لى عشم من راغبى كتابة مذكراتهم، وخاصة المسئولين السابقين أو الحاليين، وكل من يعمل بالعمل العام – أن يحرصوا على الموضوعية بقدر الإمكان، وألا يبالغوا فى الذم أو يتوسعوا فى الفخر، وأن يركزوا على تفاصيل الأحداث ودقة التواريخ.
وذلك لأن مذكراتهم – بمرور السنوات – سوف تتحول إلى "شاهد على العصر"، وقد يبعث الله إلى هذه الأمة رجل جاد مثل المرحوم عبدالرحمن الرافعى، ليؤرخ لما حدث.
وقد تكون تلك "المذكرات" أحد المصادر التى يعتمد عليها مع ما يتوفر له من تقارير وتسجيلات رسمية.
أقول ذلك بعد أن قرأت "كتيب" من القطع الصغير نسبيا وقليل الصفحات بعنوان "حكاياتى مع الرؤساء" للدكتور حمدى السيد – طبيب القلب الشهير.
ولم أستطع تصنيف هذا الكتيب، هل هو مذكرات، وكيف يكون ذلك وهو يتسم بالعاطفة الشديدة، وعدم ذكر الكثير من الأحداث التى عاصرها صاحبه، خاصة أنه كان نقيبا للأطباء ورئيسا لاتحاد المهن الطبية لأكثر من 27 عاما، عاصر فيهما 18 وزيرًا للصحة، كما أنه كان نائبا عن الشعب لما يزيد على 30 عاما، حيث انتخب نائبا عن دائرة النزهة بمصر الجديدة لسبع دورات متتالية، رأس فيها اللجنة الصحية ولجنة البيئة لأكثر من دورة.
والأخطر مما تقدم أنه كان من الفريق الطبى المرافق للرئيس جمال عبد الناصر، وشارك فى إسعافه بجهاز الصدمات الكهربائية للقلب.. ولكن قضاء الله كان قد نفذ.
والطريف أن السيد النقيب أورد فى نهاية الكتاب سيرة مهنية وسياسية محترمة استغرقت تفاصيلها حوالى 10 صفحات، ذكر فيها أنه مواليد 23 أبريل 1930، ولكنه ما زال "يتمتع بصحة جيدة وذاكرة قوية وحماس للعمل".
وهذا صحيح لأنه ما زال يذهب إلى عيادته الخاصة يوميا للكشف على مرضاه وكتابة روشتات العلاج.
وكل هذا "الكرير" الطبى الطويل، والمسئوليات المتعددة، والمناصب المختلفة.. وتأت المذكرات مبتسرة وكأنها مجرد "حوارات صحفية مجمعة" أو لقاء إذاعى فى برنامج "شاهد على العصر" الذى كان يقدمه المذيع المتميز عمر بطيشة!
وللأسف افتقدت "المذكرات" لشهادات الآخرين أو الوثائق، أو الخطابات المتبادلة أو صور الأحداث التى شارك فيها المؤلف أو كان شاهدا عليها، وأعتقد أن السيد النقيب قد قرأ مذكرات مختلفة لعدد كبير من الشخصيات العامة ولعل آخرها مذكرات عمرو موسى ومصطفى الفقى ومن قبلهما المذكرات شديدة الموضوعية، غزيرة التفاصيل للدبلوماسى المخضرم أحمد أبو الغيط.
على أية حال لم تخل "المذكرات" من بعض الأسرار التى تعلن لأول مرة، مع بعض الوقائع الطريفة والمسلية، منها – مثلا – رفض كمال الدين حسين وزير التعليم – بعد ثورة يوليو – مقابلة عميد كلية الطب بعد انتظار طال لعدة ساعات، فما كان من العميد سوى تقديم استقالته، مع أنه كان من رائدى طب أمراض العيون فى مصر، وتبرع بعزبته الخاصة لإنشاء معهد الرمد بالجيزة.
وكذلك.. كيف كانت تجرى الانتخابات البرلمانية قبل ثورة (1952) حيث يحصل الناخب على نصف الجنيه والنصف الآخر بعد إعطاء صوته للمرشح صاحب الأبعدية، أو يعلم على ظهره – من المندوب – ليأخذ علقة ساخنة ليكون عبرة لغيره من الفلاحين!
وبالطبع أشار إلى علاقته الجيدة بكل من الرئيس عبد الناصر والمشير عامر.. وأنه ما زال متأثرًا بناصريته.
وعن مبارك قال النقيب إنه لم يأخذ بنصائحه وتحذيراته الدائمة عن خطورة الجماعات الإسلامية خاصة بعد السماع لخطبة عمر عبدالرحمن فى محاكمة خالد الإسلامبولى، وقد انقلبت هذه الجماعات على الدولة فى عنف مسلح!
وقد أشاد د. حمدى بالرئيس السيسي الذى أنقذ البلاد من الإخوان، وأنه ما زال ضد التطبيع مع إسرائيل طالما استمرت فى احتلال الأراضى العربية.
ولكن أطرف ما رواه كان عندما رفض كمال الشاذلى ترشيحه للبرلمان وعمل على إسقاطه ونجاح مواطن عربى "مستمصر"، وظل يحاول الحصول على حقه بمساعدة د. يوسف والى حتى صوت مجلس الشعب على إسقاط عضويته "المستمصر" بأغلبية 426 عضوا مقابل صوت واحد امتنع عن التصويت!
أمد الله فى عمر النقيب د. حمدى السيد، مع رجاء أن يستكمل مذكراته لفائدة البلاد والعباد.