الطريق نحو حلم «وهتبقى قد الدنيا» - 3

قديمًا قالوا يا صديقي: «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى» قبل عام 2014 أُصيب القطاع الصحى فى الدولة المصرية بجلطة أثرت عليه سلبًا، خاصة مع تزايد أعداد المصابين بفيروس التهاب الكبد الوبائى "سي"، بل إن القطاع أيضًا قبل 2011 كان يعانى من جلطات متكررة، ما بين أزمات تضرب سوق الدواء وأزمات فى العلاج على نفقة الدولة، ونقص فى عدد المستشفيات ووحدات الإسعاف.

لم يكن ذلك فقط، بل إن ميزانية وزارة الصحة بالنسبة للموازنة العامة للدولة لم تكن تتجاوز 20 مليار و700 مليون جنيه فى عام 2010 / 2011.

لم تنجح الدولة فى توفير موارد لمشروع التأمين الصحى الشامل.

دعنى يا صديقى أتوقف معك هذا الأسبوع حول ما حدث فى قطاعين من القطاعات المهمة (قطاعات بناء الإنسان - الصحة والتعليم).

فما تم خلال الأعوام السبعة الماضية، مثله مثل باقى قطاعات الدولة وما شهدته من إعادة بناء متكامل للقطاع ومحاولات إصلاح وتجديد للمنظومة وتطوير وتحديث وبناء من أجل بناء إنسان قوى صحيًا وعلميًا.

إن ما أتحدث معك بشأنه ليس هو نهاية الحلم الذى بدأ العمل به منذ يوليو 2014 إنما هى خطوات على طريق الحلم تدل على أن الدولة تسير فى الاتجاه الصحيح لبناء الإنسان.

قاطعنى صديقى (المعارض): "ولكن القطاع الصحى وقطاع التعليم ما زالت بهم مشكلات وتستطيع أن ترى ذلك عندما تذهب إلى الطوارئ فى بعض المستشفيات العامة والجامعية، وكذلك أيضًا بالنسبة للتعليم، ما زالت كثافة الفصول كبيرة، وما زالت أزمة الدروس الخصوصية تسيطر على العملية التعليمية فالمراكز لم تغلق حتى رغم قيام الدولة بوضع ضوابط ومنع التجمعات فى ظل جائحة كورونا.

ما زلنا فى ترتيب متأخر فى الخدمة التعليمية.

قلت له: بالتأكيد ما ذكرته صحيح ولكن هو جزء من مشهد ضخم، وليس كل المشهد كما أننا لا ندفن رؤوسنا فى الرمال.

فجمهورية 30 يونيو لا تعرف ذلك، ولكنها يا صديقى تسير وفق خطة واستراتيجية لها عدة مراحل، المرحلة الأولى وضع حلول عاجلة بالتوازى مع السير باتجاه الحلول الجذرية والنهائية للأزمة؛ فهى دولة بحسب رؤية القائد لا تعرف المسكنات؛ المرحلة الثانية منع تكرار الأزمة وبحث أسبابها وإيجاد حلول لها، للوصول بالقطاع إلى مستوى العالمية.

(1)

فى عام 2011 وبالتحديد فى 7 يوليو نشر موقع "Nature Middle East" تقريرًا بعنوان "الالتهاب الكبدى وباء مصرى فريد".

فى ذلك الوقت كانت نسبة الإصابة العالمية بفيروس «سي» هى شخص بين كل 50 شخصًا يحتمل أن يكون مصابًا بالفيروس، أما فى الحالة المصرية فكان شخص من بين 7 أشخاص مصابًا بالفيروس.

ووفقًا لدراسة أُجريت عام 2010، بحسب التقرير السابق فإن ما يُقدّر بأكثر من نصف مليون شخص يصابون بالفيروس للمرة الأولى كل عام.

ومع تزايد نسب الإصابة وارتفاع تكاليف العلاج بعد ظهور «السوفالدي» كعلاج للفيروس حرصت الدولة على علاج أكباد المصريين، ولكن تكلفة العلاج كانت مرتفعة فبحسب الشركة المنتجة التى قسمت العالم إلى ثلاث فئات، كانت تكلفة الجرعة من الدواء فى الدول ذات الدخل المرتفع 88 ألف دولار، وللدول متوسطة الدخل بسعر ستة آلاف دولار، وللدول ذات الدخل المنخفض 900 دولار أمريكي؛ تم تصنيف مصر كدولة متوسطة الدخل، مما يعنى أنها ستقدم جرعة علاجية بستة آلاف دولار.

