ضمير مصر.. فى حرب غزة

ضمير مصر.. فى حرب غزةضمير مصر.. فى حرب غزة

الرأى28-5-2021 | 16:50

(1)

"وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ".. هذه العبارة التالية لصدر الآية رقم (216) من سورة البقرة، وصدر الآية يقول فيه رب العزة جل من قائل: "كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ".. وقد كرهت ومثلى ملايين العرب والبشر من باقى الجنسيات والملل، ما وقع على الأشقاء فى فلسطين من اعتداء آلة الحرب الصهيونية الغاشمة على المدنيين العزل، وجلهم من النساء، والأطفال، وما تكبدته غزة وأهلها من خسائر ودمار، فى البشر والحجر، جراء معركة غير متكافئة، يملك طرف فيها كل أسباب القوة المادية، والآخر يرد اعتداءه بالإيمان بالله وقضيته، وإرادته فى التمسك بالأرض التى تساوى الحياة ذاتها.

(2)

فى الداخل الإسرائيلى أظهرت استطلاعات الرأى الأولية بعد وقف إطلاق النار بين الجانبين، أن ثلث الإسرائيليين على الأقل يرون أن الفلسطينيين انتصروا فى المعركة مع جيشهم، وهذه القناعة لها مردود فى السياسة كبير، وسوف ينعكس هذا المردود فى الداخل الإسرائيلى خلال الأيام القليلة القادمة، فى تغيير التركيبة التى تحكم، على مستوى الأحزاب، والأشخاص، ونحن بإزاء تفسيرين لردة فعل الإسرائيليين الذين قالوا إن جيشهم انهزم، الأول أن يولّد هذا الإحساس مزيدا من الخوف فى قلوبهم، فيدفعهم إلى اختيار أشخاص تحكمهم أكثر يمينية وتعصب من نتنياهو، والليكود !!..

والثانى أن يصلوا إلى قناعة أنه لا فائدة من سياسة العنف، والمماطلة، والمراوغة فى سلب الحقوق الفلسطينية، وأن الأجدى عقد اتفاق مع الفلسطينيين يسمح لهم بإقامة دولة يعيشون فيها جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين.. وهذا الإحساس سيطر فى الماضى على الإسرائيليين فى أعقاب هزيمتهم النكراء فى حرب أكتوبر عام 1973، وكانت كلما تعثرت مفاوضات السلام مع مصر، فى السنوات التالية للحرب، يذكرّهم السادات بأن يرسل لحكومتهم رسميا أن يستلموا رفات جنود لهم ماتوا فى الحرب، كان يجدد لهم الجرح، فتخرج أمهات القتلى تنوح، والآباء يتظاهرون، ويضغط المجتمع على حكومة الكيان لكى تستأنف مفاوضات السلام مع مصر.

(3)

قلت وأكرر أن إسرائيل لا تعرف إلا لغة الحرب، والقوة، والخوف فقط هو الذى يدفع الشخصية الإسرائيلية، من عدمة الضمير إلى الإذعان بحقوق الغير.. ليكن هذا إدراكنا الذى نتحرك على أساسه.

واللحظة مواتية، وملهمة، ليس فقط للطرف الفلسطينى لأخذ حقوقه من إسرائيل والغرب، ولكن لأطراف أخرى عديدة، يمكن أن تستغل الظرف الراهن، منها مثلا إيران، التى استغلت المعركة - التى اختفت فيها خلف حماس–وبالفعل هى استخدمتها كورقة ضغط تستفيد بها فى صراعها مع إسرائيل من ناحية، والغرب من ناحية أخرى، تستخدمها فى مفاوضات فيينا الخاصة ببرنامجها النووي، ولست أنا فقط الذى أقول هذا، ولا هى نتيجة صعب الوصول إليها. وقد يرى البعض أن مصر–أيضا- استفادت، ونقول، إن تداعى الأحداث هو الذى أفاد مصر بشكل غير مباشر، وجاءت هذه الاستفادة فى صورة تحسن علاقاتها مع إدارة الديمقراطيين وبايدن (الأمريكية)، مصر تصرفت كما ينبغى عليها أن تتصرف، لوقف العدوان على الأشقاء الفلسطينيين، فى نفس الوقت الذى رغبت فيه إيران أن تستمر الحرب انتقاما من إسرائيل وكسرا لشوكتها، حتى ولو كان هذا على حساب سقوط مزيد من الضحايا فى الجانب الفلسطينى.. وساطة مصر هى التى أوقفت العدوان، بوحى من ضميرها الإنسانى قبل أى حسابات، ولو لجأت مصر لهذه الحسابات، لأبقت على الحريق مشتعلا لتنتقم من إسرائيل بسبب دورها فى "سد النهضة" وهو أحد العوامل التى أوصلتنا إلى الأزمة الحالية، وتزيد من الضغوط على أمريكا.

(4)

لاشك، أن المنطقة بعد حرب غزة، ليست كمثلها قبل الحرب، المبعوثون الأمريكيون تحركوا بقوة نحو المنطقة، واتصلوا وقابلوا أطرافا فلسطينية، كانت إدارة ترامب السابقة قاطعتهم، عملية السلام سوف يمنحها الأمريكان والاتحاد الأوروبى قبلة الحياة، وفيما يخصنا نحن–مصر–بالتأكيد سوف تسمعنا الإدارة الأمريكية الآن بآذان أكثر إصغاء، والإصغاء فى اللغة هو: "الاستماع الحسن"، وخاصة فيما يخص أزمة سد النهضة.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2