كتب: محمد وديع
شارك الرئيس السيسى فى التصويت - اليوم الأربعاء - على القرار الخاص بمراجعة عمليات حفظ السلام الذي اعتمده مجلس الأمن اليوم وصدر القرار إيجابيا بإجماع تصويت الدول، وذلك فى قمة مجلس الأمن المنعقدة تحت عنوان : "إصلاح عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة"
وفى الكلمة التى ألقاها السيسى، خلال مشاركته فى قمة المجلس عقب اعتماد القرار قال الرئيس إن: "حفظ السلام، ليس بديلا عن الجهود الدبلوماسية الوقائية".
وعن دور وجهودها فى هذه القضية أكد أن "مصر دعت المجتمع الدولى إلى تقديم الجهود السياسية على جهود حفظ السلام." ، مضيفا أن مصر كانت من أوائل الدول المشاركة فى قوات حفظ السلام الأممية، بمحددا عدد المشاركات بـ 37 بعثة أممية، بإجمالى قوات تجاوزت 30 ألف فرد.
والقمة التى ترأسها رئيس الوزراء الإثيوبى هليامريام ديسيلين، بصفته رئيسا لمجلس الأمن لشهر سبتمبر الحالى، وحضور سكرتير عام الأمم المتحدة، وعدد من رؤساء الدول والحكومات : فرنسا والسنغال وأوكرانيا، ورؤساء حكومات إيطاليا وبريطانيا والسويد ونائب الرئيس الأمريكى، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي.
وهذا نص كلمة الرئيس السيسى:
أصحاب المعالى هايلا ماريام ديسالين، رئيس وزراء دولة إثيوبيا ورئيس مجلس الأمن.
السادة أصحاب الفخامة رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء بمجلس الأمن.
السادة الحضور.
إنه لمن دواعى سرورى أن أشارك اليوم فى أعمال قمة مجلس الأمن حول عمليات حفظ السلام، والتى تنعقد بمبادرة مُقدمة من إثيوبيا.
وأود بداية أن أرحب باعتماد مشروع القرار المعنون "مراجعة عمليات حفظ السلام"، والذى يعد خطوة فى الاتجاه الصحيح لتعزيز منظومة السلم والأمن الخاصة بالأمم المتحدة.
السيد الرئيس، السادة الحضور.
لقد كانت مصر من أوائل الدول الداعمة لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بدءاً بمشاركتها في أول مهمة حفظ سلام متعددة الأبعاد في الكونغو عام 1960، وانتهاءً بكونها سابع أكبر الدول مساهمة بقوات فى مهام حفظ السلام الأممية حاليًا.
وقد وصل عدد البعثات التي شاركت فيها مصر إلى 37 بعثة أممية، بإجمالي قوات تجاوز 30 ألف فرد منذ بداية مشاركتنا في عمليات حفظ السلام، فى آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا.
وطوال هذه العقود، لم تحجم مصر عن المشاركة فى أصعب مهام الأمم المتحدة وأكثرها خطورة، وأولت الاهتمام الواجب بالتدريب والتأكد من أعلى مستويات الجاهزية والكفاءة، وضربت مثلاً يحتذى به فى السلوك والانضباط وعدم التسامح مع أى تجاوز، وساهمت فى بناء القدرات الإقليمية لحفظ السلام، لاسيما الإفريقية والعربية.
السيد الرئيس، السادة الحضور.
إننا اليوم، وإذ نرحب بقرار مراجعة عمليات حفظ السلام، فإننا نتطلع لأن يكون هذا القرار خطوة على طريق الإصلاح الحالى الذى تقوم به المنظمة، مع التركيز على معالجة أوجه القصور العملياتى والفنى، وذلك سعيًا للتوصل إلى رؤية متكاملة لسبل منع النزاع واستدامة السلام، وتطوير دور حفظ السلام فى تحقيق تلك الرؤية، وآليات صنع القرار اللازمة لذلك.
وفى هذا الصدد، أود أن أطرح النقاط التالية:
أولاً: إنه مع التسليم بأهمية حفظ السلام كأحد أهم أدوات المجتمع الدولي لصون السلم والأمن الدوليين، فلا يجب أن يكون الأداة الوحيدة لتحقيق هذا الغرض، فحفظ السلام ليس بديلاً عن الجهود الدبلوماسية الوقائية، أو الوساطة، أو بناء السلام، أو غيرها من الأدوات السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية، الرامية إلى علاج جذور المشكلات ورأب الصدع الاجتماعي. وبالمثل، فإن حفظ السلام لا يمكن أن يكون هو رد الفعل المبدئي لكل أزمة.
وفى هذا الإطار، فقد حرصت مصر خلال الأعوام الثلاث الماضية على الدعوة لتبنى مقاربة استراتيجية جديدة، تتعامل مع عمليات حفظ السلام فى إطار مفهوم يتضمن خطط عمل سياسية وبرامجية وعملياتية متكاملة، وبحيث تُعَدَل ولايات عمليات حفظ السلام بصورة مستمرة استجابة للمتغيرات السياسية والميدانية، الأمر الذى يتفق إلى حد بعيد مع مواقف العديد من دول العالم، وكذا مع رؤية السكرتير العام، والذى لا تفوتنى الفرصة هنا للإشادة بجهوده فى تفعيل أدوات السكرتارية وتنشيط دورها السياسى، وهو ما يستحق الدعم والتأييد.
إن مصر ترى أن مثل هذه المقاربة أصبحت ضرورة فى ضوء التحديات الجسيمة المرتبطة بالنزاعات المسلحة، وما تخلفه من إضعاف المؤسسات الوطنية وتقليص قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية، وتمزيق النسيج الاجتماعى، وكذا فى ضوء التشابك بين النزاعات وتهديدات الإرهاب والجريمة المنظمة، وغيرها من التهديدات والتحديات للسلم والأمن الدوليين.
