أثارت القرارات الداخلية، التي اتخذها القائم بأعمال مرشد الإخوان، إبراهيم منير، الكثير من علامات الاستفهام حول ما يحدث داخل المكون التنظيمي، لاسيما فيما يخص حل مكتب الإخوان في تركيا، وحل مجلس الشورى العام، وتأجيل الانتخابات الداخلية 6 أشهر كاملة، ومن قبل حل مكتب الإرشاد ب القاهرة واستبداله بتشكيل الهيئة العليا للجماعة.
يتحرك إبراهيم منير ببراجماتية شديدة فى ظل تيقنه التام أنه أصبح المهيمن الوحيد على السلطة التنظيمية، وأن مختلف القيادات الفاعلة والمؤثرة باتت حبيسة جدران السجون، وصدر ضد الكثير منهم أحكاما نهائية بالإعدام والمؤبد، ومن ثم الجماعة تشهد حالة من الغليان الداخلى فى إطار الإطاحة بالكثير من القيادات الفاعلة داخل مكتب تركيا، والتى كانت تمثل مصدر إعاقة لإبراهيم منير، فى تمرير صلاحياته وتنفيذ سياساته التى مازالت مصدر رفض من قبل القواعد التنظيمية.
القرارات الأخيرة تأتى كامتداد للصراعات التنظيمية الداخلية بين الأطراف المتنازعة على السلطة داخل جماعة الإخوان، لاسيما منذ القبض على محمود عزت، ومحاولة بسط كل فصيل نفوذه ضد أكبر مساحة تنظيمية، خاصة المجموعة المعروفة بـ «مكتب تركيا»، المحسوبة على النظام التركي.
منذ وصول إبراهيم منير لسلطة التنظيم، اتخذ عدة قرارات من شأنها الهيمنة المطلقة على التنظيم الدولى والمحلي، وتهميش كل المعارضين والمنافسين له، مع الاستقرار على تحويل «مكتب لندن» لمقر سلطة التنظيم بشكل نهائى وجعلها العاصمة الأولى، فى ظل سقوط الجماعة فى القاهرة والمنطقة العربية وتفكيك بنيتها التنظيمية بشكل كامل، ما يمنحه الانفراد تدريجيا بصناعة القرار الداخلي، والتحكم فى مختلف الملفات المالية والسياسية والفكرية والتنظيمية داخل الجماعة.
يسعى إبراهيم منير إلى كتم أنفاس الأصوات، التى تنادى بتدويل منصب المرشد، وأنه لا يمكن بحال استمرار قصر المنصب على الإخوان فى مصر، بعد انهيار المكون التنظيمى داخل القاهرة، وفى ظل وجود شخصيات عربية تتمتع بثقل تاريخى وتنظيمى يمكنها أن تكون فى واجهة الجماعة.
قرارات إبراهيم منير فى مجملها تعنى حسم الخلافات الداخلية لصالح جبهته، وإحكام سيطرته الكاملة، وتصفية للمراكز القيادية فى الجماعة من العناصر المعوقة لسياسته وتوجهاته واستبدالها بعناصر شبابية تدين له بالولاء الفكرى والتنظيم.
يحاول إبراهيم منير فى تلك المرحلة الحرجة من سقوط الجماعة الفعلي، إلى إنتاج نسخة جديدة من الإخوان، وصياغة خطاب إعلامى وتنظيمى دولى وليس محليا، يهدف إلى مخاطبة الرأى العام العربي، عبر مؤسسات يتم تأسيسها تحت مظلات تتماهى مع الأفكار الليبرالية دون الانخراط فى شعارات تنظيمية، مع الاحتفاظ بإدارتها فى يد عناصر قريبة الصلة بالتنظيم لضمان ولاء تلك المؤسسات لمشروع الجماعة وأهدافها.
