المعركة لم تنته بعد.. حرب المعلومات

صباح الحادى عشر من مارس 2013 خرجت سفينة حاويات من البحر الأسود عابرة مضيق البوسفور ثم بحر مرمرة متجهة إلى البحر المتوسط ومنه إلى قناة السويس، ظلت السفينة لمدة 24 ساعة فى انتظار السماح لها بالعبور ضمن قافلة الشمال لتدخل المجرى الملاحى للقناة ومنها إلى ميناء سفاجا فى البحر الأحمر.
هناك رست السفينة بانتظار إفراغ حمولتها من البضائع، كان من بين تلك الحمولة، (كونتينر) به كمية ضخمة من مادة TNT شديدة الانفجار.
لم يكن هذا هو خط السير المحدد للسفينة، فقد كان من المفترض أن تفرغ حمولتها فى ميناء دمياط على البحر المتوسط، إلا أنه تم تغيير المكان ليصبح ميناء سفاجا بعد تسرب أنباء عن تعطل أجهزة الكشف الحرارى بالميناء الأخير.
بالفعل تم السماح بإفراغ حمولة السفينة على رصيف التداول بميناء سفاجا.. كانت هناك إحدى الشاحنات التابعة لشركة نقل خاصة فى انتظار الحاوية، وعقب إتمام الإجراءات خرجت الشاحنة محملة بـ«الكونتينر» لتعبر الطريق الذى يربط بين سفاجا وقنا، ومنه باتجاه الشمال لتعبر القاهرة، ثم طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوى متجهة إلى الطريق الدولى الساحلى باتجاه الحدود الغربية.
قبل أن تعبر الشاحنة الحدود تم إلقاء القبض على قائد الشاحنة والمرافق له وأُحيل إلى جهات التحقيق لاتخاذ الإجراءات القانونية.
خلال تلك الرحلة كان رجال الدولة المصرية يتابعون الشحنة لحظة بلحظة.
فمنذ بداية وضع الحمولة على السفينة وخروجها من الميناء بإحدى الدول المطلة على البحر الأسود ضمن شحنة محملة بالبضائع، بمعاونة عناصر استخبارات إحدى الدول مستغلة فساد بعض العاملين فى الميناء الأوروبي، كان رجال مصر لها بالمرصاد.
فالمعلومات الدقيقة، واختيار التوقيت المناسب والعناصر اليقظة هى من أهم أدوات النصر فى المعركة.
حمل هؤلاء الرجال على عاتقهم مهمة تأمين الوطن ضد أى محاولة للمساس بأمنه واستقراره.
ولم تكن تلك المحاولة هى الوحيدة بل سبقتها محاولات عدة استهدفت إغراق الدولة المصرية والدول التى تمثل عمقًا استراتيجيًا لأمنها القومى بالأسلحة والمواد المتفجرة، والمخدرات، والعناصر التكفيرية لخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وصولًا إلى تقسيم الدول.
(1)
إن يقظة رجال الدولة المصرية فى أجهزة المعلومات (المخابرات العامة، المخابرات الحربية، الأمن الوطنى) كانت بمثابة حائط الصد المنيع فى مواجهة الفوضى الخلاقة بحسب ما أطلقته «كونداليزا رايس» وزير الخارجية الأمريكية فى 2005.
لم يكن التصريح الذى جاء على لسانها صدفة أو زلة لسان، وإنما كان نتاج تمهيد ضخم تم مع بداية العام 2001 وخلال فترة توليها منصب مستشارًا للأمن القومى الأمريكي.
كان سلاح المعلومات أقوى أسلحة المعركة على مختلف محاورها واتجاهاتها الاستراتيجية، إذ استلزمت فصناعة الفوضى توفير عناصر وتدريبها جيدًا من أجل خلق تلك الحالة التى وصفتها «رايس» بأنها ستكون بمثابة بداية لشرق أوسط جديد.
هنا كان توافر المعلومات عن تلك العناصر وتحركاتها وتجميعها والهدف من إطلاقها أحد ركائز المواجهة الحقيقية.
