يمثل تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى أحد أهم المؤشرات لقياس المستويات التنموية للدول، ويعتمد على عدة أبعاد فى تحليلاته كالمؤشرات الاجتماعية والتنموية والإنسانية، معبرًا عن الوضع الاجتماعى للمواطن ومستويات معيشته، والتى تعد بمثابة معيار حقيقى لتقييم مستوى التنمية فى أى بلد، فالمعدلات العالية للنمو الاقتصادى لا تعنى أن ثمار هذا النمو تصل بالضرورة لجميع المواطنين.
لذلك فإن مقياس التنمية البشرية يهدف لتقييم طويل الأجل فى ثلاثة أبعاد أساسية للتنمية هى: حياة طويلة صحية، والوصول إلى المعرفة، ومستوى معيشى لائق.
وفى إطار الاهتمام بتقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرًا الحكومة بالتوثيق الدقيق لجميع جهود الدولة التى شملت جميع القطاعات على مستوى الجمهورية خلال السنوات الماضية، وذلك لإتاحة البيانات الدقيقة والمفصلة حول ما يتم من جهود تنموية شاملة وعميقة تمتد لجميع نواحى الحياة فى مصر، وهو الأمر الذى يدعم قدرات الرصد والتحليل ودقة المؤشرات التى تصدر عن المؤسسات المتخصصة فيما يتعلق بعملية التنمية فى مصر.
جاء التوجيه خلال اجتماع الرئيس مع د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء ود. هالة السعيد وزيرة التخطيط ود. مايا مرسى رئيس المجلس القومى للمرأة ود. خالد زكريا رئيس مركز السياسات الاقتصادية.
وتناول الاجتماع عرض جهود الحكومة فى دعم إطلاق تقرير التنمية البشرية فى مصر، بالتعاون مع البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة بالقاهرة، وذلك بعد توقف إصدار التقرير طوال السنوات العشر الماضية منذ عام 2011.
ويعتمد التقرير على المفاهيم الخاصة بتحقيق التنمية الشاملة فى النواحى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وتعزيز التنمية البشرية والاستثمار والإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، وكذا تعزيز الاستدامة البيئية من أجل تحقيق غايات وأهداف التنمية المستدامة.
ويستند التقرير إلى عدة محاور رئيسية تشمل ما تم فى الدولة من إصلاح اقتصادى والتأسيس لانطلاقة تنموية، وبرامج الحماية الاجتماعية الهادفة نحو تحقيق عقد اجتماعى أكثر شمولاً فى مصر، والاستثمار فى الثروة البشرية من خلال التعليم والصحة والسكن اللائق، بالإضافة إلى محور النهضة الجديدة للمرأة المصرية، فضلا عن إدارة نظم الحماية البيئية، وكذلك تطوير عملية الحوكمة لإنشاء منظومة فعّالة لإدارة شئون الدولة والمجتمع.
وتعكس تقارير التنمية البشرية بشكل كمى أن التنمية هى توازن بين الاقتصاد ومكونات رأس المال البشرى، وقد احتلت مصر عام 2019 المرتبة 116 عالميًا بين 189 دولة، ولا تزال فى فئة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة، ولأول مرة يعد مؤشر التنمية البشرية فى مصر أعلى من المتوسط للدول العربية.
وتحتل مصر المرتبة 102 وفقًا لنصيب الفرد من إجمالى الدخل القومى من أصل 189 دولة، وهو ما يشير أن لدى مصر الكثير من الإمكانات لتحسين الحماية الاجتماعية، وتمكين المرأة، وأنظمة التعليم، والحوكمة، وتحويل النمو الاقتصادى إلى استثمارات تؤدى إلى مزيد من التقدم فى التنمية البشرية.
وقد تضمن تقرير التنمية البشرية لعام 2020 مؤشرًا جديدًا للتقدم البشرى يأخذ فى الاعتبار انبعاثات ثانى أكسيد الكربون فى مختلف الدول، وأن جائحة كورونا كوفيد -19 هى أحدق أزمة يواجهها العالم، ولن تكون الأخيرة إذا لم يرفع البشر قبضتهم عن الطبيعة.
وتناول التقرير جودة التنمية البشرية واستدامتها، وإلى كيفية تأثير أوجه عدم المساواة الاجتماعية والأداء البيئة على البلدان.
ويوضح المؤشر كيف سيتغير مشهد التنمية العالمى إذا كانت رفاهية الناس وكذلك كوكب الأرض محددًا محوريًا لتقدم البشرية، لذلك فإن مشاريع الطاقة المتجددة فى مصر، وإصلاح سياسات الطاقة وتحسينها من شأنها أن تساعد على الحد من الكثافة الكربونية فى الاقتصاد المصرى خلال الأعوام القادمة.
وقد لوحظ وجود تفاوت واضح فى توزيع الثروة، وتوزيع الدخل أقل تفاوتًا بمعنى اقتصار الزيادات التى شهدتها الثروات فى أصول غير منتجة كالعقارات وليس مشاريع منتجة تؤدى إلى خلق الوظائف وتحسين حياة غالبية المواطنين.
لذا فهناك مشكلة هيكلية وضرورة وأولوية من قبل الحكومة فى التركيز خلال الفترة المقبلة على حجم الطبقة الوسطى وتوسيعها وحمايتها من الانتقال للطبقات الأقل فقرًا وذلك لتحقيق الهدف الأصلى وهو التنمية المستدامة والتى تضمن وتحقق رفاهية الإنسان والعدالة الاجتماعية.