«أوندين».. الأسطورة التي صارت فزورة !

«أوندين».. الأسطورة التي صارت فزورة !«أوندين».. الأسطورة التي صارت فزورة !

غير مصنف7-2-2021 | 14:39

دار المعارف أكرر دائما أن الأفلام ليست بالجوائز التي تحصل عليها، ولا بالضجيج الذي يصاحبها، وإنما بمستواها الفنى، فلا يمكن أن يدافع عن الأفلام إلا الأفلام نفسها، وكم شاهدنا من أفلام جاءت محملة بالجوائز، ولكنها تبدو متواضعة تماما. هذا هو الحال مثلا مع الفيلم الألماني «أوندين»،  الذي عرض فى مهرجان القاهرة السينمائي42، والذي يعلم الله وحده كيف تسلل هذا الفيلم إلى مسابقة مهرجان برلين 2020؟ وكيف حصلت بطلته على جائزة أفضل ممثلة فى نفس المهرجان؟ فالفيلم، الذي يفترض أنه يستلهم حكاية أسطورية من الماضى، يعاني من سذاجة السرد، والانتقالات الغريبة والعجيبة، كما أن أداء بطلته يبدو عاديا جدا، ويبدو أن مسابقة مهرجان برلين لم يكن فيها أفلام قوية أو ممثلات أفضل، وهو التفسير الوحيد المقبول، والذي يبرر الأصداء الطيبة للفيلم، وحصول بطلته على الجائزة. الفيلم يفترض منذ البداية أن المشاهد يعرف الأسطورة التى يحكى عنها، ويحاول أن يضعها فى الحاضر، ويقوم السيناريو أيضا بتبسيط العلاقات الإنسانية والعاطفية، فالبطلة، واسمها أيضا أوندين على اسم بطلة الأسطورة، تنتقل بسهولة بالغة من حب شخص إلى حب شخص آخر، وهو لغز غريب، والشاب الثانى الذى أحبها يعشقها أيضا بسهولة، ثم يدور الفيلم ويكرر لقاءات ساذجة تعيدنا إلى حكايات الحب فى العشرينيات، ويحقق الفيلم معجزة بشفاء العاشق الثانى لأوندين بطريقة أقرب إلى الكوميديا. كان هدف الفيلم فيما يبدو تحقيق مزج بين الأسطورة (التى لا يعرفها كل الناس)، وبين الواقع المعاصر، فالأساطير كانت دوما حاضرة وملهمة، وهى تعكس خيال الناس وطموحاتهم التى لا يستطيعون أن يحققوها فى الواقع الصعب، والحب عاطفة جميلة ورائعة وعابرة للأزمان والثقافات، ولكن سؤال الفن الأهم هو: كيف تقول ذلك؟ وليس ماذا تقول؟، ومن هذه الزاوية، فإن تلك المعالجة الساذجة لم تحقق هدفها، بل إنها تبعث على الضحك، وخصوصا عندما يهتف العاشق باحثا عن حبيبته: «أوندين .. أوندين»، وبناء قصة حب لابد أن يتم بكثير من التفاصيل، وبالتدريج، وليس بمجرد استخدام صوت البيانو، وبالمناسبة فإن موسيقى الفيلم هى أفضل ما فيه، ولكن الموسيقى وحدها لا تكفى، فلابد أن تعمل الموسيقى لإبراز دراما ناضجة، وهو أمر بعيد تماما عن طريقة المعالجة. تقول الأسطورة إن أوندين حورية الماء تقمصت دور امرأة لكى تحب رجلا، ولكنها عوقبت على حبها، وأعيدت إلى الماء. ليست هذه المعلومة من داخل الفيلم، ولكننا عرفناها من خارجه، ولكن فيلمنا يفترض أن العالم كله يعرف الأسطورة، ويبدأ فورا من حكاية أوندين، التى تعمل فى مجال التنمية الحضارية، والتى تشرح للسياح تاريخ برلين، وتاريخ البرلمان الألمانى، مع حبيبها الأول يوناس، والذى يبدو تافها وراغبا فى الابتعاد عنها، ولكنها تهدده بالموت إذا ابتعد عنها، وعندما تعود إليه فى المقهى تكتشف أنه تركها، ثم تتعرف على الغواص الشاب كريستوفر فى مشهد ساذج للغاية، حيث ينفجر أمامهما حوض الماء بكائناته البحرية، فى حدث الحب من أول نظرة، وتتكرر لقاءاتهما سواء عندما تسافر إليه فى بلده أو عندما يزورها، وكأننا فى دائرة مغلقة. يظهر يوناس من جديد فى حياة أوندين، لقد ترك حبيبته الحالية، ويريد استئناف علاقته مع أوندين، ولكنها ترفض، وتتلقى اتصالا بصوت كريستوفر يتهمها فيه بأنها كذبت عليه بشأن علاقتها السابقة مع يوناس، ثم يدخل كريستوفر فى غيبوبة إثر حادث، وتعرف أوندين أن كريستوفر لم يتصل بها تليفونيا، فتذهب إلى يوناس، وتقوم بإغراقه فى الماء، فى مشهد مضحك وغريب، ثم يستيقظ كريستوفر من هذا الموت السريرى بدون مقدمات، بينما تكون أوندين قد عادت إلى الماء. نظن أن الفيلم قد انتهى، ولكن السيناريو يتابع من جديد حكاية كريستوفر، فقد ارتبط بصديقة له، وهما ينتظران طفلا، ولكن كريستوفر يترك زوجته، ويتسلل إلى البحر، تلحق به الزوجة وتحتضنه، بينما تتركهما الكاميرا لتغوص تحت الماء، ويبدو أن اللقطة من وجهة نظر أوندين، عروسة البحور، أو الحورية القادمة من الأعماق. لا ينجح الفيلم فى نقل الأسطورة إلى الحاضر المعقد، ولكنه يبسط الحكاية ويجعلها غريبة، وتتحفنا بطلته طوال الوقت بشروح مفصلة لتاريخ ومناطق وأحياء مدينة برلين، وكأننا فى برنامج سياحى، لا أعرف بالضبط مدى علاقته بالحكاية، بل إن كريستوفر يطلب من أوندين فى الفراش أن تردد له ما تقوله للسياح وللزائرين عن مدينة برلين! وبينما يفترض أن تبدو أوندين ساحرة، وتمتلك هالة من الجمال، بوصفها أصلا من الحوريات البحريات، فإن بطلة الفيلم تبدو مثل طالبات الجامعة، فتاة عادية جدا يمكن ألا تأخذ بالك منها، وهى تنتقل من حب يوناس والشغف به إلى درجة تهديده بالقتل إذا تركها، إلى حب كريستوفر حبا قويا وعميقا، وكأنها تمتلك زرارا للعواطف، أما مشهد إغراق أوندين ليوناس فى حمام السباحة فهو من المشاهد العجيبة، حيث لا تمتلك الحورية القوة الجسدية للقضاء على كريستوفر، ولكنه يستسلم لها رغم ذلك، لأن السيناريو «عايز كده». ليس هذا من الحب فى شىء، ولا يوجد أى سحر أو خيال، وإنما هى قصة أقحمت على واقع جاف وعادى، لا شيء إلا قصة مدينة برلين الطويلة، ويبدو أن ذلك من أسباب اختيار الفيلم فى مسابقة مهرجان للسينما، يحمل اسم المدينة القديمة!
    أضف تعليق

    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2