عظمة محمد

عظمة محمدرجب البنا

الرأى5-6-2021 | 09:27

تم اكتشاف كتاب للشاعر والفيلسوف الفرنسي الشهير ألفونس لامارتين، وهو من الشخصيات المؤثرة فى الحياة السياسية والأدبية فى فرنسا فى القرن التاسع عشر، الكتاب بعنوان «حياة محمد» عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يرجع تاريخ الكتاب إلى عام 1854 قال فيه إن عظمة محمد وعبقريته تتجلى فيما حققه على الرغم من أنه كان أميًا ولم تكن لديه جيوش أو أموال إلا أنه آمن بالدعوة التى اختاره الله لها، وكل عظماء التاريخ ينساهم الناس أو يقل الاهتمام بهم مع مرور السنين أو القرون، ولكن هذا النبى ظلت ذكراه، وظل حب الناس له وإيمانهم بدعوته رغم مرور السنين والقرون، عبقريته أنه قضى على عبادة الأوثان بدون معارك أو قتال أو جيوش، وكانت دعوته أقوى من الجيوش.

وقد ترجم الدكتور محمد المختار، الحائز على الدكتوراه من جامعة السوربون، قصيدة كانت مجهولة من تأليف لامارتين، يقول فيها: لا أحد يستطيع أن يتطلع إلى بلوغ مثل هذا الهدف الذى يمثله محمد نبى الإسلام، فقد كان هدفه يتعدى الطاقة البشرية، وهو هدم المعتقدات والخرافات التى كانت سائدة وكانت تمثل حجابا بين الخالق والمخلوق، وكانت دعوته هى إعادة الصلة المباشرة بين العبد وربه دون وسطاء، والنظر نظرة عقلية إلى مقام الألوهية فى عالم كان مليئا بالخرافات والفوضى والعقائد والآلهة الكاذبة المشوهة من صنع المشركين.

وعظمة محمد أنه بدأ دعوته لتغيير العالم وحده، ولم يعتمد على قوة عسكرية تسانده وتدعمه، فقط جمع حوله رجال آمنوا بدعوته لم يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، ولم يحدث فى التاريخ أن استطاع شخص أن يغير العالم كما فعل محمد ومن معه بحيث لم يمض سوى قرنين بعد البعثة حتى ساد الإسلام جزيرة العرب، وفتح المسلمون بعقيدة التوحيد بلاد فارس، وخراسان، وما وراء النهر، والهند، والحبشة، والشام، ومصر، وشمال إفريقيا، وعددا من جزر البحر المتوسط، وشبه الجزيرة العربية، وإيبريا، وجزءًا من فرنسا، وكل إسبانيا.

وإذا كانت ضعف الوسائل، وسمو المقاصد، وعظمة النتائج، هى السمات الأساسية لعبقرية القادة والزعماء، فمن ذا الذى يتجاسر على المقارنة بين محمد وأى عظيم آخر من عظماء التاريخ، فعظمته لا تدانيها عظمة أخرى، وإن كان فى التاريخ رجال قادوا الجيوش، وأصدروا القوانين والنظم، وغيروا جغرافيا الممالك، فإنهم لم يقدموا إلا إنجازات مادية تهاوت بعدهم أو فى حياتهم، أما محمد، فقد عاشت رسالته بعده، بل ازدادت قوة مع الزمن، على العكس من كل عظماء التاريخ الذين لم تصمد إنجازاتهم للزمن.

عظمة محمد أنه أرسى دعائم شريعة استقرت فى ضمائر مئات الملايين بعد رحيله، ومازالت بعد مرور السنين والقرون باقية، وتنتشر، وتتعمق، وكانت قوته مصدرها كتاب واحد (القرآن) كل حرف فيه مقدس، لم يلحقه أى تغيير، لم تشهد البشرية كتابا مثله، وفى سنوات معدودة نشر محمد القيم الروحية والأخلاقية التى جاء بها فشملت شعوبا من كل الأجناس والألسنة والألوان، وكتب نهاية لعبادة الأصنام، وعلم البشرية عبادة الإله الواحد، وفوق ذلك علم البشرية الاعتماد على العقل، وكراهية الأوهام والخرافات التى سيطرت على العقول.. وعظمته فى أنه تحدى قومه وهم فى موقع قوة وهو فى موقع ضعف، تحداهم برفض عبادة الأصنام، وهو فقير، وهم أغنياء، وليس معه سوى قلة من الأنصار وهم كثرة، وصبر على أذاهم طوال خمسة عشر عاما.