يعتبر إبراهيم منير رجل المخابرات البريطانية داخل التنظيم الدولي، وعلاقته بهم متشعبة وقوية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومن ثم ينفذ بدقة سيناريوهاتها فى الهيمنة المطلقة والسيطرة على مفاصل الجماعة، فضلا عن علاقته الوثيقة بمخابرات بعض الدول الراعية للإرهاب، المعنية بتمويل مختلف المؤسسات والمراكز والمؤسسات الإخوانية فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
الكثير من المؤشرات تؤكد أن جماعة الإخوان حاليا تضع سيناريوهات جديدة فى إطار «أسلمة المجتمعات»، إذ أنها فعليا تخلت عن أدواتها التقليدية، و اضطرت لتغيير استراتيجياتها فى التأثير داخل الدوائر المجتمعية المصرية والعربية، عقب سقوطها سياسيا ورفضها شعبيا، وتفككها تنظيميا وارتباكها فكريا، فلم تعد فى حاجة للسيطرة على المساجد والمدارس والجامعات والأندية الشبابية والرياضية، خاصة فى ظل الوعى الأمنى والشعبى الحالى تجاه مخاطر جماعات وتيارات الإسلام السياسي.
من الأدوات الجديدة التى تعتمدها جماعة الإخوان لمحاولة إعادة ترتيب أوراقها وتشكيل هيكلها التنظيمي، أهمها وسائل «التواصل الاجتماعي»، والتى أصبحت أهم مسارات الاستقطاب والتجنيد الفكرى والتنظيمي، فضلًا عن استكمال مراحل التربية الفكرية والثقافية لقواعدها، من خلال التطبيقات التكنولوجية الحديثة، للهروب من أزمة الملاحقات الأمنية، مثل تطبيق ClickMeeting Webinars ، وتطبيق ZOOM Cloud Meetings، وتطبيق GoToWebinar، وتطبيق EasyWebinar.
عبر هذه التطبيقات اتجهت الجماعة لإجراء مجموعة من المحاضرات المعنية بتصحيح الرؤية، والإشكاليات الفكرية والسياسية التى وقعت فيها خلال تصدرها للمشهد السياسى فى مصر، فضلا عّن المحاضرات تناولت الحديث حول مفاهيم واحدة ولم الصف الإخواني، وكيفية خروج الجماعة من كبوتها، وإعادة تقديم نفسها مرة أخرى للرأى العام على أنها كيان سياسي، ودراسة قدرتها على البقاء والانتشار وانسجامها مع الشارع المصري.
من جانب آخر، لجأت الجماعة مؤخرًا لتدارك حالة الانهيار الفكرى والتنظيمى التى تمر بها داخل القاهرة، إلى إخوان الأردن باعتبارها الفرع الأكثر حيوية فى التحرك داخل العمق العربي، وذلك من خلال تأسيس مراكز وأكاديميات متخصصة معنية بالعملية التأهيلية الفكرية للقواعد التنظيمية، منها «معهد منهاج للفكر والثقافة»، الذى تم تأسيسه كمبادرة شبابية معنية بنشر التوجهات الفكرية الإخوانية بين الشباب، ويعتبر بشكل غير مباشر مشرفًا ومسئولًا عن الدورات الثقافية والفكرية للمكون الإخواني، من خلال إعداد دورات فكرية تربوية، كبديل عن الجلسات واللقاءات التنظيمية المعروفة تحت مسمى «لقاءات الأسر والكتائب»، داخل التنظيم، يتم من خلالها تدريس عدد من المناهج الفكرية التى استقرت عليها قيادات الجماعة من قبل
وكذلك مشروع «شيخ العمود»، الذى يديره أنس السلطان، أحد العناصر الإخوانية، التى عملت على اختراق المؤسسة الأزهرية، واستقطاب القطاعات الشبابية بشكل عام، متبنيا المنهجية الفكرية والسياسية لجماعة الإخوان، إذ تم القبض عليه عام 2015، بتهمة الانتماء لجماعة إرهابية، والتحريض على مؤسّسات الدولة وقوات الجيش والشرطة، والسعى والإضرار بالوحدة الوطنية، والدعوة لقَطْعِ الطُرُق والاعتداء على الأملاك العامة، فضلا عن «رابطة محررى الشرق الأوسط»، التى تحاول اختراق المجتمعات العربية باستغلال بعض الكتاب والمفكرين لخدمة أهداف التنظيم.
