لى صديق طالما كان ينتقد تحركات الدولة المصرية ورؤاها فى مختلف الملفات، وتدور بيننا نقاشات أحاول فيها أن أبين له حقيقة ما يتم على أرض الوطن من مشروعات وفق بيانات ومعلومات مدققة، لكنه كان كثيرًا ما يصر على وجهة نظره.
الأسبوع الماضى بادرنى صديقى قائلًا: «إن لهذا الرجل أن يرفعُ الجميع من أبناء الشعب المصرى والأمة العربية له القبعة احترمًا وتقديرًا».
قلت له: من تقصد؟
رد بحماس شديد غير معهود: «الرئيس السيسي».
نظرت إليه قائلًا: الآن فقط، ماذا حدث لتغير وجهة نظرك؟!
فقد كانت تدور بيننا نقاشات مطولة عن رؤية الدولة والقيادة للمستقبل، وتحرك الرئيس عبد الفتاح السيسي فى ملف من أهم الملفات وهو بناء الدولة، وكيف أن جملة « مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا» التى أطلقها ليست مجرد كلمات عابرة.
رد صديقي: «احنا فعلًا بنتحرك فى الطريق الصحيح.. الكلمة التى كان يستخدمها المعارضون للنظام للتندر «أد الدنيا» أصبحت حقيقة وواقع يراه العالم ويشهد به للدولة المصرية».
قلت له: ولماذا تغير موقفك؟
قال: «قد يكون البعض من أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة لم يبلغ كامل الحلم لديه أو ما زالت نتائج الإصلاح الاقتصادى لم تبلغه كاملة وفق ما يتمناه هو، وفق ما تخطط له الدولة، لكن إدارة الدولة لملفاتها أثبت أن القيادة كانت لديها رؤية مدروسة وواضحة لم تُبن على تكهنات أو معلومات غير مدققة، فقد كانت القيادة ترى المشهد بكل تفاصيله فوضعت له الرؤية الصحيحة وتحركت فى كافة الملفات فى توقيت متزامن ودقيق».
قلت له يا صديقي: إن الدولة المصرية تعمل باحترافية شديدة فى إدارة ملفاتها الداخلية والخارجية وفق منهجية علمية وثوابت لا تتغير، مبنية على إرث حضارى ينظر إليه العالم بكل فخر.
ما يحدث فى غزة الآن من وجود أطقم فنية مصرية ومعدات هندسية وبدء عملية إعمار كان بمثابة قرار لوقف إطلاق النار وتحرك بالقضية الفلسطينية نحو الحل وإسقاط لأكبر خرافة فى العصر الحديث «صفقة القرن».
وقد جاء نجاح مصر فى هذا الملف بعد أن نجحت فى الملف الليبى وما عرف بالخط الأحمر المصرى الذى كان بمثابة قوة ردع يستند إلى قوة الدولة والتعاون مع الأشقاء الليبين لإعادة بناء دولتهم ومؤسساتها.
وكذلك نجاحها فى دعم الأشقاء السودانيين لعبور المرحلة الانتقالية واستعادتهم لدولتهم التى اختُطفت من الإخوان خلال عهد البشير وكان بها أكبر معسكر تدريب للعناصر الإرهابية.
يا صديقى إن الدول تتحرك نحو حلمها الأكبر والذى يعرف بـ «الغاية القومية» وهنا لا بد لها من رؤية واستراتيجية لمواجهة التحديات والتهديدات التى قد تتعرض لها وهى فى طريق تحقيق الحلم.
ويطلق مصطلح «الغاية القومية» على الهدف النهائى والأخير الذى ترى الدولة ضرورة تحقيقه من خلال وجودها وقد تظهر أمام الدولة غاية أو غايات قومية أخرى حسب تطور الأوضاع والظروف الإقليمية والدولية التى تحيط بها، وثمة ترابط وثيق بين ما تريد الدولة تحقيقه وتأمينه من جهة وقدرتها على إنجاز ذلك بمختلف الوسائل.