ومن مثله تحمل كل هذا الإيذاء ولم يستسلم أو يشعر باليأس، عظمته فى صموده لتبليغ رسالته مع عدم تكافؤ القوى مع أعدائه، وظل يقينه بالله وبالنصر، وظل ثابتا على عقيدته لم يساوم ولم يتنازل عن شىء منها، ولم تتغير طبيعته من التسامح، ونقاء القلب، والعزوف عن السلطة وكل مظاهرها، وظل يناجى ربه فى الليل والنهار، ويعلم أصحابه ويدعو الناس إلى الإسلام باللين والصبر، فكان مثالا نادرًا للقيادة الروحية القوية التى تستعمل – ولا تملك – شيئا من أسباب القوة المادية، وظل يحقق انتصارات تلو انتصارات حتى بعد موته، وظلت قوة الإيمان هى قوة الدفع الهائلة لدعوته.

وهذا ما كتبه الشاعر الفرنسي العظيم لامارتين، ونجح أعداء الإسلام فى إخفاء كتاباته، « يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» (التوبة – 32)، وهكذا شاء الله أن يظهر هذا الكتاب بعد عشرات السنين.

وشاء الله أن يتم اكتشاف كتاب آخر هو (حكم النبى محمد) للأديب والمفكر الروسى الكبير ليو تولستوى، وقد كتبه باللغة العربية التى يجيدها وقرأ بها القرآن كما قرأ بعض كتب السيرة، وكانت له مراسلات مع الشيخ محمد عبده، ومع عدد من الشخصيات الإسلامية، قال فيها: كنت أدرس شخصية ورسالة محمد، وكانت مكتبتى تضم العديد من المراجع عن معانى القرآن والأحاديث النبوية، وفى هذا الكتاب جمع تولستوى عددًا من الأحاديث النبوية وترجمها إلى اللغة الروسية، وتحدث عن عقيدة التوحيد التى تميز الدين الإسلامى.

ومن الأحاديث التى تضمنها هذا الكتاب: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) و(ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء) و(إنما النساء شقائق الرجال) و(انصر أخاك ظالما ومظلوما، قيل كيف ننصره ظالما، قال: تمنعه من الظلم).

وتحدث تولستوى عن جهاد الرسول لهداية الذين كانوا يعبدون الأصنام وقضوا حياتهم فى الحروب وسفك الدماء واستباحة السلب والنهب، وقال إنه أراد الرد على حملات التزوير والتشويه للدين الإسلامى وللنبى صلى الله عليه وسلم، ويقدم بعض تعاليمه التى تمثل حكمة بالغة، وتدل على قوة اليقين، ولذلك فإن دعوته تؤثر فى كل من يطلع عليها وتقوده إلى الطريق المستقيم فى الحياة، وهو نموذج للقوة الروحية، فقد تحمل الإيذاء والاضطهاد، ولم يقل إنه نبى الله الوحيد بل آمن بنبوة من جاء قبله، ودعا إلى التعايش بين الأديان، وعدم إكراه أحد على اعتناق الإسلام، وامتاز بالتواضع، والزهد، وأرسى فضيلة التراحم (كونوا عباد الله إخوانا)، وبذلك كان من أعظم عظماء التاريخ دون منازع.

هذه ليست كل الشهادات التى أنصف بها عقلاء الغرب الإسلام ورسول الله، وفى كتاب (المنصفون للإسلام فى الغرب) نماذج أخرى لمؤرخين ومفكرين أنصفوا الإسلام وأعلنوا الحقيقة وهى أن هذا دين الله، وهذا رسول الله، وكذب كل من حاول الإساءة أو التشكيك.

عناوين:

لامارتين: عظمة محمد أنه أرسى دعائم شريعة استقرت فى ضمائر مئات الملايين بعد رحيله ومازالت بعد مرور السنين والقرون باقية

تولستوى: دعا إلى التعايش بين الأديان وعدم إكراه أحد على اعتناق الإسلام، وامتاز بالتواضع، والزهد

أضف تعليق