محمد نجم يكتب: حوارات القرآن

محمد نجم يكتب: حوارات القرآنمحمد نجم

الرأى11-5-2021 | 23:37

لا نزال مع روحانيات الشهر الكريم، خاصة تلك الحوارات التي وردت فى أكثر من سورة، وكانت بين أنبياء الله ورسله، أو بين الرسل وقومهم، أو بين الرسل وبعض مخلوقات الله من غير البشر كما ورد فى سورة النمل.

فما هذا الجمال فى العبارة والمعنى، وما تلك الحكمة البالغة فى الأسباب والنتائج؟

ولنبدأ مع أبو الأنبياء إبراهيم الخليل فبعد انتهاء رحلته من الشك إلى اليقين، وبعد تحطيمه للأصنام ودعوته للإسلام، يطلب من ربه أن يريه كيف يكون البعث، فسأله الله: أولم تؤمن؟ فكانت الإجابة السريعة "بلى"، لكني طلبت ذلك لأزداد إيمانا ويقينا ويطمئن قلبي!

فأمره ربه بأن يأخذ أربعة من الطير ويذبحهن ويقطعهن، ثم يضع على كل جبل منهن جزءًا، ثم يناديهن، فيأتينه مسرعات، ففعل إبراهيم عليه السلام، فإذا كل جزء يعود إلى موضعه، ثم نقرأ فى ذات السورة (البقرة) عن الذى يجادل إبراهيم فى توحيد الله وربوبيته، فيسأله عن ربه؟

فيرد إبراهيم: هو الذي يحيي الخلائق فتحيا، ويسلبها الحياة فتموت، فهو المتفرد بالإحياء والإماتة، فيتجبر النمرود ويقول: أنا أحيي وأميت، أي أقتل من أريد قتله، وأستبقي من أردت استبقاءه، فقال إبراهيم متحديًا: "فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ"، فهل تستطيع أن تغير هذه السُنّة وتأت بها من المغرب؟ فبهت النمرود وانقطعت حجته.

وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْني منْ أَهْلي وإنَّ وَعْدَكَ الْحَق وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكمِين (45) قال يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلكَ إِنَّهُ عَمَل غَيْرُ صَالِح فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْألَكَ مَا لَيس لِي به علْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لي وَتَرْحَمنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلام مِنَّا وَبرَكَاتٍ علَيْكَ وعلى أُمَم ممّنْ مَعَكَ وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ".. ثم انظر لهذا الحوار بين نوح وربه، فقد تحركت عاطفة الأبوة وسأل ربه هداية ابنه إنه من أهله وإن وعد الله هو الحق وهو أحكم الحاكمين، لكن الله سبحانه الذي يعلم ما فى الصدور، يقول لنوح: إنه ليس من أهلك، وإنه عمل غير صالح، وينصحه بألا يسأل عما ليس له به علم (الآيات ٤٥ ،٤٦ ،٤٧ من سورة هود).

ولعل من أجمل الحوارات القرآنية، تلك التي وردت فى سورة يوسف والتي وصفت بأحسن القصص، وكذلك حوارات سورة النمل، خاصة عندما يتحاور النبي سليمان مع الهدهد الذي تحدى الملك بأنه أحاط بما لم يحط به! وهو سليمان الذي سخر الله له الريح والجان والطير ومنح ملكاً لم يمنح لأحد من قبل!

فيقول الهدهد مزهوًا: "وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِين"ٍ، ويحكي ويحلل ويقيم ما رأى!

يستخف به سليمان _ كعادة الملوك _ سنتأكد إذا كنت صادقًا أم كاذبًا؟

ثم نتابع حوارًا آخر ممتعًا بين بلقيس وقومها، بعد أن قرأت كتاب سليمان وتحذرهم أن الملوك إذا دخلوا بلدة أفسدوها!

ثم حوارًا أكثر متعة بين سليمان وجنوده، يكشف عن القدرة التي منحها الله لبعض مخلوقاته، "قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ" يبشر سليمان أن لديه القدرة أن يأت له بعرشها قبل أن يقوم من مقامه، فيتدخل الذى عنده علم من الكتاب، ويقول: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ، أي قبل أن تلتقي رموش العين مرة أخرى!

فلما رآه مستقرًا تحت قدميه، سارع بالشكر والحمد علي كل ما تحقق له من فضل الله.

انتهت حوارات تلك السورة بأن أعلنت بلقيس _ الملكة التى أوتيت من كل شيء _ : "رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".

ما أمتع حوارات القرآن.. بس نقرأ ونفهم.

أضف تعليق

تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2