كتب: سامى زينهم
بداية ليحذر المسلم من الأوراد المخترعة، فكثير منها لا يخلو من مخالفة للشريعة، ولو سلمت فالتزام ما لم يرد؛ وما يتضمنه ذلك من تفضيله على الوارد، مسلك غير محمود العاقبة، وفيه فتح لباب البدعة على مصراعيه، فعليك بالاتباع، واحذر الابتداع، ففيما صح من سنة إمام المتقين، وقدوة الذاكرين غني وعصمة.
وكما قيل أفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده؛ لأن ذكر القلب يثمر المعرفة، ويهيج المحبة ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويردع على التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئًا من تلك الأثمار، وإن أثمر شيئًا منها فثمرة ضعيفة.. (الوابل الصيب ، ويراجع هذا الكتاب في فوائد الذكر).
أسباب صلاح القلب
هذا وقد تقدم أن الشريعة جاءت لإحياء القلوب وتطهيرها من الآفات، فكل ما شرعته يحقق هذا المقصد ، ولكن هناك أسباب خاصة لها تأثير خاص في إصلاح القلب لعل منها:
الاستعانة بالله جل وعلا تحقيقًا لقوله سبحانه: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " وقوله تعالى : " فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " وعملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبيبه معاذ (فعن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال : «يا معاذ والله إني لأحبك » فقال : «أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (أخرجه أبو داوود ، النسائي ، وصحح إسناده النووي في الأذكار).
وكما أن هذا الدعاء مشروع أدبار الصلوات فهو مشروع مطلقًا، وهو غاية الاجتهاد في الدعاء، فالنبى الصلى الله عليه وسلم: «أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء ؟ قولوا: اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك» (أخرجه أحمد في المسند، الفتح الرباني وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة).
التوكل والدعاء
فالعبد يستعين بربه على عبادته، وهذه الاستعانة تتجلى في أمرين:
(أ) التوكل على الله في صلاح القلب، فيعتمد المؤمن على الله وحده في صلاح قلبه، ويشعر بالافتقار والاضطرار إلى الله جل وعلا في استقامة قلبه على طاعته " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " [فاطر: 15] ويستشعر أنه لو وكله الله إلى نفسه وجهده هلك لا محالة.
وهذا التوكل هو توكل أرباب الهمم العالية الذين يجعلون توكلهم في تحصيل العلم والإيمان والدعوة والجهاد.
(ب) الدعاء تضرعًا وخيفة، ولا يخفى فضل الدعاء وعظيم أثره، لكن كثيرًا من الناس يغفلون عن الدعاء بصلاح قلوبهم.
يقول ابن القيم : (العجب ممن تعرض له حاجة فيصرف رغبته وهمته فيها إلى الله ليقضيها له، ولا يتصدى للسؤال لحياة قلبه من موت الجهل والإعراض، وشفائه من داء الشهوات والشبهات، ولكن إذا مات القلب لم يشعر بمعصيته) (الفوائد).
وكثيرون يغفلون عن قصد التقرب إلى الله بالدعاء، ويكون قصدهم منصرفًا إلى حصول مطلوبهم، فيفوتهم خير عظيم (انظر: مجموع الفوائد لابن سعدي).
جماع الخير
والدعاء سبب جامع لصلاح القلب تحلية وتخلية، يقول مطرف بن عبد الله : (تذاكرت ما جماع الخير ؟ فإذا الخير كثير: الصيام والصلاة، وإذا هو في يد الله تعالى ، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله إلا أن تسأله فيعطيك فإذا جماع الخير الدعاء) (مدارج السالكين).
فمن لجأ إلى الله، وانطرح بين يديه سائلا صلاح قلبه، داعيًا بحضور قلب، متحريًا أوقات الإجابة، فما أقرب أن يجاب وقد قال صلى الله عليه وسلم : «إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم» (الحديث أخرجه الحاكم وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).