كان هذا السعر يفوق قدرة المصريين على الدفع، وبدأت الدولة رحلة من التفاوض مع الشركة المنتجة التى عرضت فى وقت لاحق على مصر سعر الدول ذات الدخل المنخفض، أى 900 دولار أمريكي.

ولكن حتى مع هذا السعر المخفض، لم يكن من الممكن أن تتحمل الحكومة المصرية تكلفة علاج ملايين المصابين بالفيروس، فتفاوضت آنذاك مع منظمة التجارة العالمية للحصول على استثنائها من حقوق الملكية الفكرية من أجل إنتاج مجموعة الأدوية المضادة للفيروسات فى مصر؛ إذ بدأت 20 شركة مصرية تصنيع سبعة أنواع من مضادات الفيروسات بتكلفة أقل بكثير من سعر السوق.

وبالفعل حصلت مصر على ذلك وتم علاج المصابين على نفقة الدولة بعد حملة ضخمة اعتبرتها منظمة الصحة العالمية أكبر حملة على مستوى العالم لمواجهة فيروس «سي».

وفى 19 مارس الماضى نشرة دورية "نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن"New England Journal of Medicine، نتائج البرنامج القومى المصرى للكشف عن الفيروس، الذى نجح فى مسح قرابة 50 مليون مواطن، وتم علاج المصابين.

كانت المبادرة تهدف إلى أن تكون مصر خالية من فيروس سى بحلول عام ٢٠٢٠.

لم يكن هذا فقط هو الأزمة، فقد كانت مصر تعانى من عدم وجود خريطة صحية للأمراض تجعل الدولة قادرة على وضع رؤية لها بشأن احتياجاتها من الأدوية والخدمات الصحية.

فتم إطلاق المبادرة الرئاسية 100 مليون صحة للكشف عن الأمراض غير السارية (السكر وارتفاع ضغط الدم والسمنة)، وانخفضت الوفيات الناجمة عن الأمراض غير السارية التى تمثل حوالى ٧٠٪ من الوفيات فى مصر.

لقد شهد القطاع الصحى طفرة حقيقة خلال السنوات القليلة الماضية رغم ما يشهده العالم كله من ظروف صحية استثنائية فرضتها جائحة فيروس كورونا، ما أدى إلى اتجاه الدولة لزيادة مخصصات الصحة فى الموازنة بحوالى 47%، لتصل إلى نحو 258. 5 مليار جنيه خلال العام المالى 2020 /2021، مقارنة بـ 175. 6 مليار جنيه خلال العام المالى 2019 / 2020 أى 10 أضعاف موازنة الصحة عام 2010/2011.

كما تمت زيادة قيمة العلاج على نفقة الدولة بنسبة 6% لتصل إلى نحو 7 مليارات مقارنة بـ 6. 6 مليار جنيه فى 2019 /2020، بالإضافة إلى16. 3 مليار جنيه تكلفة المبادرات الصحية، و4. 2 مليار جنيه التأمين الصحى الشامل.

فى الوقت الذى كانت تكلفة العلاج على نفقة الدولة عام 2013 ثلاث مليارات جنيه فقط.

كما شهد بدل أعضاء المهن الطبية ارتفاعًا بحوالى 4 أضعاف ليصل إلى 2200 جنيه بإجمالى 2. 6 مليار جنيه بعد أن كان 400 جنيه، و81.6 مليون جنيه لتطوير المعامل الطبية، بالإضافة 11 مليون جنيه.

كان مشروع التأمين الصحى الشامل حلمًا للمصريين منذ عشرات السنوات بفضل توجيهات الرئيس السيسي، فتم إطلاق المرحلة الأولى بمحافظة بورسعيد الإسماعيلية السويس وجنوب سيناء والأقصر وأسوان وجار استكمال المشروع فى باقى المحافظات.

وفى يوليو عام ٢٠١٩ تم إطلاق مبادرة رئيس الجمهورية لدعم صحة المرأة المصرية باعتبارها أهم شرائح المجتمع وأكثرها احتياجًا للتوعية والرعاية الصحية.

تستهدف المبادرة الكشف المبكر عن أورام الثدى لنحو ٢٨ مليون سيدة بجميع محافظات الجمهورية بالفحص والكشف الإكلينيكى عن المرض وتوفير العلاج بالمجان، وتشمل المبادرة أيضًا التوعية بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة والحياة الصحية والكشف عن الأمراض غير السارية (السكري، ضغط الدم، قياس الوزن والطول وتحديد مؤشر كتلة الجسم، ومستوى الإصابة بالسمنة أو زيادة الوزن)، بالإضافة إلى عوامل الخطورة المسببة للأمراض غير السارية، والتوعية بطريقة الفحص الذاتى للثدي.

