معركة شرسة شهدتها إسرائيل في الآونة الأخيرة لإنهاء 12 عاما من حكم بنيامين نتنياهو، حتى انتقلت دولة الاحتلال الأسبوع الماضى وبشكل رسمى إلى حكومة يسارية من جديد برئاسة نفتالى بينيت، رئيس حزب «يميننا»، بالتناوب مع يائير لابيد، رئيس حزب «يش عتيد»، وذلك بعد أن حصلت على ثقة الكنيست الإسرائيلى بقيادة رئيسه الجديد ميكى ليفى عضو حزب «يش عتيد».
السؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل يمكن أن تستمر حكومة التغيير الجديدة بجميع أطياف أحزابها المختلفة فى أداء مهامها لفترة توازى فترة حكم نتنياهو الذى أصبح الآن رئيساً للمعارضة ومهمته الوحيدة، كما أعلن، إسقاط الحكومة الجديدة خلال أشهر؟
معظم التنبؤات تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة سيكون مصيرها الفشل، بل يتم توصيفها بالحكومة المثيرة للمخاوف والقلق وأنها تمثل تهديدا أمنيا على إسرائيل، ولا تمتلك الخبرة الكافية لانتشال إسرائيل من الأزمة الاقتصادية التى أوقعتها فيها الحكومة السابقة.
وجاء حصول الحكومة الجديدة على ثقة الكنيست بفارق صوت واحد، بأغلبية ضئيلة مثلها 60 نائباً ومعارضة 59 آخرين، فى ظل مناخ الشيطنة - كما جاء بصحيفة «هآرتس» - الذى كان وما زال يثيره نتنياهو، بما فى ذلك اتهامات الخيانة الموجهة لبعض أعضاء الائتلاف الجديد والتهديدات بالعنف.
وتواجه الحكومة الجديدة حاليا عدة عقبات رئيسية، على رأسها المطالب العربية التى يرددها حزب راعم العربى والذى يهاجم وجوده عدد ليس بقليل من المجتمع الإسرائيلى، إضافة إلى أحزاب المعارضة الحالية مثل حزب شاس المتطرف.
ومن المعروف أن رئيس الوزراء الجديد بينيت، صاحب التوجه اليمينى، كان اليد اليمنى لنتنياهو يوماً من الأيام، وما زال مصراً على سياسة التهجير والسيطرة على الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان، وهو ما سيمثل أولى العقبات التى من شأنها أن تنهى حياة حكومة التغيير فى القريب العاجل، فبذلك يمكن أن يفقد بينيت 4 مقاعد يمتكلها حزب راعم العربى التابع للقائمة المشتركة والذى يهدد رئيسه منصور عباس بالانسحاب فى حال عدم تلبية مطالبهم بعيدة المدى، وعلى رأسها مطلب زيادة الأنشطة الحكومية للعرب والاعتراف بثلاث قبائل عربية بالنقب.
وبالتالى، أصبح بينيت أمام خيارين إما الانصياع إلى طلبات الحزب العربى الذى يحدد وجوده استمرار حكومة التغيير الجديدة من عدمه، أو الانصياع إلى طلبات الجمهور اليمينى المعارض لوجود عناصر عربية بالحكومة الجديدة، وهو ما يمثل العقبة الأولى فى سلسلة من الانقسامات المحتملة التى يواجهها الائتلاف الموسع.
أما العقبة الثانية والتى لا تقل خطورة من الأولى، فهى تحديات الوضع الأمنى الداخلى والخارجى لدولة الاحتلال والذى تدهور بغياب حكومة تتولى سير أمور الدولة، لهذا بدأت ولاية بينيت بالتعامل مع القصايا الأمنية الحساسة بطلب من وزير جيش الاحتلال بينى جانيتس السماح باستمرار ولاية السكرتير العسكرى للحكومة السابقة العميد آفى بلوط ورئيس مجلس الأمن القومى مائير بن شبات، الذى يعد أحد الشخصيات المهيمنة فى صياغة السياسة الأمنية الإسرائيلية.