كان رجال الدولة المصرية يتابعون الموقف بدقة على الساحة الداخلية والخارجية، كانت لديهم معلومات عن المشهد بكافة تفاصيله، ويعرفون تحركات عناصره وأهدافهم.
هنا كان التحرك باتجاه الحفاظ على الدولة المصرية من السقوط فى الفوضى، لأنها حال حدوث ذلك لا قدر الله فستكون خطوة فى اتجاه تنفيذ الهدف (الشرق الأوسط الجديد).
خلال العشرين عامًا الأخيرة، كانت المعركة تزداد ضراوة، فى مشهد معقد وفى ظل أطماع إقليمية ودولية للبحث عن موطئ قدم فى المنطقة.
الأمر الذى جعل المعلومات أقوى أسلحة المواجهة، إذ تُبنى عليها الرؤية المستقبلية للدول، وتوضع الخطط الاستراتيجية، كما تبنى الدول قدراتها لمواجهة المخاطر والتهديدات والتحديات وفق ما لديها من معلومات.
(2)
عقب أحداث 2011 وما حدث من أعمال إحراق ونهب لبعض السلاسل التجارية الكبرى وانتشار البلطجة، وصف البعض المشهد بأنه «أخرج أسوأ ما فينا» وجاء التعبير أو الوصف ليدلل على المتغير القيمى والأخلاقى الذى ضرب المجتمع.
لكن فى الحقيقة أن ذلك المتغير لم يكن وليد اللحظة ولم يكن كما يتحدث البعض عن أنها نتاج طبيعى للحالة الثورية.
إنما كان الأمر نتاج تحركات وبناء منظمات وعناصر ومؤسسات البعض منها سقط فى الفخ دون أن يدرى والبعض الآخر التقط الطعم راضيًا تمامًا بحثًا عن المكاسب المادية.
شهد المجتمع المصرى أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة متغيرًا جديدًا، وهو صحافة الإثارة، وباتت حوادث زنا المحارم تتصدر صفحات بعض الصحف الصادرة بتراخيص حزبية.
ودخلت بعض الصحف الخاصة على الطريق، لتساهم فى هدم قيم وأخلاقيات المجتمع وموروثه الثقافى، رغم تحذيرات أجهزة المعلومات من خطورة ما يحدث إلا أن رد الفعل كان سلبيًا من متخذ القرار.
هنا كان على أجهزة الدولة المسؤولة عن الحفاظ على الأمن القومى المصرى أن تكون على استعداد كامل بالتعاون مع كافة المؤسسات للحفاظ على الدولة وحمايتها من السقوط.
ومع توافر المعلومات كانت الرؤية أوضح، وخطط التحرك أدق، رغم الضغوط الكبيرة من الداخل والخارج من أجل إنهاك مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة، وإحداث حالة من الارتباك لإفشال المواجهة.
أسهم توافر المعلومات عن العناصر المعدة لخلق الفوضى فى إنجاح السيطرة على المشهد مع الوضع فى الاعتبار أن ردود فعل المجتمعات دائمًا تكون غير متوقعة بنسبة 100% وهذا ما يبرر قيام أجهزة الدولة بوضع أولويات فى تنفيذ خطة المواجهة، بل ويجعلها أحيانًا تتخذ مجموعة من الإجراءات لتبريد الأزمة، لكنها لا تتغافل عن تنفيذ خطتها للحفاظ على الدولة.
إن ما شهدته الدولة المصرية عقب 2011 وقبلها لولا يقظة أجهزة المعلومات وقدرتها على توفير المعلومات لمتخذ القرار (المجلس الأعلى للقوات المسلحة – الذى كان يقوم بإدارة شئون البلاد 11 فبراير 2011 – 13 أغسطس 2012) لما استطاعت الدولة المصرية أن تصمد فى مواجهة الفوضى.
