لمى المفتى السورية تكتب: دمشق.. دم شق .. الجبل
لمى المفتى السورية تكتب: دمشق.. دم شق .. الجبل
قاسيون هو ذاك الجبل الذي يتربع في الشمال الغربي من مدينتي دمشق.. هو ذاك الجبل الأشم الذي يشرف على معظمها بل ويحتضنها بكل عزة وإباء، شاهداً اليوم وكل يوم على حضارتها مهما قسى عليها الزمان.
فإن زرتها يوماً أو عشت فيها ربما تعرف عنها، وعنه، وعن إرثه التاريخي شىء كثير أو قليل.
عندما تأخذك قدماك وتسير بين أحياء دمشق متجهاً نحو الشمال لن يأسرك فقط ذاك المنظر الخلاب للجبل، ولكن حتما سوف تطوف من حولك نسمات رائعة تبعث السكينة في النفس، ولعلك تسأل نفسك عن السر العجيب فى هذا !
والحقيقه أن وراء ذلك، هذه القدسية التى أحاطها الدمشقيون به، من خلال ما قصوا عنه من أساطير وروايات وأقاصيص ونسبوها إلى الأنبياء.
ففي سفحه سكن ( سيدنا آدم ) أبو البشرية، ولو أحببت الصعود إليه من على درج ٍ بني في عهود سابقة فذلك يستغرق ساعة من الزمن، وتصل بعدها إلى (مغارة الدم ) وهذا مكان جدير بالزيارة حقاً ...وسمي أيضاً بمغارة الأربعين نسبة إلى مسجد الأربعين محرابا الذي يقع أعلاها.
تفاصيل تلك المغارة تروي قصة الأسطورة التى تناقلها الناس فإنها شاهد على أول جريمة حصلت في تاريخ البشرية وهي (قتل قابيل لهابيل) ، فالأسطورة تقول إن الجبل شهق وانشق من هول وفظاعة تلك الجريمة، وبكى ومازالت دموعه حتى الآن ظاهرة على هيئة قطرات تسيل في قلب المغارة.
ومن هنا جاء اسم (دمشق ) فهي مقسمة إلى جزئين "دم" الذي سال و"شق" وهو شق الجبل .
وأما وجود المحاريب الأربعين فقد قيل إن أربعين نبياً لجأوا إليها هرباً من جور أحد الملوك، وخرجو تاركين خلفهم روائح المسك والعنبر وقد رسخ العطر في الصخر إلى يومنا هذا .
وفي شرق قاسيون كان مولد نبينا (إبراهيم) ومعه ولد وانبثق فجر التوحيد .
وهناك أيضاً (كهف جبريل ) يقع بالقرب من مغارة الدم، ويعتقد بأنه الكهف الذي ورد ذكره في ( سورة الكهف) عن قصة أهل الكهف .
ومن يقصد قاسيون لابد أن يعرّج إلى الربوة لما لها من وصف وثناء في قول الشاعر ابن عساكر :
يا صاح كم في قاسيون وسفحه من مشهد تستوجب التعظيما ...
فالربوة العليا يفضلها الذى أضحى بتفسير الكتاب عليما .
وعلى مر التاريخ سمي الجبل بأسماء عديده مثل "جبل الصالحين"، وجبل "دير مران" ولكن اسم قاسيون هو الذي بقي ويقال أنه قسى فلم ينبت في قمته زرع أو شجر فسمي "قاسيون" .
تتعشق بيوت دمشق في سفحه فهناك الكثير من الأحياء كركن الدين، والمهاجرين، وحي أبو رمانة.
وقد اعتاد الدمشقيون سهر الليالي الصيفية في قمته، حيث الكثير من المطاعم والمقاهي، ومن هناك تستنشق عبير الأحياء الدمشقية العتيق منها، والحديث، وتسهر معها كحسناء ارتدت فستان مزين بكل ألوان المصابيح.
ونهاراً.. كما وصفه الشاعر خليل خوري في قوله:
من قاسيون أطل يا وطني فأرى دمشق تعانق السحبا
وانتهى فأقول: قاسيون هو فعلا سر دمشق فمن يذكر دمشق ...يذكره.