رواية وزير دفاع الكيان موشى دايان عن «يوم كيبور».. القائد المغرور يعترف بالهزيمة
رواية وزير دفاع الكيان موشى دايان عن «يوم كيبور».. القائد المغرور يعترف بالهزيمة
كتب: عاطف عبد الغنى
سجل وزير الدفاع الإسرائيلى موشى دايان روايته عن حرب “أكتوبر” أو كما يطلق عليها الإسرائيليون "حرب يوم الغفران" أو "يوم كيبور" فى كتاب صدر تحت عنوان : "موشى دايان.. قصة حياتى"
وصدر الكتاب بعد مدة وجيزة من حرب أكتوبر، فى محاولة من دايان بالأساس لتبرئة نفسه من تهمة التقصير التى طالته شخصيا كوزير للدفاع، وطالت قادة إسرائيل فى الخدمة أثناء الحرب، وقد خضعوا للتحقيق من قبل لجنة رسمية هى لجنة "أجرانت التى تقصت أسباب ما حدث لإسرائيل"، واشتهرت باسم القاضى الإسرائيلى الذى رأسها.
كتاب السيرة الذاتية "موشى دايان.. قصة حياتى" نشرت ترجمة العربية "دار التعاون" المؤسسة الصحفية القومية، وكتب مقدمة الترجمة رئيس مجلس إداراة المؤسسة، ورئيس تحرير جريدة "السياسى المصرى" ، ممدوح رضا - فى تاريخ نشر الكتاب – بنفسه.
وعلى الرغم من ندرة نسخ الكتاب المترجم إلى العربية إلا أن "دار المعارف" استطاعت أن أن تحصل على نسخة منه، وفى التالى نعرض ما يهمنا من حياة أشهر وزير دفاع إسرائيلى بالنسبة للمصريين، القائد المغرور الذى خطف نصر سريع وسهل فى عام 1967 على ثلاثة جيوش عربية، لكن المصريون أذاقوه هزيمة فى عام 1973، لم تغادر مراراتها فمه حتى موته.. نعرض الفصل الخاص بـ "حرب أكتوبر."
يقول رضا فى تقديمه لما كتبه ديان فى “قصة حياته” عن حرب أكتوبر:
عندما يصل موشى ديان إلى “حرب يوم الغفران” فإنه برغم كل محاولاته لتصوير تحركات إسرائيل. بعد عدة أيام من إندلاعها بأنها نوع من
الانتصار فإنه لم يستطع أن ينكر عدة حقائق:
– أن مصر وسوريا تملكان عنصر المبادأة، ولم نكن معتادين على حرب لا تكون المبادأة فيها لنا.
– أن القوات العربية شنت هجومها “بكفاءة أكبر مما قدرناه لها عند إعداد الخطط”.
– أن “مخابراتنا، (مخابرات إسرائيل) ومخابرات أمريكا، فشلت فى اكتشاف استعداد مصر وسوريا للحرب”.
– أن الحرب وقعت “فى اليوم الوحيد الذى لم نكن نتوقعها فيه”.
– أن العزلة السياسية سيطرت على إسرائيل، ولم يكن هناك أمامنا إلا أمريكا”.
وفى الوقت نفسه فإن ديان يعترف بأن كل ما حققته إسرائيل من تقدم على الجبهة المصرية حتى وصلت إلى مشارف السويس والأدبية وعناقة، أنما تم بعد صدور قرار وقف إطلاق النار فى ٢٣ أكتوبر ١٩٧٣.
أما موجات المصريين التى عبرت القناة.. وهجومهم بالآلاف، وأما الدبابات السورية التى اجتاحت مرتفعات الجولان، فقد فرضت نفسها كحقائق حتى على حياة موشى ديان.
انتهى الاقتباس من مقدمة الكتاب، وفى الآتى نقدم لكم الفصل الفصل رقم 28، و 29 من الكتاب الذى يعرض لحرب “أكتوبر على جزئين
المفاجأة
فى الساعة الرابعة من صباح يوم السبت ٦ أكتوبر “تشرين الأول” ١٩٧٣، أفقت من نومى على رنين التليفون الأحمر بجوار فراشى.
ولم يكن هذا أمرا غير عادى، إذ لا نمر ليلة بدون رنين هذا التليفون مرة أو مرات. ولكن المكالمة فى هذا اليوم كانت غير عادية، فقد وصلت معلومات حالا بأن مصر وسوريا تعدان لهجوم قبل غروب شمس نفس اليوم، وبعد أن تأكدت أن نفس المعلومات قد أبلغت لرئيسة الوزراء جوالدا مائير، اتصلت برئيس الأركان ليقابلنى فى مكتبى الساعة السادسة صباحا.
وكان أمامنا عمل كثير خلال هاتين الساعتين، قبل اللقاء، وطلبت من مساعدى أن يبلغ كل القادة للحضور إلى مكتبى.
ثم ركبت سيارتى إلى مكتبى، وسط جو هادىء للغاية، فالسماء من ناحية الشرق يختلط فيها اللونان الأحمر والذهبى والنسمة الباردة تهب من الغرب والشوارع خالية ليس فيها أحد، كان اليوم هو يوم الغفران ” يوم كيور” وهو أقدس أيام السنة اليهودية.
رسالة من المخابرات
ويستطرد دايان: لم تكن هذه المعلومات نتيجة تقرير عن نشاط القوات العربية فى الميدان، ولكنها كانت رسالة من المخابرات حول قرار العرب بالحرب.
وكنا قد تلقينا مثل هذه التحليلات من قبل، ولكن الهجوم المتوقع لم يكن يقع. وكانت الدلائل تشير حينذاك إلى أن الرئيس أنور السادات قد غير رأيه فى آخر لحظة عندما اكتشف أننا عرفنا بالأمر، وفقد بذلك عنصر المفاجأة فيلغى الهجوم أو يؤجله على الأقل. ومن ناحية أخرى كانت هناك تقارير للمخابرات عن عملية إجلاء الأسر السوفيتية من كل من مصر وسوريا. ومن كل ذلك كان علينا أن نتصرف على أساس افتراض أن مصر وسوريا ستشنان الحرب بالفعل.
وكان واجبا أن يصدر القرار الرئيسى فى اجتماع مع رئيس الوزراء.. وقد تقرر عقد هذا الاجتماع فى الثامنة صباحا. وبحثت مع ضباط الأركان فى الخطوات الواجب اتخاذها. وكان أمامنا أربعة موضوعات رئيسية: تعبئة الاحتياطى وتدعيم الجبهات، وإعداد ضربة جوية رادعة وقائية، وإجلاء الأطفال والنساء من مستعمراتنا فى هضبة الجولان، وإصدار تحذير إلى كل من سوريا ومصر وبحثنا أوجه الإنذار، وأن يكون دعوة للبلدين لصرف النظر عن المعركة، وأن تعرف الولايات المتحدة من البادىء بإشعالها فنضمن مساعدتها لنا.
وخلال المشاورات الأولية أبلغت رئيس الأركان موافقتى على التعبئة الفورية للاحتياطى بأوسع قدر يراه، لكنى كنت مصمما على بحث مضوع الضربة الجوية الرادعة مع رئيسة الوزراء وكان من بين تقاليد الجيش الإسرائيلى أن يطلب رئيس الأركان اتخاذ الإجراءات العسكرية الواسعة، وذلك ما أثبتته لجنة “أجرانات” التى أجرت التحقيق حول الحرب، وكانت الضربة الجوية التى اقترحها رئيس الأركان، عقب مداولاته مع قائد القوات الجوية، موجهة إلى سوريا فقط، وفى القواعد الجوية فى عمق سوريا نفسها. ولم تكن هناك أى إمكانية أن تتم هذه قبل الثانية عشرة ظهرا، ولو أن هذه الضربة تمت لما استطاعت أن تغير مجرى الحرب. وقد عارضت فكرة الضربة الجوية وتعبئة المزيد من قوات الاحتياط. وكنت أخشى أن تفسد هذه الأمور ما كنا نأمل فيه من عون شامل من الولايات المتحدة.
مناقشة مع جولدا
وأضاف دايان قائلا: خلال المناقشة مع رئيسة الوزراء، تحددت كل الأمور، وتفرر – فى ضوء قرارها- تعبئة ما بين مائة ألف ومائة وعشرين ألفا بالإضافة إلى الجيش، وإجلاء الأطفال والنساء من الجولان، وصرف النظر عن الضربة الجوية، وإنذار سوريا ومصر عن طريق الولايات المتحدة. وقد نقلت رغبتنا هذه إلى الولايات المتحدة من خلال سفيرنا فى واشنطن ومن نظرها أنه إذا اشتعلت الحرب واقتنعت الولايات المتحدة بأننا لسنا السبب فيها، فإنها ستمدنا بكل الدعم اللازم.
وتم اتخاذ القرارات، وكنت راضيا عنها، والمهم الآن ألا يضيع الوقت. فإذا كان العرب جادين فعلا، فيجب أن تكون قراراتنا صائبة وملائمة الآن فى الهجوم فقد كان علينا أولا أن نتأكد من أننا وضعنا كل دبابة وكل جندى فى الجبهة فى الوضع المناسب. ولم نكن قد بدأنا من الصفر، فالقوات الجوية بأكملها معبئة، وكان لدينا على الجبهة السورية ١٨٠ دبابة و ١١ بطارية مدفعية و ٥ آلاف جندى، وعلى الجبهة المصرية ٢٧٥ دبابة و١٢ بطارية مدفعية صاروخية و ٨٥٠٠ جندى.
وتم وضع الجيش فى أقصى حالات التأهب، وأعلنت حالة الطوارىء فى الجيش وأعدت خطتان للهجوم والدفاع سبق التدريب عليهما. صحيح أن الإنذار جاء متأخرا، لكن الوقت لم يكن قد فات.
وفى الساعة الحادية عشرة، توجهت إلى حجرة العمليات، وأمام الخرائط كان كل شىء هادئا، لكننى لاحظت أن الضباط يدخنون أكثر من المعتاد، أو هكذا تخيلت. وقبل أن أصل، كان هناك اجتماع قد عقده القادة مع رئيس الأركان بحثت فيه كل التفاصيل التى سنناقش خلال هذا الاجتماع.
الخطة
ومضى ديان يقول : كانت الخطة التى نتوقعها من المصريين هى أن يحاولوا عبور القناة فى مناطق معينة على طول المجرى المائى، فى زوارق مطاطية، وأن يلحقوا بها قوات الصاعقة المحمولة بالهليكوبتر لاقامة رءوس جسور.. وفى نفس الوقت تجرى محاولة احتلال حقول البترول فى أبو رديس والاستيلاء على شرم الشيخ التى تحكم مدخل خليج العقبة.
ولم أكن قلقا على أبو رديس وشرم الشيخ فقد علمت أنه قبل غروب الشمس ستكون فى أبو رديس ١٣ دبابة وفى شرم الشيخ ٤٠ دبابة، وكان فى تصورى أن المصريين يمكن أن يقوموا فى تلك المنطقتين بعمليات تخريب فقط، ولن يقوموا أو يفكروا فى احتلالهما. وكانت عملية عبور القناة تثير العديد من التعقيدات، فلن تستطيع طائراتنا العمل بالقرب من القناة الجانب المصرى.
وهكذا كان يمكن للقوات البرية أن تقوم بعمل حاسم ليلا ضد عملية عبور القناة، فى حين أن قواتنا الجوية لن تستطيع العمل قبل الصباح.
وعلى الجبهة السورية كان الافتراض أن القوات السورية ستحاول دفع قوات من خلال قصف مركز بالمدفعية الثقيلة تقتحم بعده الدبابات العوائق لتمهيد الطرق أمام المشاة وكل ذلك أيضا لن تتم مواجهته قبل الصباح، ولهذا وضعنا خطتنا بالنسبة لسوريا على أساس أن نظام صواريخ الدفاع السورى الكتيف، والظلام، وسوء الأحوال الجوية، تحتم علينا أن نبدأ ضربتنا الجوية فى الصباح بهدف تحطيم القوات السورية وقتل فعاليتها وإخراجها من المعركة.
وكانت عمليات التعبئة تسير بسرعة، وخلال فترة المشاورات كان قد تم استدعاء عشرات الآلاف من الجنود وتمت تعبئتهم ولكن وصولهم إلى الجبهة كان يحتاج إلى ٢٤ ساعة أخرى، فعلى الجبهة الشمالية كان يمكن إرسال بضع مئات من الدبابات مساء اليوم الأحد ٧ أكتوبر “تشرين الأول”، أما بالنسبة للجنوب، فقد كان يمكن إرسال بضع مئات من الدبابات أيضا يوم الأحد وبضع مئات أخرى مساء الاثنين.
ماذا فى الجراب؟
ولم يكن ذلك هو كل ما يحويه الجراب، لكن تلك كانت هى تقديراتنا العامة للموقف.. أما الأمر المؤكد فهو أن هذه الليلة سوف تكون أقسى الليالى.
وكنت آمل أن يتأخر العدو أيضا فى حشد كافة قواته ليعطى قواتنا فرصة الوصول إلى المواقع وتدعيمها. كما كنت آمل أن تسبب نشاطاتنا على الجبهة فى إحداث فوضى وتأخير فى صفوف العدو.
ومضينا فى مناقشة الاستعدادات الخاصة بالدفاع المدنى وإجلاء الأطفال والنساء من الجولان.
ثم ناقشنا خطة هجومنا وكانت الخطة تعتمد على تحطيم قوة الأعداء العسكرية وعدم احتلال أى جزء من الأرض وحتى لو اضطررنا لاحتلال بعض الأجزاء، فإننا لأسباب سياسية لن نبقى طويلا ورغم شعورنا بالثقة، فقد كان القلق يملأ قلوبنا. فنحن غير معتادين على أن نخوض حربا لا تكون المباداة فيها لنا كذلك فإن الوضع بأكمله مناقض لطبيعة الجيش الإسرائيلى الذى يعتمد على تعبئة الاحتياطى وإحضار الجنود من وراء مكاتبهم ومن حقولهم ونقله إلى الميدان.
وتوجهت عقب ذلك الاجتماع لاجتماع مجلس الوزراء فى تل أبيب الذى عقد على عجل، وقد وافقت الحكومة على ما اتخذ من قرارات فى اجتماعى الصباحى مع رئيسة الوزراء وأخطر المجلس أيضا بأن الولايات المتحدة قد اتصلت بكل من مصر مباشرة وسوريا عن طريق الروس وأبلغتها بما نقلته إليها إسرائيل وطلبت منهما توضيحات.
وقد طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل عدم القيام بأى هجوم على مصر وسوريا لأنها علمت أننا سوف نهجم خلال ست ساعات. ولم تلتق أمريكا ردا أما الروس فقد كان لديهم ابلاغ بنوايا مصر وسوريا، ومع ذلك قاموا بدور ملاك السلام دون أن يهتز لهم جفن.
وفى الساعة الثانية وخمس دقائق استدعيت على عجل إلى غرفة العمليات.
لقد بدأت مصر وسوريا التحرك وقد قامت الطائرات السورية بعبور مجالنا الجوى، وقامت القوات المصرية بعبور القناة كما تعرضت بعض قواعدنا العسكرية فى غرب سيناء وشرم الشيخ للقصف.. لقد بدأت الحرب.