الفنان الراحل عبد السلام النابلسي هو أفضل من أدى شخصية «الفشار»، الذي يحاول الظهور دائمًا بمظهر غير مظهره، ولم ينافسه فى تجسيد هذا الدور ببراعة سوى نجم الكوميديا الكبير محمد صبحي من خلال شخصية «علي بيه مظهر»، والتي كان لها الفضل الكبير فى تحقيق شهرته حينما قدمها فى مسلسل من تأليف الراحل لينين الرملي، ثم حولها بعد سنوات إلى فيلم شاركته بطولته سمية الألفي لم يصادفه نفس النجاح، وقال فى برنامج تليفزيوني إنه استوحى ملامح تلك الشخصية من والده.
والحقيقة أن هذه الشخصية موجودة فى الواقع، ونصادفها كثيرًا فى حياتنا اليومية، ويعاني أصحابها من تلك النزعة المرضية للظهور بمظهر يختلف عن حقيقتهم الفعلية منذ الصغر، وأذكر زميلاً من أيام الجامعة كان يسكن فى حي شعبى قريب من حى آخر راقٍ، وظل يكذب ويدعى أنه يعيش فى حى الأثرياء، حتى انكشف أمره على طريقة فيلم «أنا لا أكذب ولكنى أتجمل» للنجم الأسمر الراحل أحمد زكى، وكان موقفه مخزيًا وتركته الفتاة التى كان يحبها، لا لأنه يسكن فى حى شعبى عشوائى، لكن لأنه كذب عليها وعلى الجميع!
ومع الأسف فإن حب «الفشخرة» وادعاء الانتساب إلى الباشوات القدامى والجدد وعلية القوم وأصحاب النفوذ وعقدة الخواجة والإحساس بالدونية ومركبات النقص، كلها أسباب وراء أكاذيب كثيرة نسمعها ونقرأها كل يوم، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تحولت إلى «فاترينة» كبيرة للتباهي والتظاهر. والحقيقة أن هذه الصفة الذميمة هى السبب فى كثير من المشكلات والمصائب التى تحدث لنا، بل تكاد تكون السبب الحقيقى فى خراب البيوت، وعنوسة البنات وإحجام الشباب عن الزواج، بل السبب فى كثير من جرائم الرشوة والسرقة والاختلاس، لأن محاولات البعض للظهور بمظهر لا يتفق مع دخولهم الحقيقية، وسعى البعض الآخر للتشبه بزملائهم أو جيرانهم أو أقاربهم، حتى لا يبدو أنهم أقل منهم فى الشأن أو المكانة، يدفع البعض إلى الكذب فى بعض الأحيان، لتعويض الفارق المادى والاجتماعى ولو بالكلام، ويدفع آخرين إلى الرشوة أو الحصول على المال بأى طريقة، حتى ولو كانت غير مشروعة، حتى لا يراهم الناس فى وضع أقل من أقرانهم.
وقال لى مصرى مغترب فى إحدى دول الخليج منذ سنوات طويلة، وفتح الله عليه كثيرًا، بعد أن كان فقيرًا، إنه لا يشعر بقيمة «البدلة» الفخمة التى يرتديها، أو السيارة الفارهة التى يقودها، أو أى شىء يملكه أو يشتريه أو يرتديه، إلا وهو فى مصر، حيث يرى انعكاس صورة هذه الأشياء فى عيون من يعرفهم، ويتحقق بنفسه من نظرات الإعجاب أو الحسد.. وبدون ذلك لا يشعر بأنه قد حقق شيئًا.. بالله عليكم.. ألا يحتاج الكثيرون منا إلى الذهاب وفورًا إلى أقرب طبيب نفسى؟!