ليلة 15 من فبراير 2015، هاتفني صديقي المخرج القبطي أبو العز توفيق، نبأني أن الناجي الوحيد من جُرم ذبح 21 قبطي في ليبيا، يقبع جواره وأنه سيختصني بشواهد و براهين وقرائن، لممانعته الإدلاء لوسيلة إعلامية حتى تلك اللحظة.. تروَّيت قليلاً ثم أحجَمت بُرهة.. سبق صحفي تظمئه أقلام أهل المهنة و ترقب، غير أن هناك تفاصيل آلمني فحسب الإلمام بنُتفة طفيفة منها، فما بال السرد مكتمل على لسان الناجي منهم ؟!!. تيه اعتراني و تردد، حقاً إذا حان الحينُ حارت العين، لكن لا محل لحيرة وجزع و كمد في مهنة البحث عن المتاعب، كالجندي المصري في الحرب و المعترك، لا يترك سلاحه قط حتى يذوق الموت.. دون إبطاء أجبته بقبول محاورته وقلبي يُناهض.. بصوت يَئن أجابني إسحاق سعيد، الناجي الوحيد من الجُرم الإرهابي في ليبيا، روى أن لديه غرفة صغيرة طمح وقت حكم جماعة الإخوان و سبقها، في إدخال كهرباء إليها و إحالتها لورشة نجارة يقتات منها قوت يومه إلا أن محليات قرية العور بمحافظة المنيا شاكسته بغرامات سرقة تيار كهربي، فتُوصدها تارة و تُرغِّبه في الهجرة غير الشرعية مراراً عسى أن يكون ردِف له بعض الذي يستعجلون. افترق قريته و اتبع لقمة العيش في ليبيا، و لسان حاله يقول "هُم عَلَّمُوني البُكا ما كُنت أَعرِفُهُ..يا ليتَهُم عَلَّمُوني كَيف أَبتَسمُ".. تَحيّن فرصة الحدود المشتركة لاسيما الحراك الليبي الذي نشب في 17 فبراير 2011 و الذي هيأ الإجتياز دون تصاريح عمل أو جواز سفر.. زُمرة المصريون هُناك يَقطُنون غُرف مشتركة، ذا أيضا حال الـ21 قبطياً الذين تجمعهم أرحام و صهر وأنساب. على الدوام يقصِد مأواهم عشائر داعشية لنبش أغراضهم والنقب عن مسيحيين وبالأخص مصريين، مع دقات العاشرة عشية الليلة الواجمة، داهمهم مدججون، نالوا منهم ما نالوا، أسروهم إلا واحداً، ظنوا أنه ليس على دينهم لخلو معصمه من وشم الصليب، أعتقوه حافياً عاري القدمين، لا ينتعِل شيئا، و كبّلوا الأسرى إلى مكان غير معهود، الفجيعة وقعت قبل الإعلان عنها بأكثر من شهر.. إنتقاء موعد بث فيديو ذبحهم في ذات توقيت ذكرى الصحوة الليبية التي جاوزتها ب4 سنوات، لم يكن مصادفةً، تلك الإنتفاضة التي حمت مصر شرعيتها كونها ضمن أمنها القومي، غير أن الجيش المصري هو الحصن الحصين لأشقائه في منطقتنا العربية.. باكر اليوم التالي هاتفني الناجي الوحيد، على ما أتذكر في الثامنة صباحاً، نبرته مغايرة بعض الشئ، غَدا هزيز صوته مستقر وكلماته شارحه، ويفسر علم النفس ذلك بشعور الثقة بالنفس، إستقاها واستمدها من قوة و تعاظم الدولة المصرية التي ثأرت لأبناءها الأقباط بتوجيه ضربة جوية في فجر اليوم التالي لبث ذلك التسجيل المصور، إستهدفت معسكرات ومناطق تمركز وتدريب ومخازن أسلحة وذخائر تنظيم داعش فضلا عن قذف ما يزيد عن أربعين من متطرفيهم دون هوادة. التوقيت لم يعنيه، كل غايته هو تَنبيء الجميع أن الرئيس ثأر له، الناجي الوحيد أيقظني حِينها مردداً: "الرئيس السيسي في الكاتدرائية الآن، ثأر للشهداء، و قدّم العزاء لقداسة البابا".. الرئيس السيسي تمكّن بحصافته وحكمته إبدال الحادثة إلى حدث نتذكره بإباء وشَمم. وفي تذكارهم هذا العام، أمرين لا تشردهما الأذهان..بادئهما إنتاج فيلم "السرب" إجلالاً لبطولات قواتنا الجوية المصرية التي أنفذت غارة جوية على مواقع داعشية ثأراً لشهدائنا الأقباط، أنتجه المتمكن من أدواته المنتج تامر مرسي. وثانيهما قدوم رئيس الوزراء الليبي الجديد عبد المجيد دبيبة للقاهرة، وفي طيات ذلك إقرار بفضل مصر وجهودها المبذولة من أجل توحيد أبناء ليبيا حول أوطانهم ورفضاً لإنقسامهم وحرصها الدائم على دعمهم لإستكمال آليات إدارة بلادهم وتثبيت دعائم السلم والإستقرار لصون مقدراتهم وتفعيل إرادتهم.