وذكرت صحيفة «ميكور ريشون» الإسرائيلية، أن لدى بينيت تحديا أمنيا آخر وهو تعيين رؤساء لأهم جهازين أمنيين ب إسرائيل وهما، جهاز الأمن العام وجهاز الموساد، فهما مازالا فارغان حتى الآن، إلا أن جهاز الموساد، الذى لم يكن تحت سلطة بينيت عندما كان وزيرًا للحرب، سيخضع الآن لسلطته خلال فترة رئاسته للحكومة، وسيشكل تحديا كبيرا له حيث سيتعين عليه إعادة فهمه للجهاز، وتعميق قدراته السنوات القادمة.
وهناك زاوية أمنية سياسية أخرى سيتعين على بينيت التعامل معها قريبًا وهى علاقة الحكومة مع الحليف البعيد روسيا وزعيمها فلاديمير بوتين. وحسب موقع « إسرائيل اليوم» فإن روسيا تشاركت الحدود مع إسرائيل فى السنوات الأخيرة، من خلال تأثيرها بشكل رئيسى فى المنطقة السورية ودعمها للنظام الإيرانى، الذى لا يزال سائدا فى جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ووفقا للموقع، كان نتنياهو يعرف كيف يحافظ على علاقة دافئة مع بوتين ويغمض عينيه عندما لا تقف روسيا فى صف إسرائيل، وهكذا فإنها علاقة معقدة وتتطلب مناورة سياسية واسعة، فى ظل العلاقات الحميمة مع الأمريكيين.
يضاف إلى ذلك، التحدى الأمنى الأكبر الذى سيواجهه بينيت وحكومته اليسارية الفترة القادمة وهو إيران والحكومة الأمريكية، فإدارة بايدن تسعى إلى إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووى مع إيران، الأمر الذى يثير الرعب فى قلوب الإسرائيليين، وأصبح الكارت الرابح فى يد رئيس المعارضة نتنياهو.
وأشارت صحيفة « إسرائيل اليوم»، إلى أن حكومة اليسار لن تتمكن من خوض صراع ضد السياسة الأمريكية، لأن معظم وزرائها يؤيدونها. وسيؤدى تفكك الموقف العنيد ل إسرائيل ضد السياسة المؤيدة لإيران من جانب الإدارة الأمريكية إلى تفكك اتفاقات التطبيع العربية، فهذه الاتفاقات تقوم على أساس ثقة دول الخليج باستعداد إسرائيل للعمل ضد إيران حتى بخلاف موقف واشنطن.
لكن وسط كل العقبات الأمنية التى يواجهها بينيت هناك عقبة واحدة استطاعت الحكومة الجديدة تخطيها وهى ميزانية الجيش، فهناك شىء واحد تم تسويته بالفعل فى اتفاقيات الائتلاف وهو ميزانية عام 1959 التى قدمها حينها رئيس الأركان كوخافى والتى تم إطلاقها بالفعل، فيما يخدم أولئك الذين كانوا وزراء جيش سابقين والذين رأوا عن كثب أهمية تعزيز ميزانية الجيش الإسرائيلى فى الواقع الأمنى المعقد.
يأتى ذلك فى حين يتجاوز عجز ميزانية دولة الاحتلال 10%، على الرغم من أنه قد تم تعويضه بشكل طفيف بسبب زيادة الإيرادات الضريبية، ويرى المحللون الاقتصاديون ب إسرائيل أنه إذا أرادت الحكومة الجديدة العمل على سياسة نقدية ومالية مسئولة، فسيتعين عليها موازنة الميزانية بين جميع الأطراف، وهذا أمر أصبح صعب الحدوث.
فى حين أنه يجب أن يضاف إلى هذا العجز النفقات المتوقعة بسبب اتفاقيات الائتلاف، مع تلك التى تفرض ضريبة القيمة المضافة فقط، مما يعنى إنفاق حوالى 10 مليار شيكل فى كل سنة موازنة، فى حين أن أكبر ميزانية فى البلاد هى ميزانية الدفاع البالغة حوالى 70 مليار شيكل، ولا يُتوقع أن يحدث بها أى خفض حقيقى، وهذا سيعنى زيادة فى الحفض المتوقع فى الوزارات الأخرى.
يأتى هذا وسط تنبؤات خبراء اقتصاديين بموقع «جلوباس» الإسرائيلى بأنه من المتوقع أن تصل خسارة الدخل العام من الصفقات الحربية لجيش الاحتلال وحدها إلى 5.6 مليار شيكل.