تحتفل مصر غدًا بأعياد شم النسيم وبهذه المناسبة يقول د. حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار التابع لمكتبة الإسكندرية، إن الاحتفال ب شم النسيم يرجع لاهتمام المصريين القدماء بالطبيعة والاحتفاء بها بشكل كبير، حيث قاموا بتقسيم العام إلى ثلاثة فصول، وكان فصل الحصاد هو الذى أطلقوا عليه فصل “شمو”، وتم توارث الاحتفال ب شم النسيم مصر الفرعونية منذ آلاف السنين، وربما كان الاحتفال به قد بدأ فى عصر الدولة القديمة، رمزًا إلى بعث الحياة وإعادة الخلق؛ خلق الكون ونضارة الطبيعة وعودة الحياة إلى الكون فى أجمل تجلياتها، ونظروا إلى هذا اليوم باعتباره أول الزمان، أو بدء خلق العالم كما كانوا يعتقدون، وصادف ذلك الاحتفال من خلال الملاحظة المستمرة اعتدال الجو، وطيب النسيم، فقاموا بالخروج إلى الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة.
تقول إحدى القصص الأسطورية الشفهية المنقولة في مصر القديمة إن أحد ملوك الفراعنة كان له طفل وحيد، مرض بمرض عضال، أفقده القدرة على الحركة وعجز الأطباء والكهنة والسحرة عن علاجه، فلزم الأمير الطفل الفراش عدة سنوات؛ لم تقم خلالها أي أفراح أو احتفالات بالعيد مشاركة من الشعب للملك الفرعون فى أحزانه، وكان أطفال المدينة يقدمون القرابين للإله فى المعابد فى مختلف المناسبات طالبين لأميرهم الطفل الشفاء من مرضه، وذات يوم، استدعى الملك الكاهن الأكبر للإله آمون فأخبرهم الكاهن أن مرض الأمير الصغير يرجع إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه وتقعده عن الحركة بفعل السحر.
وأمر الكاهن بوضع بصلة تحت وسادة الأمير لتكون تحت رأسه عند غروب الشمس بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ، وعند الصباح شقها ووضعها فوق أنفه ليستنشقها، وطلب تعليق حزم البصل فوق سرير الطفل وعلى أبواب الغرف وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة، وتمت معجزة شفاء الأمير الصغير تمامًا، والذى نهض من فراشه، وخرج ليلعب ويلهو فى الحديقة وعاد سيرته الأولى، وفرح الملك وأقام الأفراح فى القصر وحضرها جميع أطفال المدينة وشارك الشعب بكل طوائفه فى هذه الأفراح بالقصر.
وبالصدفة كان عيد شم النسيم بعد شفاء الأمير بأيام قليلة؛ فلما حلّ العيد، قام الناس مشاركة منهم فى تهنئة الأمير الطفل بتعليق البصل على أبواب منازلهم، وكذلك جعلوا البصل الأخضر على موائدهم مع البيض والفسيخ فى ذلك اليوم ليصير عادة بعد ذلك، وإلى الآن أصبحت عادة أكل البصل فى شم النسيم مع الفسيخ والبيض عادة ملازمة للمصريين فى وقتهم الحاضر، وكذلك ظلت عادة تعليق حزم البصل على أبواب المنازل والغرف.
وحلت الأسماك كغذاءً شهىِّ على موائد المصريين القدماء فى هذه المناسبة، وكان مصدرها النيل والترع وغيرها، وكانت الأسماك النيلية هي البلطي والبوري والبياض والشيلان والقراميط، وكان المصريون القدماء يحرصون على أكل الفسيخ (السمك المملح) المصنوع من أسماك البوري، والذي كان يُستهلك بكميات كبيرة في عيد الربيع، وكان للفراعنة طقوسهم الخاصة التي لاتزال مستمرة إلى الآن في ذلك العيد، وكان هناك مهرجان يُقام كل عام في فصل الربيع وكانوا يحتفلون فيه بزيارة المتنزهات وتلوين البيض وأكل الفسيخ والأسماك المجففة والمملحة وعمل رحلات نيلية بالقوارب على صفحة النهر الخالد. وكان يتناولون السمك المملح والبصل والبيض والحمص، وعرف المصريون أنواعًا من الأسماك وحرصوا على رسمها على آثارهم بكل براعة ودقة.