الجنازة العسكرية التى أقيمت للسيدة جيهان السادات، ومنحها وسام الكمال وإطلاق اسمها على محور الفردوس، أولا كلها تستوجب الشكر المستحق إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، ثانيا، كل هذا التكريم ما هو إلا رد اعتبار لهذه السيدة العظيمة التى كانت نعم الزوجة لقائد عظيم، أدت خلال فترة حكمه التى امتدت لعشر سنوات دورا رائعا ومشرفا تؤمن بدورها وتدركه جيدا كسيدة مصرية وكزوجة لرئيس الجمهورية، ولم تكن تلك السنوات سهلة بل كانت مرحلة شديدة الصعوبة وفارقة وخطيرة فى تاريخ مصر.
بعد اغتيال الرئيس السادات الدامى كان من المفترض أن تحظى بتقدير وتبجيل تستحقه ويستحقه بطل الحرب والسلام، لكن مسلسل الظلم والتجريح الذى تعرضت له السيدة جيهان على يد مراكز القوى مع بداية حكم الرئيس السادات والذى استمر بعد اغتياله على مدى ثلاثة عقود من ناحية، وجبهة الرفض العربية التى أطلقت أتباعها كلاهما لم يتوقف بل وصل إلى درجة الحصار!
حقيقة، لا أعلم إن كان هذا الحصار متعمدا وشارك فيه رأس السلطة فى ذلك الوقت أو غير متعمد، لكن الذى أعلمه أن محاذير كثيرة كانت تحيط بظهور هذه السيدة، كما لم تسلم من الشائعات والنكات والمؤامرات التى كادت تصل لإخراجها من بيتها فى الجيزة، والحقيقة أن الرئيس الراحل حسنى مبارك هو من أوقف هذه المهزلة، بعد تدخل من الدكتور مصطفى خليل، رئيس وزراء مصر الأسبق، لكنه فى ذات الوقت لم يمنحها المعاش اللائق بحرم رئيس جمهورية، وهو ما فعله الرئيس السيسي لكل أسر الرؤساء.
كل من أراد الانتقام من الرئيس السادات أطلق سهامه على السيدة جيهان، حتى أن الحقد وصل بإحداهن ممن لمعن فى زمانها أن تؤلف كتابا جمعت فيه كل الشائعات والأحقاد لتبث فيه سمومها تجاه السيدة جيهان، وتبخرت هذه السيدة هى وكتابها لتبقى جيهان السادات شامخة.
أذكر أنها فى بعض المناسبات العائلية والخاصة كانت تصطحب معها صديقاتها القدامى، حتى أنها يوم افتتاح متحف ميت أبو الكوم الذى أنشأه السيد أنور عصمت السادات وحرمه، قد اصطحبت صديقاتها فى أتوبيس صغير وجاءت بصحبتهم، وكانت تتبادل معهن الذكريات والضحكات كأنهن مازلن فتيات صغيرات.
كانت السيدة جيهان السادات تتمتع بذكاء حاد يجعلها لا تضع نفسها فى موقف يؤول أو يفسر على هوى أولاد الحلال، وبين السفر إلى الولايات المتحدة والإقامة فى مصر اتخذت جانبا هى وأبناءها. وكانت تترفع عن أى هجوم أو شائعات، لكن أذكر أنها ربما من المرات القليلة التى انفعلت فيها، هى ما ذكره السيد حسنين هيكل فى روايته الشهيرة عن إهانتها للسيدة أم كلثوم، وحين سألتها فى هذا الأمر فى حديث نشر بمجلة أكتوبر، انفعلت غاضبة وقالت: أنا لم أقاض أحدا فى حياتى لكن لو ردد هيكل هذا الكلام فسأقاضيه، لأن هذا لم يحدث، وهذه مؤامرة من مراكز القوى لأنهم يعلمون محبة الشعب لأم كلثوم ويريدون تشويه صورتي، كما أن أم كلثوم كانت من الذكاء الذى يجعلها تعرف ماذا تقول وفى أى وقت تقول، والأهم من كل هذا أننى وزوجى نعشق أم كلثوم عشقا كبيرا ولها فى قلبينا مكانة خاصة!
رحم الله هذه السيدة الجميلة خلقة وخلقا، التى أحبت مصر وأعطتها أغلى ما تملكه أى سيدة وهو رفيق حياتها.