منصات الإخوان عبر تطبيق التيليجرام تحديدًا، روجت لدور هذه المؤسسات والأكاديميات، ودورها فى وحدة الصف الإخواني، وكيفية خروج الجماعة من كبوتها، وإعادة تقديم نفسها مرة أخرى للرأى العام على أنها كيان سياسى، ودراسة قدرتها على البقاء والانتشار وانسجامها مع الشارع المصرى والعربي، ومسارات توظيف الإمكانات والظروف المتاحة فى ظل النظام السياسى الحالى.
ركزت المناهج والدورات الفكرية الجديدة للإخوان على الجوانب الشرعية والعقائدية، فضلًا عن دراسة أبجديات العمل الإسلامى وتصوراته فى ضوء دراسة السيرة النبوية تحت ما يعرف بالمنهج الحركى للسيرة النبوية، كنوع من تصحيح الرؤية لقواعدها التنظيمية، ومحاولة غسل سمعة المكون الإخوانى من فكرة السقوط والانهيار، مع التركيز على مفاهيم «الابتلاءات والمحن»، من خلال دراسة سيرة السابقين، لاسيما ما يطلق عليهم رموز العمل الإسلامى أو «الصحوة الإسلامية».
تسعى جماعة الإخوان من خلال المناهج الفكرية التى تضعها لقواعدها التنظيمية فى مختلف الأقطار العربية والغربية، على تنفيذ سياسة التطابق الفكرى والأيديولوجى بما يضمن توحيد المنهج والرؤية تجاه الحالة الإسلامية بشكل عام، وذلك من خلال الاعتماد على نصوص فكرية وثقافية محددة، لخلق قوالب بشرية متطابقة على المستوى السياسى والتنظيمى.
وفى ظل العقبات التى تواجهها سواء على مستوى الملاحقات الأمنية أو على مستوى الرفض المجتمعى لها، فإنها تتحرك فى إطار مجموعة من التوجهات من أجل هيكلة تنظيمها، وسعيها فى العودة للمشهد مرة أخرى، وفى مقدمة ذلك اعتمادها على استراتيجية «دار الأرقم»، أو ما يطلق عليه «التربية والدعوة السرية» فى محاولة لصناعة تكوينات فكرية لعناصرها، تطرح خلالها العديد من الإشكاليات التى لحقت بها، وتعثرها على المستوى السياسي، والاجتماعي، والتنظيمي، تحت مسمى «المراجعات التنظيمية»، وهى مراجعات تستهدف الإجابة على التساؤلات الخاصة بمشاكل، وأزمات الجماعة منذ سقوط حكم الإخوان فى مصر، لكنها فى النهاية لن تكون مراجعات فكرية تستهدف أدبيات الجماعة أو مشروعها، بقدر ما هى مبررات فى إطار مظلومية الجماعة و اضطهادها من قبل الأنظمة السياسية.
عادة ما تلجأ الجماعة إلى غسل سمعتها، عند وصمها بالتكفير والعنف المسلح، من خلال طرح ينتقد الفكر التكفيرى ونهج العنف المسلح؛ بهدف مواجهة قضية تجفيف منابع «الاستقطاب والتجنيد»، ومحاولة التأكيد أن كل من انحنى إلى ذلك خرج عن الإطار السلمى لمشروع حسن البنا، مثلما فعلت من قبل فى احتواء تيارات التكفير التى انبثقت من رحم التنظيم فى الستينيات من القرن الماضى داخل السجون، على سيد قطب، وشكرى مصطفى، وترجمت ذلك فى كتاب «دعاة لا قضاة» الذى قدمه المرشد الثانى حسن الهضيبي.
من ضمن خطواتها اتجاهها لاعتماد استراتيجية «العقول البيضاء»، فى محاولة لاستقطاب الأجيال الجديدة، التى يسهل التأثير عليها، فضلا عن محاولات «لم الشمل»، أو ما يعرف بـ «الاستقطاب الإخوانى»؛ أى عودة العناصر التى اتخذت الفرار من أجل التخلى عن الجماعة ومشروعها؛ خشية الملاحقات الأمنية أو نتيجة حالة التخبط والفشل الذريع من قبل القيادات فى إدارة التنظيم سياسيًا واجتماعيًا.