العنف ضدهم ليبلغ ذروته فى شهر مايو من نفس العام حين قاد الرهبان الغوغاء وهاجموا مقرات المسلمين من شركات وممتلكات وحرقوا ودمروا ما يزيد على 400 منزل و11 مسجدًا ومن نجا من الحريق مات بالضرب العنيف حتى وصل عدد القتلى من المسلمين ما يزيد على المائتين وتم إغلاق عدد آخر من المساجد بمعرفة السلطات الحاكمة نزولا على طلب رهبان البوذية انتقامًا لتدمير تمثالى بوذا فى أفغانستان.
2- الهروب برًا أو بحرًا
نحن نعرف أخبارهم من الميديا الغربية - للأسف - من المواقع الإخبارية المشهورة مثل «النيويورك تايمز والنيوزويك»، وبعض المدونات ومنها مدونة «هانا بورز» التى نشرت قبل عدة أشهر تقريرًا يكشف جانبًا من هذا الجحيم الذى يعيشه مسلمى الروهينجا، وجاء فيه أن بعض أعمال العنف التى تندلع ضدهم تكون ناتجة عن أخبار غير صحيحة أو محققة لجرائم تنسب إليهم وتلصق بهم ومنها على سبيل المثال أخبار انتشرت بكثافة على الإنترنت لجريمة اغتصاب وقتل شابة بوذية وتم إلصاق الجريمة لأربعة رجال مسلمين ونشرت صورا للشابة المقتولة على إحدى المدونات أظهرت بشاعة القتل، وعلى الرغم من أن التحقيقات أظهرت فيما بعد أن القتلة المغتصبين للضحية لم يكونوا مسلمين، ولكن كانوا ثلاثة من البنجاليين إلا أن رد الفعل الذى ترتب على الخبر الكاذب وبشاعة صور الضحية ونسبها للمسلمين كانت شرارات لاندلاع مذبحة رهيبة ضد المسلمين فى شهر يونيو من عام 2012.
وفى إحدى التغطيات التى تناولت هذه الأحداث فى الميديا الغربية يصف الكاتب كيف كان يتم ذبح المسلمين على الهوية وإحراق قراهم ومنازلهم بعد فصل الزوجات عن الأزواج والآباء عن الأبناء، ومع اتساع رقعة هذه الحوادث اضطر الرئيس البورمى «ثين سين» لإعلان حالة الطوارئ فى المناطق التى وقعت فيها وإرسال قوات اتحادية كان أفرادها يقفون ليشاهدوا إحراق قرى المسلمين ولا يحركون ساكنا، ولم تحصى أعداد القتلى والجرحى ، ودفع الرعب ما يزيد على 100 ألف من الروهنجيين للفرار عن قراهم قبل أن يعلن الرئيس البورمى «ثين سين» أن الحل الوحيد للفوضى هو إرسال الروهنجيين إلى بلدان أخرى أو مخيمات للاجئين تشرف عليها مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين فى مقاطعة «راكين» فى ميانمار، فى حين غادر ما يقرب من 200 ألف لاجىء إلى بنجلاديش وتايلاند وإندونيسيا واستراليا وأى بلد كانوا يستطيعون الوصول إليها بحرًا أو برًا حسب التصريحات الصادرة عن مفوضية اللاجئين.
3- بشر للبيع
مر أكثر من 70 عامًا والمسلمون فى بورما يعانون من الإرهاب البوذى، وحملات الإبادة والتهجير.. هذه حقيقة دفعت بعض المتعاطفين من الخليجيين لإنتاج فيلم وثائقى يحمل عنوان (بشر للبيع) وفى سبيل إنجاز هذا العمل سافر فريق الفيلم إلى تايلاند أحد محطات الوصول للاجئين من مسلمى الروهينجا ويوضح الفيلم مصير هؤلاء ما بين الموت غرقا أو القبض عليهم بمجرد وصولهم إلى شواطئ تايلاند وإيداعهم السجون أو قيام أصحاب السفن بتسليمهم إلى تجار للبشر ليتم بيعهم فيما يشبه سوق غير منظمة للنخاسة بسعر يتراوح ما بين ألف إلى 4 آلاف دولار للشخص حسب صحته البدنية ويتم توجيههم بعد ذلك للاستخدام كعمالة رخيصة جدًا لأصحاب الشركات فى تايلاند أو بيعهم لعصابات تعرض على أهاليهم (إذا كان لهم أهالى) إرجاعهم مقابل مبالغ مالية أكبر من التى دفعت فيهم أو قتلهم .. وفى الأيام والشهور الأخيرة تم اكتشاف عدة مقابر جماعية فى تايلاند ضمت جثثا قيل إنها لهؤلاء الذين فروا من جحيم ميانمار !!
4- حركة «969» الإرهابية
الأعمال الوحشية التى تعرض لها مسلمى الروهينجا لم تقع فقط على مسمع ومرأى المسئولين فى ميانمار ولكن بدفع وتشجيع منهم، فهناك تحالف قديم بين مسئولى النظام القمعى للبلاد والحركة العنصرية التى تسعى إلى طرد غير البوذيين من ميانمار.
والذى يدعو إلى الاندهاش أن أدعياء العقيدة البوذية التى تدعو أو تدعى الدعوة لسلام العالم، يعاقب رهبانها المسلمين بالقتل والحرق إذا ذبحوا بقرة أو دجاجة للأكل، ويتستر الرهبان خلف عقيدتهم ويأسسون حركة إرهابية ليمارسوا من خلالها أعمال التطهير العرقى، فى مجتمع الرهبان تم تأسيس حركة (969) وذلك عام 1999 حيث اجتمع بأحد الأديار الواقعة فى مدينة «مولاميان» عدد من الرهبان البوذيين المتطرفين على رأسهم الراهب المتطرف كياو لوين، وتم إعلان الحركة التى حملت اسم مكون من 3 أرقام تشير إلى عقائد دينية بوذية فمثلاً رقم 9 منها يشير إلى سمات بوذا، ورقم 9 الآخر يشير إلى سمات الرهبنة بينما يشير رقم 6 الذى يتوسطهما إلى سمات «دارما» أو طريق الحقيقة العليا فى البوذية.
ولم يشتهر مؤسس الحركة لكن اشتهر زعيمها الحالى الراهب البوذى «ويراثو» هذا الشخص الذى سجن جراء تحريضه على أعمال عنف كبيرة تفجرت ضد المسلمين فى عام 2003 وأفرج عنه ضمن مئات من السجناء السياسيين عام 2012 ليعود لممارسة نشاطه فى التحريض وقيادة أعمال العنف الممنهجة ضد الأقليات وخاصة المسلمين فى ميانمار، ومازال «ويراثو» يطوف ميانمار ويحرض فى خطاباته ضد الأقليات ويدعو البوذيين: «لقد حان الوقت لتستيقظوا وتجعلوا الدم يغلى فى رءوسكم!»
و«يراثو» الموصوف بأنه بن لادن البوذية أفردت له مجلة «تايم» غلافا حمل صورة له وعنوان:«وجه الإرهابى البوذى» وفى داخل المجلة موضوع على عدد من الصفحات يفصل ويفسر ما جاء على الغلاف ، وفى رد فعل على هذا الموضوع تحديدا دافع رئيس ميانمار عن الراهب، والبوذية، واصفا ما جاء على غلاف «تايم» أنه: «سوء فهم للديانة البوذية»!!
[gallery type="slideshow" size="large" ids="62968,62960,62954,62955,62956,62957,62943,62944,62945,62946,62947,62948,62939,62950,62961,62962,62963,62964"]