ليس جديدا أن تكون هناك حكاية مخيفة ومضحكة فى نفس الوقت، بل إن الضحك والخوف ليسا بعيدين عن بعضهما كما يتخيل البعض، فأسهل طريقة لتفريغ الخوف هي الضحك، وأقرب وسيلة للسيطرة على طوفان الضحك هي الخوف، وهناك عمل سابق شهير يمزج بين الخوف والضحك، ويدور أيضا حول رجل يقتل النساء، هو فيلم فؤاد المهندس وشويكار المعروف «سفاح النساء»، وفيلم «أحمد نوتردام» يستلهم تقريبا حالة السفاح المعقدة، وعملية قتل النساء، ووجود دمية فى مخبئه، من أجواء فيلم «سفاح النساء» القديم.
ولكن عمليات القتل، واستخدام الرعب بسبب الأجساد التي يتم تشريحها، أو نتيجة قتلها أو تمزيقها، تصل فى «أحمد نوتردام» إلى ذروتها، بل يمكن أن تعتبر بعضها مشاهد صادمة تماما، وكأنها أجزاء مخيفة فى فيلم رعب صريح، ثم يتم السخرية من هذه المشاهد بوضعها فى سياق كوميدي، وهذا هو منهج الفيلم من بدايته التي تتمثل فى قيام نظمي سفاح المترو الغامض ( خالد الصاوي)، بخطف امرأة (انتصار)، بعد خروجها من المترو، وتعذيبها على كرسي كهربائي، وتصويرها، ثم قتلها، وبتر رجلها، وإذاعة الفيديو على الإنترنت.
حبكة الفيلم بعد ذلك تتمثل فى محاولة صحفى يدعى أحمد (رامز جلال)، وزميله شاكر ( حمدي الميرغني)، خبير التصوير والكمبيوتر، بمساعدة الطبيبة الشرعية عبلة (غادة عادل)، وأستاذ علم الإجرام ومؤلف قصص الجريمة نادر (بيومي فؤاد)، بمحاولة لاكتشاف شخصية السفاح، والإيقاع به، رغم أن الشرطة أعلنت عن سفاح آخر، ارتكب جرائم قتل نساء المترو المشوهات والمعذبات بالكهرباء.
لا بأس الى هنا بالحكاية، وخصوصا أن دوافع كل شخصية متوافرة، فالصحفيان يريدان سبقا ومكافأة، والطبيبة الشرعية تريد العودة الى عملها، وإثبات شكوكها، وخبير الجريمة عنده فضول، ويريد مادة لرواية .. الخ، ولكن أن تتطور القصة الى محاولة أحمد أن يتقمص شخصية أحدب نوتردام، وممارسة القتل الوهمي، للإيقاع بالسفاح المفتون بشخصية الرواية الشهيرة، فإن الحبكة قد بدأت بذلك فى الإضطراب، رغم مواصلة المزيج المضحك والمرعب حتى النهاية.
بسبب سذاجة اللعبة، كشفها نظمي بسهولة، كما أن نظمي نفسه بدا غبيا عندما كتب خطابات اعترافات باسم بلطجي لا يقرأ ولا يكتب، لكي يلفق له جرائم قتل النساء، وبدا البوليس أكثر غباء وفشلا، وهو عاجز عن ملاحظة عدم قدرة القاتل أصلا على الكتابة، وقد أضعف كل ذلك من الحبكة.
لقد أصبحنا بذلك أمام تسابق فى الغباء، وليس فى الذكاء، بينما لو صار التسابق مبتكرا وذكيا بين البوليس والسفاح وأحمد وزملائه، لصارت الحكاية محكمة، ولاكتملت التجربة فى شقها البوليسي والكوميدي معا، ولكن المشاهد المرعبة والمضحكة استهلكت قدرات المؤلف، فظهرت الثغرات، وصرنا أمام لعبة مفتعلة، لم تخدمها التفاصيل.
ربما تصدم مشاهد كثيرة فى الفيلم من لم يتعود على هذا المزيج، أتحدث تحديدا عن كثرة مشاهد الموتى وتشريح الأجساد، رغم أنها مشاهد حاولت فعلا أن تجعل الضحك وجها آخر للفزع وربما للقرف أيضا، ومن أمثلة هذه المناظر مشهد تشريح الطبيبة للجثة، ومشاركة أحمد لها بوصفه متدربا، ومثل مشهد النزول الى المقبرة لفحص جثة البلطجي المتهم بقتل النساء، ومثل مشهد دخول شاكر الى ثلاجة الجثث، واكتشافه أنها تحولت الى ثلاجة طعام، بحيث يتجاور الأكل مع الجثث المتنوعة.
هذا الأمر مألوف تماما فى تلك النوعية فى الأفلام الأجنبية، ولكنه يبدو بالنسبة لنا فجا ومقرفا وصادما، ومع ذلك ظلت عيون صناع « أحمد نوتردام على هذا المزيج، وهو أصلا هدف التجربة، والحقيقة أن مشاهد الرعب والقتل فى هذا الفيلم تبدو أحيانا أكثر إتقانا من مشاهد مماثلة فى أفلام مصرية سابقة ادعت أنها أفلام مرعبة، كما أن فيلمنا فيه الكثير من المشاهد والإفيهات الظريفة، والشخصيات عموما مبتكرة، باستثناء شخصية السفاح، والتي تبدو نمطية تماما، بما فى ذلك كراهيتها للنساء، وبما فى ذلك أيضا أداء خالد الصاوي، الذي يبدو أن تخصص فى أداء الشخصيات المضطربة نفسيا.
إلى حد كبير كان رامز جيد الأداء، وإن ذكرتنا إيفهاته المتكررة بطريقته فى التنكيت فى برنامج مقالبه الشهير، لا شك أن البرنامج أثر على أدائه كممثل، ولكنه أفاده من ناحية أخرى فى أداء شخصيات بالماسكات، كما فى شخصية أحدب نوتردام، التي اصطنع لها رامز، بالإتفاق مع المخرج بالتأكيد، صوتا يشبه صوت عادل أدهم.
غادة عادل أدت أيضا دورا جيدا، وقدمت مشاهد كوميدية موفقة، وكذلك فعل حمدي الميرغني وبيومي فؤاد،
ولا أنسى دور موسيقى عمرو إسماعيل، وإن كانت قد عبرت أكثر عن الرعب والفزع، بينما يمكن اعتبار الديكور والإشراف الفني لإسلام حسن شوقي، ومونتاج عمرو عاصم من العناصر الأساسية فى تقديم مشاهد ناجحة، والتجربة عموما تؤكد من جديد مهارة المخرج محمود كريم، وفهمه للأنواع التي يقدمها.
«أحمد نوتردام» يقدم نوعا مختلفا، قد تحبه أو تكرهه، ولكنها تجربة كانت تستحق إتقانا أكبر فى البناء والتفاصيل، حتى لا يبدو الأمر صراعا بين أغبياء.