أخلاق الإسلام «1 -2»

أخلاق الإسلام «1 -2»رجب البنا

الرأى25-7-2021 | 14:15

كانت دعوة نبى الله سليمان: «رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ» (النمل – 19)، وكلمة «أوزعنى» معناها (ألهمنى) والقرآن يشير إلى «الوازع» على أنه «الضمير»، وينبهنا إلى أن الله على كل شىء رقيب، وحسيب، وشهيد، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وهذه الرقابة هى التى تكون «الضمير» وتوقظه، وفى الحديث «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم»، الضمير هو الذى يفرق بين الخطأ والصواب، وبين الخير والشر، والإنسان يفعل الخير بوازع من ضميره، وبشعوره بأن الله يراقبه وأن أعماله خير أو شر تسجل ويحاسب عليها يوم القيامة.

وفى تفسير أستاذنا الراحل الدكتور محمد عبد الهادى أبو ريدة لوظيفة «الضمير» يقول إن الإنسان إذا التزم بأوامر الله يطمئن قلبه وهذه هى «النفس المطمئنة» التى يقول الله إنها تعود إليه راضية مرضية، ولكى يصل الإنسان إلى هذه الدرجة فإنه يعيش فى مجاهدة دائمة مع النفس الأمّارة بالسوء، وعندما يفعل الخير فإنه يشعر براحة نفسية دليلاً على أن الخير هو الفطرة والأصل فى الطبيعة الإنسانية، لذلك يأمر الله بأن يكون العمل خالصًا لله بعيدًا عن الرياء أو المن أو الأذى، أو الغرور.

وضوابط الأخلاق فى القرآن تبدأ بالإيمان بوجود الله، فإذا آمنت بالله فإن الله يفصل للمؤمن الأخلاق التى يجب عليه أن يلتزم بها، والأعمال الذى يجب عليه أن يتجنبها ويبتعد عنها، وفى نفس الوقت فإن الله يفتح الباب للمذنب لكى يقرب ويعود إلى طريق الصواب، والله يحاسبنا على كل أعمالنا وهو «شديد العقاب» وهو فى نفس الوقت «أرحم الراحمين» و«يغفر الذنوب جميعا»، وإذا أدرك الإنسان هاتين الصفتين من صفات الله فإن ذلك يبعث فى نفسه الشعور بالمسئولية بعد أن منحه الله القدرة وحرية الاختيار «إنا هديناه النجدين»، فالإنسان حر وله حق الاختيار وهو مسئول عن أعماله أمام الله.

والإنسان لا يختار الأخلاق لكن هناك ضوابط للسلوك لمن يريد أن يسير فى طريق الهداية، والعبادات ليست مقصورة لذاتها ولكنها وسائل للتربية الأخلاقية «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»، والزكاة والصدقات لتطهير النفس وتنمية الشعور الإنسانى بفقر الفقراء والمسئولية الأخلاقية عن مساعدتهم ومن عاش لنفسه فقط عاش بلا ضمير ولا شعور، والأخلاق الإسلامية تشمل الظاهر والباطن من اليقين بالله وبقدرته، حتى البر بالوالدين، وذوى القربى، ورعاية اليتيم، وتجاهل سفاهة السفهاء وعدم مقابلتها بالمثل، وفى الحديث الشريف الإيمان نصفان: نصفه صبر، ونصفه شكر، وأمام تقلب أحوال الدنيا أراد الله أن يكتسب المؤمن صفة أخلاقية هى عدم الاغترار إذا أعطته الدنيا، والشكر واجب لله على النعمة وللفقراء والمساكين والأقارب نصيب من الخير الذى يعطيه الله للإنسان، وكل خير يأتى للإنسان هو من عند الله، والله هو المرجع فى كل شىء، نطلب منه العلم «رب زدنى علما»، ونطلب منه الرحمة «رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً»، ومن رحمة الله أنه لا يكلف الإنسان بما يفوق طاقته «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا»، والله يأمرنا باتباع الصراط المستقيم، ونحن ندعوه فى كل صلاة «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»، وأعمال الخير لا يقبلها الله إلا إذا كانت على أساس الإيمان به، والكافرون لا يقبل الله أعمالهم، فأعمالهم كما وصفها الله «كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فى يَوْمٍ عَاصِفٍ» (إبراهيم – 18)، وهى «كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ» (النور – 39).

وللدكتور محمد عبد الله دراز كتاب مهم بعنوان «دستور الأخلاق فى القرآن» هو رسالته للدكتوراه من السوربون، نشر باللغة الفرنسية على نفقة الأزهر عام 1950 وقام بترجمته الدكتور عبد الصبور شاهين، والدكتور دراز من أكبر علماء الأزهر، وصاحب المؤلفات الإسلامية المهمة، يقول إن «الحاسة الخلقية» موجودة فينا، والإنسان يدرك الخير والشر بطبيعته «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا» (الشمس – 7و8)، فالإنسان بفطرته يمكنه التمييز بين ما هو جميل وما هو قبيح وما هو خير وما هو شر، لكن هذه الفطرة تفسدها العادات، والبيئة، والمصالح، وتغلب «الغريزة» على «الضمير»، وهذا ما يجعلنا فى حاجة إلى إيقاظ «الضمير» وتنشيط الحاسة الأخلاقية فينا، ولهذا يكرر القرآن النصح والتوجيه، ويبعث الله الأنبياء والرسل ليخاطبوا الضمائر وليكونوا القدوة والمثل العليا، ولهذا يقول الله تعالى: «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (الحشر – 7) ويصف الله رسوله بأنه بعثه «شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً».


(الأحزاب – 46)، ومن رحمة الله أنه لا يحاسب إلا الشخص البالغ، العاقل، الذى بلغته تعاليم الدين والتكاليف التى يفرضها الله عليه «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» (الإسراء – 15)، وكل إنسان مسئول عن أعماله ولا يتحمل وزر انحراف غيره، حتى الآباء والأبناء لا يتحمل أحدهما المسئولية عن انحراف الآخر، مادام الأبناء قد وصلوا إلى سن (التكليف) «أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى» (النجم – 38و41)..

و«النية» عنصر مهم جدا فى الحساب: «لِلَّهِ مَا فى السَّمَوَاتِ وَمَا فى الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَه فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة – 284).

أساس الأخلاق فى الإسلام قائم أولا على الإيمان بالله وقدرته وبلقائه يوم الحساب، كما هو قائم على حرية الإنسان فى اختيار طريق الخير أو طريق الشر، ولذلك يتحدث الصوفية عن «المجاهدة» ويعتبرون محاربة الشر ومعاندة النفس الأمّارة بالسوء من الجهاد الذى يثاب عليه الإنسان، ويتحدثون عن حالة الرضا والسعادة التى يشعر بها الإنسان حين يلتزم بفعل الخير والانتصار على النزوات والشهوات وإغراء الشيطان، وكلما عاش الإنسان حياة الفضيلة، زاد تقديره لنفسه وشعر بقربه من الله، وغمره إحساس بالرضا مادام كل عمل يقصد به الإنسان وجه الله ورضاه.

أضف تعليق