لم يعقه بتر قدميه عن مقاومة المحتل الصهيوني، ويظهر فى الصورة جالسا على كرسيه المتحرك، وهو يلوّح فى الهواء بحبل وفى نهايته حجر، ويقذف به بعيدا عسى أن يصيب به جنود الاحتلال.
ومعاق ثان يقف متكئا على عكازه، ويلقي بالحجارة، ويتصدر مقدمة الشباب الفلسطيني الثائر فى الضفة، والمشاهد على شاشة التلفاز لا يشعر بإعاقته، فيراه سريع الحركة خلال مواجهته جيش المحتل المدجج بالسلاح.
ولا يخبرك مثل خبير أن سر الانتصار يكمن فى أصحاب العزيمة القوية والإرادة الصلبة، والدليل على ذلك ولا يختلف عليه اثنان نجاح أهل غزة فى رفع راية النصر على عدو يمتلك أقوى ترسانة سلاح فى المنطقة.
qqq
وهذا عهد كل المنتصرين والعباقرة على مر التاريخ، فمن يملك روح المقاومة يحطم الصخرة الضخمة بمعوله البسيط، وقد تملكت هذه الروح الشعب الياباني، ولم ينهر من داخله أمام تدمير دولته، واستطاع بناء أفضل دولة فى العصر الحديث خلال سنوات قليلة.
ولنفس السبب، نجح ضرير صيني منذ أيام فى تسلق أعلى قمة فى العالم، ويبلغ من العمر 46 عاما، وأصبح أول ضرير فى آسيا والثالث فى العالم يتسلق جبل إيفرست.
ولا يمكن إلحاق الفشل والهزيمة بأصحاب الهمة العالية، غير أنهم قد يتعثرون أثناء سيرهم فى الطريق، ولكنهم ينهضون بسرعة، ويواصلون عملهم، ويدرسون كل خطوة نحو تحقيق هدفهم، ويؤمنون أن النجاح لا يأتي بالتمني، ويتمتعون بالصدق فى أقوالهم، وبدون هذه السمات لا يمكن أن يتحقق لهم النصر.
والإرادة موجودة عند كثير من الناس، ولكنها بدرجات متفاوتة، أما الإرادة القوية فتتولد لدى من يمتلك الرغبة والإصرار على الصمود فى سبيل الوصول إلى الهدف، ومن جمال قوة الإرادة أن الإنسان هو من يقوي إرادته أو يضعفها، ولا يوجد عامل وراثي يحدد درجة قوتها.
ويطرح هذا السياق سؤالا هل تستطيع دولة النهوض بدون موارد طبيعية؟ الجواب بالطبع النفي، فمثلا الولايات المتحدة الأمريكية من أغنى دول العالم إنتاجا للنفط والقطن والقمح، وكذلك روسيا وكثير من دول الاتحاد الأوروبي.
ولكن كوريا الجنوبية الفقيرة من المواد الخام استطاعت القفز إلى العالم الأول، وحقق شعبها وقادتها هذه القفزة فى غضون ستين عاما، وبفضل قوة إرادتهم امتلكوا العلم وأدوات المعرفة، وفى النهاية كان النصر حليفهم على فقرهم من الثروات المعدنية والنفطية، واستطاعت كوريا الجنوبية أن تحتل المركز الخامس عالميا من حيث التصدير.
واستطاع أهل فلسطين وغزة بحجارتهم وبأسلحتهم المتواضعة تعرية عجز إسرائيل فى كسر إرادتهم، وأرغموا الشعب الإسرائيلي على العيش فى الملاجئ لعدة أيام، وسقطت أكذوبة صفقة القرن، واتضح عجز الولايات المتحدة عن فعل أي شيء لإسرائيل سوى مدها بالسلاح، ومصر هى التي نجحت فى قيادة مشهد المصالحة والتهدئة، الذي فشلت فيه دول كبرى.
ولذا يجب الاعتراف بأن قوة الإرادة لدى الشعوب والأفراد تقاس بالانتصار والتفوق على فقر الموارد والإمكانات، والصمود فى مواجهة قوة السلاح والنفوذ.