أسرة تقرأ.. أمة تنهض

أسرة تقرأ.. أمة تنهضرجب البنا

الرأى13-7-2021 | 23:12

اختارت دار المعارف شعارها فى معرض الكتاب هذا العام ( أسرة تقرأ.. أمة تنهض) وهو شعار بالغ الدقة فى التعبير عن أهمية القراءة وأهمية الكتاب لكل الأعمار، الأطفال، والشباب، والشيوخ، الرجال، والنساء.. وكل من يسافر إلى دولة من الدول المتحضرة يلفت نظره كثرة المكتبات وضخامتها وقد زرت فى لندن مكتبة «ووترستون» فى ريجنت ستريت فى وسط المدينة وقضيت فيها يوما كاملا فهى مكونة من 6 أدوار وكل دور مخصص لنوعية كتب معينة.. وفى الدور الأخير كافيتريا راقية جدًا تجد فيها كل ما تطلبه من الطعام والمشروبات، وفى كل دور مقاعد مريحة جدا، ومسموح بقراءة الكتب.. وفى لندن عشرات المكتبات الكبرى وعشرات المكتبات العامة المخصصة لسكان كل حى.

ليست لندن وحدها التى تجد فيها كل هذه المكتبات لكن كل العواصم الكبرى تجد فيها مثلها وأكبر منها فى نيويورك أو روما أو باريس.. وتجد حركة الإقبال على الكتب من مختلف الأعمار لا تقل عن الحركة فى السوبر ماركت، وحتى فى السوبر ماركت تجد ركنا لبيع الكتب والمجلات.. ويلفت نظرك سائق تاكسى واقف بسيارته فى مكان الانتظار وهو يقرأ فى كتاب.. وتجد فى الحدائق الكثيرة كثيرين يجلسون على المقاعد أو على الأرض وفى يد كل منهم كتاب.. أهم من ذلك أن المدارس تعطى للتلاميذ قائمة بأسماء الكتب التى يقرأونها فى الإجازات ويقدمون تلخيصا لكل كتاب ورأى التلميذ فى موضوعه، ولذلك لا تجد تلميذا لا يعرف الكتاب الكبار فى بلده ولم يقرأ لهم أهم أعمالهم.

الدول تقدمت بتقدم عقول أبنائها، وبناء العقول يبدأ بالكتاب، والكتاب هو المصدر الأول للفكر وللثقافة الجادة، وبالطبع هناك ثقافة جادة وثقافة سطحية لا تبنى العقول، والمدرسة هى المكان الذى يبدأ بغرس قيمة المعرفة فى الأطفال وفى كل مراحل التعليم، ومدارسنا كانت تقوم بهذا حين كانت التربية مسئوليتها، وبالطبع ال أسرة لها دور معروف لا يحتاج إلى تأكيد.

هذه الدول أدركت مبكرا أن التقدم ليس فى المبانى الحديثة وحدها أو توفير أحدث ما فى العصر من أدوات ولكن يتحقق التقدم ببناء الإنسان، وبناء الإنسان يحتاج إلى توفير احتياجاته المادية وبتوفير احتياجات عقله وروحه وما يساعده على تنمية الذوق والإحساس بالجمال.. والمسألة لها جانب آخر بالغ الأهمية، نحن فى عصر أصبحت المعرفة فيه هى أهم مصادر القوة والتفوق للدول وللأفراد، وأذكر أن الأديب الكبير الراحل أحمد حسن الزيات كتب منذ أكثر من نصف قرن: «مادمنا لا نرى الكتاب ضرورة للروح كما نرى الرغيف ضرورة للبدن فنحن على هامش الحياة، وإننى أشعر بالألم عندما أرى فى الغرب فى كل بيت مكتبة، وأرى الشباب والشيوخ وكل منهم يحمل كتابا يقرؤه فى لحظات الانتظار فى المستشفى أو فى محطة القطار أو فى المطار.