فالقوة بحد ذاتها لا تشكل قدرة، والجاهزية عندما تلتحق بالقوة الشاملة تحولها إلى قدرة.
وتوجد بين القدرة من جهةٍ والغاية من جهةٍ أخرى فى معادلة الأمن القومى الوسيلة التى من دونها لا يمكن تسخير القدرة ولن يكتب لها النجاح فى التنفيذ، فهى تعدّ بمثابة قلب المعادلة حيث ترتبط بدروس الماضى وتوقعات المستقبل وتعدّ الرد الأمثل على التهديدات والقيود.
لقد حدد الغاية القومية للدولة المصرية التى كانت تعانى من حالة ترهل فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، ثم تحولت إلى شبه دولة بداية العقد الثانى من القرن الحالي، قبل أن تفطن المؤسسة العسكرية سريعًا للأمر وترى أجهزة المعلومات وعلى رأسها المخابرات العامة والحربية والأمن الوطنى حجم ما يلوح فى الأفق من عمليات تجهيز للمنطقة بما فيها مصر.
فيتم التنسيق للحفاظ على الدولة واستعادة قوة وقدرة مؤسساتها، ويتم متابعة ما يحدث على الأرض لحظة بلحظة حتى لا يُقذف بالوطن فى أتون الفوضى.. فوضعت الرؤية وتم التحرك وفق استراتيجية كان الشعب وقواته المسلحة والشرطة وأجهزة المعلومات هم الرقم الصحيح والمهم فيها من أجل استعادة الدولة والحيلولة دون تقسيمها.
يا صديقي: لم يكن المسير باتجاه الحلم الذى تسعد به حاليًا أمرًا هينًا، ولكنه كان يعج بالتحديات والصعاب، ومحاولات إفشال الدولة للحيلولة دون أن تعود مصر لمكانها ومكانتها فى المنطقة.
دعنى أتوقف معك عند بعض النقاط التى تمتلئ بالتفاصيل أحاول أن أوجزها لك خاصة فى الملفات الداخلية ولنتحدث عن الملفات الخارجية فى عدد قادم.
عندما تم انتخاب الرئيس السيسي عام 2014 كان قد سبق ذلك بعام.. وفى بيان للقوات المسلحة جاءت جملة توقف عندها الكثيرون فى الأول من يوليو 2013 - ألا وهى «لقد عانى هذا الشعب الكريم ولم يجد من يرفق به أو يحنو عليه». - واعتقد البعض أن بانتخاب السيسي سيكون التوجه كما العهود السابقة بالاهتمام بما يرضى الشعب ولو على حساب بناء دولة.
لكن الرؤية هنا كانت مختلفة فكان الحنو على الشعب ضمن أهداف الدولة الجديدة من تخفيف العبء عن المواطنين وتحسين جودة الحياة لهم والوصول بهم إلى حياة كريمة، ولكن التحرك كان وفق الأولويات.
وهو ما فسره الرئيس فى يوم الإثنين 29 يونيو من العام الماضى خلال افتتاح عدد من المشروعات قائلًا: «ليه المصريين سكتوا كده.. وليه المسئولين فضلوا لحد الشوارع ما بقت كده؟!».
وأضاف: «قلت من 6 سنين.. نبنى الدولة معا وأيدنا فى أيد بعض، ونتحرك مع بعض لحل المسائل، من أجل تسهيل حركة الناس.. لما قلت لم يجد من يحنو عليه والحنية مش طبطبة.. الحنية الحقيقية توفر للناس كل اللى يحتاجوه.. الحنية شغل وتطوير».
وبدأت عملية بناء الدولة ومؤسساتها وتثبيت أركانها من أول يوم تولى فيه الرئيس السيسي المسئولية.
وكان العمل بخطوط متوازية للوصول إلى الحلم الذى تحقق بعد عمل استمر سبع سنوات، ويتواصل العمل لتصبح مصر منارة الشرق.