ثانياً: يرتبط بما سبق دعوة مصر للمجتمع الدولي بإعطاء الأولوية دومًا لجهود تسوية النزاعات، وتقديمها على منهج إدارة النزاع، والذى نتج عنه تجميد النزاعات واستمرار بعضها لعقود، دون أفق سياسى للحل، مثلما نشهد للأسف الشديد فى منطقتنا العربية وقارتنا الأفريقية، وهى النزاعات التى سرعان ما تتأجج تحت وطأة الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى أدت لاشتعالها.
فى هذا السياق، أضم صوتى إلى لجان المراجعة الأممية لعام 2015، والتى أجمعت على ضرورة إيلاء الأولوية للجهود السياسية، واعتبار ذلك أساساً لمهام الأمم المتحدة المختلفة، سواء مهام حفظ السلام أو المهام السياسية الخاصة.
ثالثًا: مع أهمية الدور الذى تقوم به مهام الأمم المتحدة، فإن دورها لا يجب أن يكون بديلًا لدور الحكومات أو مؤسسات الدول المستضيفة، كما لا يجب السعى لفرض وصاية عليها، إنما يجب العمل على توفير بيئة أمنية وسياسية حاضنة لتعزيز الملكية الوطنية لجهود المصالحة وبناء السلام، بما يعكس أولويات تلك الدول والمجتمعات.
وأود هنا تأكيد أهمية عدم فرض أنماط أو قوالب أو نظم سياسية معينة على الدول، التى تشهد نزاعات وإيلاء الاهتمام اللازم بمراعاة خصوصياتها السياسية والثقافية والاجتماعية بما يضمن إنجاح جهود حفظ السلم والأمن وبناء السلام.
كما أود الإشارة إلى أن مسئولية حماية المدنيين والدور المحورى الذى تقوم به قوات حفظ السلام في هذا الإطار لا يجب أن يفتئت على المسؤولية الأساسية التى تقع على عاتق الدول المستضيفة فى حماية مواطنيها، بل يجب أن يقترن بتطوير وتوسيع مفهوم الحماية للتركيز على بناء قدرات الدول والمجتمعات المستضيفة، وبحيث يعكس خصوصياتها وأولوياتها.
رابعًا: دعونى أكون أكثر صراحة، فإن استئثار بعض الدول بصياغة ولايات مهام حفظ السلام، مع عدم المراعاة الكاملة لمشاغل واهتمامات الدول المشاركة بقوات، هو أمر لا يساعد على نجاح تلك المهام، بل قد لا يكون عمليًا فى التنفيذ، لما ينتج عنه فى العديد من الأحيان من افتقاد للفهم المشترك بين مجلس الأمن وسكرتارية الأمم المتحدة والدول المشاركة بقوات فى عمليات حفظ السلام.
لذا، فإنى أدعو لإنشاء آلية تشاورية مؤسسية فعالة بين تلك الأطراف الثلاثة، وهى الدول الرئيسية المساهمة بالقوات، وأعضاء مجلس الأمن، وسكرتارية الأمم المتحدة، تمكنهم من التشاور فى كل مراحل تطوير وتجديد ومراجعة ولايات بعثات الأمم المتحدة.
وأخيراً: مما لا شك فيه أن المسئولية الأساسية لحفظ السلم والأمن الدوليين تقع على مجلس الأمن، بيد أنه من المؤكد أيضًا أن هناك دوراً هاماً وحيوياً للمنظمات الإقليمية المتواجدة فى مناطق النزاع، وهو دور أرساه ميثاق الأمم المتحدة فى فصله الثامن.
وأود هنا أن أشير تحديداً إلى الاتحاد الإفريقى، الذى تقدم شراكته الناجحة مع الأمم المتحدة نموذجاً يُحتذى به، خاصة فى مهام حفظ السلام التى قادها الاتحاد الإفريقى لتثبيت الأوضاع ثم انتقلت إلى الأمم المتحدة، أو العمليات الهجين، التى تنفذها المنظمتان سويًا، لاسيما وقد بات لهيكل السلم والأمن الأفريقي دوره المحورى فى تسوية النزاعات فى القارة، وليس فقط إدارتها.
ويمكن لهذا التعاون أن يتم تعزيزه، والبناء على الميزات النسبية المتوفرة للمنظمة الأممية والاتحاد الإفريقى، فى وقت تسعى فيه الأمم المتحدة للاستغلال الأمثل لمواردها، وأذكر هنا بأهمية تفعيل اتفاقية تعزيز الشراكة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى الموقعة فى شهر أبريل الماضى.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الأمم المتحدة الالتفات للمنظمات الإقليمية الأخرى والإسهام في رفع كفاءاتها وتعزيز خبرتها بما يمكنها من التعامل مع النزاعات الإقليمية وتنمية قدراتها فى مجالات الإنذار المبكر والوساطة، وإذا ما دعت الحاجة للتعاون معها فى نشر مراقبين ومهام لحفظ السلام.
ويحضرنى هنا تحديدًا جامعة الدول العربية التي يمكن أن يكون لها دور فاعل إقليمياً بالوطن العربى.
السيد الرئيس، السادة الحضور.
أود فى الختام التأكيد مجددًا على مواصلة مصر القيام بدورها الإقليمى والدولى، وبذل كل الجهود للقضاء على تحديات السلم والأمن الدوليين وإرساء السلام والاستقرار، بما فى ذلك من خلال مشاركتها النشطة فى المنظمات الدولية والإقليمية، واستمرار الارتقاء بمساهماتها فى عمليات حفظ السلام كأحد أكبر الدول المساهمة بقوات.