أصبحت المعلومات تمثل السلاح الجديد الذى بفضل القدرة على امتلاكه وحسن توظيفه واستعماله فى جميع المجالات، يتوفر لصاحبه أدوات التفوق والقدرة على المناورة والتفاوض والنجاح، وتزيد من أسباب تمكنه فى الصراع والسيطرة على الآخر وتحقيق الانتصار فى المعركة.
(3)
لقد كان لتوافر المعلومات دورًا مُهِمًّا فى تحقيق النصر والحفاظ على الدولة، فمع وضوح حجم التهديدات والمخاطر التى قد تواجهها الدولة المصرية عقب يناير 2011 تم تطوير وتحديث القوات المسلحة بكافة أفرعها وأسلحتها المختلفة بداية من عام 2013، وذلك بهدف حماية الأمن القومى المصرى والعربى والحفاظ على مقدرات الدولة، بالإضافة إلى مواجهة الإرهاب الذى يحاول زعزعة استقرار الدولة.
وقد كان لأجهزة المعلومات دور حيوى فى تلك المواجهة جعل النصر حليفًا للقوات المسلحة والشرطة المصرية.
كما أن استشراف المستقبل هو ما جعل الدولة المصرية تواصل مسيرة البناء والتنمية فى كافة القطاعات وعلى كافة المحاور من أجل استعادة قوة الدولة ومكانتها.
فما أُنجز من مشروعات خلال الأعوام السبعة الأخيرة كان الهدف منه هو الحفاظ على الأمن القومى المصرى وحماية الدولة ومواجهة محاولات إفشال الدولة ومؤسساتها.
كان حفر قناة السويس الجديدة هدفًا استراتيجيًا لتظل القناة هى الأولى على مستوى العالم كأفضل مجرى ملاحى يربط الشرق بالغرب، كما تعيد لمصر مكانتها فى مشروع طريق الحرير.
وكذلك كان الهدف من مشروع العاصمة الإدارية، وتطوير وإنشاء 14 مدينة جديدة، والقضاء على العشوائيات، وتطوير المنظومة الصحية، وتطوير القرى، وتطوير منظومة الري، وتطوير شبكات الطرق والنقل، وتطوير الزراعة والخدمات الاجتماعية، ومواجهة التحديات وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
إن ما تمتلكه مصر يجعلها دائمًا قادرة على الحفاظ على مقدراتها والدفاع عن قضاياها والتمسك بحقوقها الكاملة، فهى تمتلك المعلومة وتمتلك القدرة أيضًا.
ومع استعادة مصر لقوتها ومكانتها يجب علينا أن ندرك خطورة المتغيرات المجتمعية التى ضربت المجتمع خلال العشرين عامًا الأخيرة، ونكون أكثر وعيًا بخطورة ما حدث من متغير قيمى وأخلاقى داخل المجتمع.
إن ما أكده مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع خلال الندوة التى عقدتها الإدارة حول دور الوعى المجتمعى فى تحقيق الأمن القومى وأمن وسلامة القوات المسلحة، فى ظل تعاظم التهديدات والتحديات التى تواجهها الدولة المصرية خلال المرحلة الراهنة، ليدلل على أن أجهزة المعلومات لا تتوانى لحظة عن مواجهة المخاطر والتهديدات للحفاظ على الدولة.
فقد أكد مدير إدارة المخابرات الحربية فى كلمته خلال الندوة على تسارع المتغيرات الاجتماعية داخل المجتمع والتحديات التى تؤثر على استقراره وتماسكه، مشيرًا إلى الجهود المبذولة والتعاون المستمر بين القوات المسلحة وجميع الأجهزة المعنية لزيادة الوعى المجتمعي، لما له من أهمية فى تحقيق الأمن القومى المصرى وبما يحقق استقرار وتماسك المجتمع.
إنها معركة لم تنته بعد، والغلبة فيها لمن يملك المعلومة الصحيحة، بما يمكنه من استشراف المستقبل ووضع رؤىً مستقبلية تحقق حاضرًا مستقرًا وغدًا أفضل.

    أضف تعليق