كان التحدى القضاء على العشوائيات وتم العمل لمواجهته من خلال أكبر مشروع فى العالم للقضاء عليها، وبنهاية هذا العام ستصبح العشوائيات الخطرة فى مصر جزء من الماضى الذى كان مصدرًا هامًا تعتمد عليه الدول المعادية لتسوق صورة سيئة للدولة المصرية.
فتم رصد 39 مليار جنيه للقضاء على 315 منطقة عشوائية من المناطق الخطرة وتحسين جودة الحياة للمواطنين المقيمين بها، وتقديم كافة أوجه الرعاية لتلك الفئات المنسية على مدى سنوات طويلة سقطوا خلالها من حسابات الدولة، ليجد هؤلاء من يحنو عليهم فى الأسمرات 1، 2، 3 وأهالينا 1و2و3، والمحروسة 1 و2، وروضة السيدة 1 و2، ومشروعات أرض الخيالة، ومؤسسة معاً، والمنيل القديم، وشمال الحرفيين، وأرض المسبك، وأرض العمدة.
ويجرى حاليًا العمل فى منطقتى بطن البقرة وعزبة أبو قرن فى مصر القديمة.
ومن المقرر أن ينتهى مشروع منطقة مثلث ماسبيرو نهاية العام الحالى، وبالعمل فى منطقة تلال الفسطاط التى ستعيد القاهرة القديمة إلى سابق عهدها الحضارى وتصبح «فينسيا الشرق» لتتحول القاهرة التى كانت تذخر بالعشوائيات إلى أكبر عاصمة حضارية مع افتتاح العاصمة الإدارية وإعادة الحياة إلى القاهرة التاريخية.
ولم يكن ذلك فقط يا صديقى هو مسار التحرك خلال تلك السنوات، بل استطاعت الدولة إنشاء أكبر شبكة للطرق نقلت مصر من المرتبة الـ 114 فى جودة الطرق على مستوى العالم إلى المرتبة الـ 28، ومعها ينخفض حجم الوفيات بسبب حوادث الطرق من 7,040 فى عام 2010 إلى 3,747 فى عام 2019 وعدد المصابين من 36,028 مصابًا عام 2010 جراء حوادث الطرق إلى 13,998 مصابًا فى عام 2019.
وتنخفض حوادث الطرق من 24,371 عام 2010 إلى 8,480 حادثًا عام 2019، ويعود هذا إلى جودة الطرق وزيادة حجم الخدمات عليها، ما أسهم فى الحفاظ على حياة المواطنين وجودة الخدمات.
فكانت الشبكة القومية للطرق قبل 2014 قد أصابها الترهل ولم تعد تواكب حجم الزيادة السكانية أو حجم الحركة المرورية عليها، التكدسات المرورية سمة أساسية ولم يكن لدولة تسعى لتحقيق حلم مشروعها القومى الجديد أن يتحقق حلمها إلا بتطوير وتحديث وإنشاء شبكة طرق عملاقة تواكب الحلم وتحقق الهدف ليواكب التنمية.
فتم إنشاء 7000 كيلو متر من الطرق، وأُعيد تخطيط الشبكة القومية ليتناسب مع حلم الدولة الناهضة.
وبالتوازى مع المشروع القومى للطرق، كان المشروع القومى للإسكان الذى استهدف بناء مليون ونصف المليون وحدة سكنية لمحدودى الدخل من الإسكان الاجتماعي، روعى فيها أن تكون مسكنًا صحيًا لتقديم حياة كريمة للمواطنين.
دعنى يا صديقى فى العدد القادم أحدثك كيف كان الطريق صعبًا، وكيف استطاعت الدولة أن تواجه التحديات فى قطاعات الصحة والتعليم والطاقة، وكيف انتقلت مصر من العجز إلى الوفرة.. كل ذلك فى الوقت الذى كانت تواجه خطرًا داهمًا كان يضرب المنطقة بالكامل (الإرهاب).
لم يكن الطريق إلى الجمهورية الثانية وتحقيق الغاية القومية للدولة سهلًا ممهدًا، لكن التحديات دائمًا ما تثبت قوة وصلابة هذا الشعب.