أضف إلى ما سبق المبادرة الرئاسية "نور حياة" فى يناير عام ٢٠١٩، حيث قرر الرئيس تخصيص مبلغ مليار جنيه من صندوق "تحيا مصر" لتنفيذ المبادرة خلال ثلاثة أعوام.

استهدفت المبادرة الوصول بمصر خالية من الإعاقة البصرية التى يمكن تجنبها، وتم ذلك بإجراء الكشف الطبى على ٥ ملايين طالب بالمرحلة الابتدائية، بالإضافة إلى مليونى مواطن من الحالات الأولى بالرعاية، وتوفير مليون نظارة طبية، وإجراء ٢٥٠ ألف عملية جراحية فى كافة محافظات الجمهورية.

وينفذ صندوق "تحيا مصر" المبادرة بالتعاون مع إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة التى سخَّرت كافة تجهيزات المستشفيات التابعة لها لإجراء العمليات الجراحية فضلا عن توفير الكوادر الطبية المتخصصة.

(2)

تم إطلاق مشروع بنك المعرفة أكبر مشروع معرفى مفتوح والذى كان بمثابة البداية نحو مشروع ضخم لتطوير التعليم خاصة أن أوضاع التعليم ما قبل الجامعى كانت قد أصابتها وأثرت عليها مشكلات عدة.

تم أيضًا وضع استراتيجية لمشروع ضخم لتطوير التعليم ما قبل الجامعى استهدفت تطوير المناهج والتدريب المعلمين وتطوير البنية التحتية للمؤسسات التعليمية، ولأن هذا المشروع من المشروعات الضخمة فقد تم العمل على محورين، تمثل الأول فى محاولة تحقيق إصلاح جزئى من خلال تطوير العملية التعليمية فى المرحلة الثانوية بشكل عاجل لتحسين مخرجات التعليم ما قبل الجامعى والتعليم الفني.

أما المحور الثانى وهو على المدى الطويل، فقد تمثل فى العمل وفق الاستراتيجية الجديدة مع الطلاب منذ بداية العملية التعليمية (KG1)، وبدأ المشروع عام 2017، إذ يعتمد على تنمية المهارات الحياتية لدى الطالب وحل المشكلات والإبداع والتفكير النقدي، والعمل الجماعى واحترام التنوع، والتعاطف وإدارة الذات وتقبل الآخر، بمناهج وكتب جديدة أعدها خبراء مصريون، بالتعاون مع مؤسسات دولية كبرى، بإجمالى تكلفة مليار جنيه.

كما أُنشِئت منصة التعلم الإلكتروني، والموجودة على بنك المعرفة المصري، ومحرك الأسئلة الرقمية، وإعداد بنوك الأسئلة لطلاب الثانوي، وتوفير المادة التدريبية للمعلمين، وتدريس رموز الكتابة الهيروغليفية فى الصف الرابع الابتدائي، مع تدريس الإنجليزية فى النظام الجديد، بشكل متوازٍ، مع تدريس الباقة متعددة التخصصات، ليتعلم الطفل المصطلحات نفسها باللغتين العربية والإنجليزية.

فى التعليم قبل الجامعى يا صديقى بعد أن كانت مصر خارج التصنيف العالمي، احتلت المركز 106 عام 2017 فى مؤشر المعرفة العلمي، وفى عام 2020 احتلت المرتبة 83 من بين 138 دولة دخلت التصنيف.

كما تم إنشاء المدارس المصرية اليابانية من أجل الارتفاع بمستوى جودة التعليم والتوسع فى تلك المدارس وكذلك مدارس النيل الدولية ومدارس التكنولوجيا التطبيقية.

كل ما سبق كان الهدف الأساسى منه هو رفع مستوى جودة التعليم والتخفيف عن كاهل الأسرة المصرية وتوفير محتوى علمى متطور وفق أحدث ما وصل إليه العالم من نظم تعليمية.

لكن يا صديقى دائمًا ما يلتهم النمو السكانى المتزايد وغير المنضبط ما يتحقق من زيادة فى إعداد المدارس والفصول المدرسية، وهو ما يجعلك تتحدث عن زيادة الكثافة داخل الفصول.

إن ما تحقق فى قطاعى الصحة والتعليم بمثابة قفزة كبيرة نحو تحقيق الحلم وخطوة مهمة نحو بناء الإنسان.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2