القراءة فى هذه البلاد أسلوب حياة وشعور بالحاجة إلى مزيد من المعرفة والمتعة العقلية، إنهم يقرأون وبالقراءة وصلوا إلى الرقى العقلى والوجدانى والإنسانى، القراءة اليوم مظهر للحضارة وللتقدم.. القراءة حياة.

ومعرض الكتاب فى مصر لم يعد مجرد معرض لكتب تعرض فيه دور النشر المصرية والعربية والعالمية أحدث إصداراتها، لكنه أصبح مناسبة قومية يتجمع فيها أصحاب العقول من أنحاء العالم، ويجد فيه الشباب والشيوخ فرصة نادرة لقضاء أوقاتهم فى أجواء الفكر والأدب والفنون، ويتفاعلون مع الأفكار المتجددة عاما بعد عام.. المعرض سوق للكتب وأيضا سوق للأفكار وملتقى للمفكرين، وفرصة لكل المصريين ليقضوا وقتا مع أصحاب العقول ومؤلفاتهم.. المعرض فرصة ليتعلم الناس أن يعلموا أنفسهم، ويأخذوا المعرفة من مصادرها الحقيقية، لأننا مع انتشار المعلومات السطحية التى تقدمها مواقع التواصل الاجتماعى، ومع انتشار الوهم لدى الشباب بأنهم يحصلون على المعرفة من هذه المواقع، نحتاج إلى أن يدرك الجميع أن ما تقدمه مواقع التواصل الاجتماعى ليس الثقافة التى نعنيها ولا المعرفة التى يحتاج إليها الشعب لكى يتقدم، الكتاب هو المصدر الوحيد للمعرفة والمتعة العقلية وترقية الوجدان والسلوك والارتفاع بالمواطن إلى الدرجة الحضارية التى تجعله يعيش فى العصر.

وكنا نشكو من ارتفاع أسعار الكتب، واليوم هناك كتب تباع بسعر التكلفة تصدرها هيئات وزارة الثقافة (قصور الثقافة – والمجلس الأعلى للثقافة – والمركز المصرى للترجمة، والقوات المسلحة ووزارة الداخلية والأزهر ووزارة الأوقاف.. كتب قيّمة وبأسعار مدعومة.

وأنا أعلم أن هناك دور نشر هدفها نشر الثقافة وليس تحقيق الربح، لكن مازلنا نحتاج إلى برامج فى الإذاعة والتليفزيون تقدم الكتب والمؤلفين وتشجع على القراءة والتفكير والمناقشة، وتثير فى الشباب الرغبة فى الارتقاء بالمعرفة.. نحتاج إلى اهتمام أكبر بمكتبات المدارس والمهم أن تكن مصدرًا للمعرفة وليست مخازن للكتب.

النهضة الحقيقية بالثقافة والمعرفة والعلوم والفنون الراقية تتكامل مع ما يجرى فى البلاد من تقدم فى البناء الاقتصادى والدور السياسى إقليميًا وعربيًا ودوليًا، ومشروعات البناء التى ستكون فخر الأجيال.. هذا التكامل هو الذى يحقق التقدم المنشود، وبالإضافة إلى كل ذلك فإن القراءة أصبحت الآن فى الدول الكبرى وسيلة من وسائل العلاج لكثير من الأمراض، ولصديقى العالم الراحل الدكتور شعبان خليفة كتاب ممتع بعنوان «العلاج بالقراءة» يشرح فيه تجارب استخدام القراءة كعلاج مساند للعقاقير أو الجراحة، وكيف أن التفاعل بين شخصية القارئ والإنتاج الفكرى يساعد على ترسيخ الشخصية وتعديلها وتنميتها.

أتمنى أن يأتى اليوم الذى يكون فيه فى كل بيت مكتبة، ولدى كل واحد من أفراد ال أسرة وقت يخصصه للقراءة وللحوار حول الأفكار التى يقدمها الكتاب، فهذا هو البيت الذى يمثل الخلية الأولى لمجتمع متحضر.

أضف تعليق