منذ سنوات كنت أسأل نفسى هذا السؤال: ما جدوى وجود هذه المنظمة الأممية التى تحمل اسم الأمم المتحدة؟!
سبب السؤال ليس فقط هذا التاريخ الطويل للمنظمة، والذى يثبت بما لا يدع أى مجال للشك أنها دائمًا كانت عونا للظالمين ضد المظلومين وخاصة من العرب والفلسطينيين، وأن هذا حدث منذ ما قبل إعلان دولة إسرائيل، وحرب فلسطين عام 1948 وحتى اليوم الذى أكتب فيه هذه السطور، وطوال هذا التاريخ ونحن العرب نبحث أو نتمنى أو نأمل فى حل عادل للقضية الفلسطينية.
كنت أسأل نفسى وربما يسأل غيرى عن جدوى أن تبقى مصر على عضويتها فى الأمم المتحدة، وأن تشارك فى أجهزتها الستة الرئيسية، ووكالاتها التسعة عشر؟!
وبعد توليه المسئولية سألت: لماذا حرص الرئيس السيسى أن يتواجد فى فعاليات الشق الرفيع لاجتماعات الجمعية العامة؟ ولماذا يحرص على أن تحصل مصر على مقعد فى مجلس الأمن؟ وأن تطرح مصر مرشحة لمنظمة التربية والعلوم والثقافى (اليونسكو)، وعمليات حفظ السلام وغيرها من نشاطات المنظمة؟
(1)
وأن تعرف سيرة تأسيس هذه المنظمة العالمية، يكفيك نصف مؤونة الإجابة على الأسئلة السابقة، وأن تنفذ إلى أروقة هذا المبنى الزجاجى الذى يقع فى حى خليج السلاحف بمانهاتن الأمريكية ويضم مبنى الجمعية العامة ومكاتب الأمين العام ومستشاريه ووكلاءه وعددًا من الإدارات، أو أن تقرأ تجربة د.بطرس غالى فى الأمم المتحدة، التى ضمنها كتابه المعنون: «خمس سنوات فى بيت من زجاج» وكيف تم قبول ترشحه للمنصب ومروره الصعب حتى دخوله المبنى الزجاجى وجلوسه على مقعد رئاسة الهيئة التى – من المفروض – أنها تنظم علاقات السلم والحرب وتقضى بين الدول بالحق والعدل والمساواة إلى آخر هذه المصطلحات البرّاقة التى نستخدمها حين نتحدث أو نكتب عن مثل هذه المؤسسات ولا نجدها فى الواقع..
4 سنوات (1992 – 1996) هى مدة رئاسة واحدة قضاها بطرس غالى المصرى العربى أمينًا عامًا للأمم المتحدة، نصف هذه المدة على الأقل – كما حكى فى كتابه سابق الذكر – أنفقها فى إدارة معركة التجديد له لفترة ثانية وخرج مغضوبًا عليه لأنه أغضب إسرائيل (وليس أمريكا) ولم يستطع أن يحظى بفترة رئاسة ثانية حتى وهو يمتلك تأييد الصين وروسيا وفرنسا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا وبالطبع تأييد العرب..
..قليل مما سبق ومما هو آت يكفي لأن يجيب على كل الأسئلة.
(2)
لن أتحدث عن القرارات التاريخية الصادرة عن الأمم المتحدة، والتى نحفظ – نحن العرب - أرقامها عن ظهر قلب بسبب كثرة ترديدنا، لها وطول الأمد الذى استغرقناه فى الحديث عنها وأشهرها قرار 242 الذى صدر عقب حرب 67 وجاء فى الفقرة (أ) من مادته الأولى، يطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى التى احتلت فى النزاع الأخير (يقصد حرب 67)، وفى الترجمة الإنجليزية لهذا النص تم حذف الألف واللام من كلمة «الأراضى» لتصير «أراضى» والقصد أن يعطى ذلك فرصة لإسرائيل إذا احتاجت أن تلجأ إلى نص القرار فى مباحثات مع العرب مثلا، فتفسره أنه يدعوها للانسحاب من أراضى غير محددة (جزء أو نصف أو ربع) وليست كل الأراضى التى احتلتها فى حرب 67 سيناء الجولان والضفة الغربية والقدس القديمة، ونفس هذا القرار حرص واضعوه على أن يتضمن نصه إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل (بعد أن ابتلعت الأرض فى جوفها).
وطالب القرار العرب بالاعتراف ضمنا بإسرائيل ولم يربط ذلك بحل القضية الفلسطينية التى اعتبرها مشكلة لاجئين، والغريب أنه منذ اليوم الذى صدر فيه هذا القرار وتاريخه 22 نوفمبر من عام 1967 وحتى اللحظة الراهنة يشكل صلب ومساعى الدول العربية لحل القضية الفلسطينية.
(3)
هذا قليل من كثير مؤسف يمكن أن نحكيه عن الأمم المتحدة ودورها الذى تأسست لأجله، وتأسست عليه، وهو دور لا تلعبه لأنها تلعب لصالح طرف محدد نجح فى السيطرة على عقل قادة الغرب الذى يسيطر على الأمم المتحدة التى من المفترض أن تمثل ضمير العالم، وكنا نرتجيه ضميرا عادلا حيا، لكنه كان طول الوقت ميتًا ظالمًا.
(4)
«واقع تجربة المنطقة العربية والأفريقية يلخص أزمة هذه المؤسسة العولمية»، والعبارة بين الأقواس للرئيس السيسى فى كلمته التى ألقاها على منصة الأمم المتحدة قبل أيام قليلة، خلال مشاركته الرابعة فى الشق رفيع المستوى من أعمال الجمعية العامة للمنظمة.
ولم تكن هذه العبارة هى الوحيدة التى ألقى بها الرئيس فى وجه الظلم المعولم، وتستطيع أن تعود لنص كلمته المنشور على المواقع والجرائد وسوف تجد أنه قال عن هذا النظام العالمى الذى تمثل الأمم المتحدة ركيزته القانونية والإنسانية إنه نظامًا «يكيل بمكيالين»، وإنه «بعد 7 عقود من تأسيس الأمم المتحدة أن تكون القوة أو المعادلات الصفرية هى الوسيلة لتحقيق المصالح»، وقال الرئيس أيضا: يصف اجتماع الجمعية العامة، إنها «مناسبة لوقفة صادقة مع النفس نعترف فيها بأوجه قصور النظام الدولى عن تحقيق الغايات والمقاصد السامية التى قام من أجلها»..
على هذه الخلفية عرض الرئيس القضايا التى تؤلم، وتؤرق، وتقض مضاجع العرب، والمسلمين، فى فلسطين وليبيا والعراق وسوريا وميانمار (الروهينجا) وقضية الإرهاب الذى نمى وترعرع فى حضن هذا النظام العالمى، وحتى الظلم الاقتصادى، «الذى يكرّس تفاوتًا مسئولا عنه النظام العالمى نفسه» ناهيك عن عدم احترام مبادئ القانون الدولى وسيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها.
هذا هو واقع الملعب الذى تجرى عليه مباريات العالم فما الذى يجبرنا على اللعب ونحن لم نضع قوانينه أو نعيّن حكامه أو ندير مبارياته؟! والإجابة: هل من بديل إلا المشاركة مع الإصرار على التغيير، والأمل فيه؟!.