لست أدرى لما كل هذا التناقض الذى نعانيه فى الازدواجية الفادحة والفاضحة بين النصوص القرآنية الصريحة، وبين الممارسات الأخلاقية التى تحولت لحقائق راسخة، وواقع نعيش فيه، وأقصد هنا تحديدا ما يخص المرأة، وما تواجهه من ظلم بيِّن يبعدنا كثيرا عن صحيح الدين، أقول هذا وقد توقفت كثيرا أمام ما ورد فى الآية الكريمة «ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا» فى الآية ٢٢٩ من سورة البقرة، وهى الآية التى تتناول الطلاق.
نص الآية الكريمة يقول فيها الله تعالى: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون» •
الأمر الذى يثير الجنون أن لدينا نصا صريحا مباشرا يحدد توابع الطلاق وحقوق المطلقة، ماديا ومعنويا، بلا تأويل أو مواربة، فكيف بعد هذا تمتلئ محكمة الأسرة، وتتزايد النزاعات وتتحطم الأسر، وتقوم حروب تستخدم فيها كل الأسلحة المحترمة وغير المحترمة، ليس بين الزوجين المنفصلين فحسب، بل تنسحب الحرب على بقية أفراد الأسرتين، ويتبارى المتخاصمان فى الكيد والدس والانتقام، والأكثر ذكاء هو من يحطم الآخر بالضربة القاضية، ولا بأس لو كان هناك أطفال أن يتمزقوا فى الصراع بين أبويهم دون رحمة بهم وبقلوبهم الصغيرة!
هل رأى أحد من قبل أو مر عليه فى حياته زوجين ينفصلان فيحسن كل منهما إلى الآخر، ويكرم الرجل طليقته فيترك لها ما أمر الله بتركه لها؟، الحقيقة أنا عن نفسى لم أر! بل رأيت عنادا وظلما وتعارك على تفاهات وجدال على أشياء لا قيمة لها سوى جرح الآخر وقتله معنويا!
هل صادف أحد منا أسرة تقول لابنها لا يصح أن تأخذ شيئا من مطلقتك، كما أمر الله، أحسن إليها ولا تعتدى عليها، وكن كريما راقيا؟! لا شيء من هذا، لكن الجميع يحرّض ويشعل النيران، وإذا مال أحد الطرفين للسلام كان الباقون يحرضون على التمسك بأتفه الأشياء نكاية فى الطرف الآخر.
لقد رأيت على مدى سنوات عمري، فى مثل هذه الأمور وقائع لها العجب ومساومات على أقل وأرخص الأشياء وإهانات متبادلة وعراك وتطاول، ولا أحد من هؤلاء يتذكر الآيات القرآنية الواضحة الصريحة: «لا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا»! بل الأكثر غرابة أن كل هؤلاء المتخاصمين الذين يتغافلون عن نص قرآنى صريح تمتلئ بهم المساجد ويسارعون إلى إقامة الشعائر، ويؤدون كل مظاهر التدين بكل اجتهاد، لكنهم لا يتعبون أنفسهم فى تدبر ما أمر به الله.
لكن السؤال هنا كيف أعطى الغرب غير المسلم الحقوق والواجبات للمرأة عند الطلاق أكثر مما أعطتها القوانين فى الدول ذات المرجعية الإسلامية؟! وكيف تغافل رجال القانون ورجال الدين عبر العصور المختلفة عن هذه الحقوق؟ وماذا سيقولون وهم بين يدى الله عن ملايين من النساء ظلمن وضاعت حقوقهن والجميع يلتزم الصمت؟.. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا!