الصين لا تغزو العالم بمنتجاتها التقليدية فقط، لكنها تغزو العالم بتطبيقات على الإنترنت تنافس بها الولايات المتحدة، وتولد صراعًا افتراضيًا على التحكم فى عقول المليارات من سكان الكوكب لا يعلم أحد منتهاه.
فى البداية سيطر فيسبوك الذى انطلق 2004 ثم إنستجرام عام 2010 – صناعة أمريكية – حتى دخل تيك توك عام 2016 قادمًا بقوة من الصين ليخطف المستخدمين من فئة المراهقين، وكان هدفه السماح بالترفيه للشباب عن طريق إتاحة تسجيل فيديوهات حتى 60 ثانية تتيح تزامن المحتوى المسموع مع حركة الشفاه والاستعراض الجسدى.. وخلال عام وصل عدد المستخدمين إلى 100 مليون، ووصلت نسب تحميل التطبيق عبر متجر "Google play" إلى 500 مليون عملية، ثم تجاوزت المليار، متقدمًا على فيسبوك وواتس آب، وأصبح متاحًا فى أكثر من 150 دولة.
ومعرفة أن 50% من جمهور تيك توك تحت سن 35 عامًا، و26% منهم بين 18 و24 عامًا له دلالة واضحة أن مستخدمى التطبيق وأكثر المتأثرين به هم الشباب.
تيك توك تعرض للهجوم فى بعض الدول وأولها أمريكا التى سجلت استخدام الشباب ل تيك توك للتأثير فى مسار الانتخابات الرئاسية الماضية. وأنه أصبح أداة للتأثير والنشاط السياسى، ومنع الجيش الأمريكى جنوده من استخدام التطبيق باعتباره تهديدًا أمنيًا، وفى الهند التى تشكل أكثر من 25% من مستخدمى التطبيق حول العالم وتعد أكبر سوق له، حظّرت الحكومة 59 تطبيقًا للموبايل منها تيك توك لأنها شاركت فى أنشطة تهدد سيادة وتكامل الهند، وكان توتر العلاقات الهندية الصينية أحد أسباب الحظر، كما جاء قرار باكستان بحظر تيك توك لفشله فى تصفية المحتوى غير الأخلاقى عن منصته، وكانت باكستان قد طالبت بوضع آلية فعّالة لمنع المحتوى غير الأخلاقى، إلا أن تطبيق تيك توك لم يستجب فاتخذت الحكومة القرار بحظره.
تيك توك اكتسب شعبية هائلة بين الشباب والمراهقين بل الأطفال وأصبح له تأثير كبير على حياتهم، خاصة أنه أصبح وسيلة للشهرة وجنى الأموال دون رقيب، فأصبح أداة سيئة الاستخدام لنشر العرى بل الدعارة، كما أصبح مصدرًا للتحرش والابتزاز وسببًا لكثير من الأمراض النفسية، وأصبح التوسع فى استخدامه يُشكِّل تهديدًا لعقول الأطفال والمراهقين، وهم الفئتان الأكثر استخدامًا للتطبيق، ويمكن لأى مستخدم مشاهدة كل مقاطع الفيديو المنشورة بمجرد أن يقوم بتحميل التطبيق دون الحاجة لإنشاء حساب شخصى له، وهذا يعتبر انتهاكًا لخصوصيات بعض الأطفال والشباب الساعين لنشر محتواهم الترفيهى مع أصدقائهم فقط وليس مع كل المستخدمين، فالمشاهدة على تيك توك لا تستلزم حسابًا شخصيًا.
وقد تزايدت حالة الغضب على تطبيق تيك توك مع ارتفاع معدلات تجارة البشر والدعوات للدعارة والفجور عليه، وأصبحت هناك حاجة ملحة للحد من التداعيات السلبية له، ومنذ أسبوعين أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمها على حنين حسام ومودة الأدهم وآخرين فى قضية الاتجار بالبشر، وعوقبت حنين بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات وغرامة 200 ألف جنيه.
وجاء فى الحكم: أنه استقر فى يقين المحكمة وارتاح له ضميرها واطمأن له وجدانها أن الوقائع تتحصل فيما جاء بتحقيقات النيابة العامة من قيام المتهمين بالاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية فى المجتمع المصرى، بأن قامت بنشر صور ومقاطع مرئية مخلة وخادشة للحياء العام على حساباتها الشخصية، وأشارت حيثيات الحكم على المتهمة الثانية مودة الأدهم إلى أنها أعلنت عن طريق حساباتها لعقد لقاءات مخلة بالآداب عن طريق دعوة الفتيات البالغات والقصر إلى وكالة أسستها عبر التطبيق ليلتقوا فيها الشباب عبر محادثات مرئية مباشرة وإنشاء علاقات صداقة مقابل حصولهن على أجر يتحدد بمدى اتساع المتابعين لتلك المحادثات التى تذاع للجميع دون تمييز.
وجاء فى الحكم: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، أخلاقنا جزء من قيمنا وهى مستهدفة من أعدائنا حتى لا تنهض هذه الأمة، ووسائل التواصل الاجتماعى سلاح ذو حدين، أغلبنا يتعامل معها فى جانبها السلبى الهادم للقيم والأخلاق".
فإذا كانت الرقابة الأسرية غائبة وبعض الأسر غافلة، وإذا كانت التوعية صعبة ومراقبة هواتف الأبناء والبنات أكثر صعوبة، فإن الأيسر أن تحظر الحكومة هذا التطبيق المدمر والمفسد لأخلاق المراهقين بل الأطفال.