عاطف عبد الغنى يكتب: التعليم «ع الطبلة والصاجات» !

عاطف عبد الغنى يكتب: التعليم «ع الطبلة والصاجات» !عاطف عبد الغنى يكتب: التعليم «ع الطبلة والصاجات» !

*سلايد رئيسى20-10-2017 | 14:58

فى التاريخ الذى لم يكتبه الغزاة الأوروبيون عن الهنود الحمر الذين أبادوهم، أن تلك الشعوب كانت تهتم بتربية أبنائها حتى الجيل السابع.. تهتم بمن ماتوا والذين لم يولدوا بعد، وتهتم بأن تخلق تُربة ثقافية حضارية تنتج ما تتغذى عليه الأجيال، وكانت الأجيال تتغذى على حكمة الأجداد التى تراكمت عبر العصور، وحكمة الآباء الذين يعلمون أبناءهم ما يدعم الحياة فى المستقبل وحتى الجيل السابع..

فهل ترى ما يحدث الآن فى مجال التعليم، فى بلدنا العزيز، من سلوك لبعض المدرسين تجاوز التهريج، إلى حد السفالة، ما يمكن أن ينتج جيلاً حاليًا فى سنوات الدراسة الأولية، يتحلى بالأخلاق، والقيم الإيجابية، ناهيك أن يسلم منظومة قيمية حضارية لجيل ثان، وليس ثالثا أو رابعا، أو سابعا!

لقد أحزننى كما أحزن غيرى رؤية أحد المدرسين يتخلى عن مسئوليته كمربٍّ، (أحد أهم أهداف العملية التعليمية) حين وقف فى فصل مكتظ بفتيات وفتيان الثانوى العام يُدرِّس لهم منهج الكيمياء بتشبيهات وتلميحات جنسية وقحة بدعوى التبسيط أو التباسط أو تسهيل المنهج أو تحبيب البنات و الولاد فيه؟!

..ما هو الوصف الذى يليق بهذا الشخص والحالة؟!

أترك لكم وصف الشخص، أما الحالة فيمكن مثلا أن نصفها: تعليم بلا تربية.. أو تعليم يسىء للتربية! أو تدمير للتعليم والتربية!

(1)

فيديو مُدرِّس الكيمياء انتشر وشاهده عشرات الآلاف من المشاهدين حسب بيانات موقع «يوتيوب»، وانتشر الفيديو تحت عنوان «لا حياء فى الكيمياء» وشاهده عشرات الآلاف قبل أن يُبلِّغ عنه أحد بأنه فيديو مسىء فيقوم الموقع بحجبه على الفئة العمرية التى لم تتجاوز حد الطفولة ويضع عليه علامة (+ 18).

ولك أن (تضحك فى كمك) ساخرًا من الوسيلة الإلكترونية التى تحجب لكن لا تمنع، فأى طفل يستطيع بإجراءات بسيطة على الموقع أن يقنع الآلة أنه تجاوز الثامنة عشرة من عمره ويحق له مشاهدة الممنوع.

والنسخة غير الممنوعة لمعلم الكيمياء الذى (ذاع صيته واشتهر فى أقل من أسبوع) فحملت عنوان: كارثة ....ووصف باقى العنوان فى ألفاظ مهذبة قلة أدب المدرس.

(2)

مُدرِّس الكيمياء خفيف الظل، والعقل، منزوع الحياء، هو التطور الطبيعى لزملاء وأقران له كثرت أعدادهم حتى صاروا أشبه بالظاهرة خلال السنوات القليلة الماضية، يستخدم بعضهم الكلمات المقفاة المنغمة التى تسهل استدعاء المنهج المقرر على الطالب لذهنه، ومن ثم تثبيت المعلومة.

وهذا الحمق غير مستغرب فى مناهج تعتمد على التلقين أكثر ما تعتمد على الفهم، وعملية تعليمية، تعتمد على توصيل المعلومة رأسيًا، من المُدرِّس إلى الطالب، لا تعتمد على الحوار أو التفاعل أو استخدام الوسائل المختلفة البسيطة ولا أقول التكنولوجية، فى الشرح والتوضيح.

  وعمد بعض المدرسين - من باب الإفراط  فى طريقة التدريس بالكلام المنغم - فقطعوا شوطًا أكبر حين استعانوا بـ «الطبلة» وما يشبه (الصاجات) على خلفية غناء المناهج، حتى أن أحدهم طوّع منهج التاريخ على ألحان وموسيقى المهرجانات ووقف على خشبة الفصل يؤدى حركيًا على صدى الصوت «الأيكو» ويغنى مقلدا مشاهير المهرجانات من مثل «الدخلاوية أو السادات وفيفتى»، وتستطيع أن تشاهده فى فيديو أيضا منتشر يغنى: «توفيق فى راس التين جلى الإنجليز عن الإسكندرية، واستعمل الحرامية، راحوا للدوار هزمهم عرابى، ورفضوا القرار..».

وراح الأخير يؤدى فاصله التدريسى فى حالة من الانسجام والنشوة وهو  - غالبًا - قد تصور أنه اخترع طريقة عبقرية جديدة فى مجاله، وغالبًا أيضًا قد حقق من خلال ذلك بعض النجاح بين الطلبة، وتم ترجمة هذا إلى منفعة مادية عادت عليه وعلى «السنتر» الذى يقدم فيه وصلات دروسه الراقصة، وقد انتقل التعليم إلى هذا المكان بعد أن هجر المدارس التى لم تعد تعلم أو تربى.

(3)

أى قيم يمكن أن ترسخها هذه الطريقة العشوائية فى التدريس – حتى ولو كان هدفها من وجهة نظر البعض نبيلاً؟! – المدرس الذى يمثل معادلات الكيمياء بالعلاقات الجنسية لطالب وطالبة فى سن خطر تفجرت فيهما المشاعر، ولم يكتمل نضوجهما العقلى والعاطفى.

أى نتيجة ينتظرها المجتمع من الفتى والفتاة بعد ذلك وقد انتزعت منهما قيمة الحياء، واحترام المدرس، وانتحرت جودة التعليم على مذبح الثانوية العام؟!

وماذا تقول عن مدرس التاريخ الذى لم يدع الطلبة للبحث فى السير وتدقيق الحوادث وفحص الرواة والشهود وتتبع النتائج لخلق جيل ناقد، ولكن اهتم فقط بتثبيت المعلومة على إيقاع عشوائى، يسمم الوجدان، ويلوث الروح، عوضا عن أن يطهرها، ويصنع حائطًا يفصل بين ثقافة وتراث بناه الأجداد، وإفراز يتقيؤه الآن الأحفاد، وهم يهزون أجسادهم عليه فى نشوة غياب للعقل، ملوحين بأدوات الموت وأسلحته (السنجة والمطواة)، أو صانعين بأيديهم علامات جز الرقاب وغز الأجساد بالنصال.

(4)

وإذا كان العالم كله يتجه الآن لتحويل عملية التعليم إلى شىء ممتع للمتعلم، وخاصة فى مراحل التعليم الأولى، ونحن نفتقر إلى هذا المنهج أو نشوهه بهذا العبث، فأولى بنا أن نطل من خلال نافذة «يوتيوب» على تجارب أخرى فى الغرب والشرق، ونستلهم منها الأساليب والأدوات لبلوغ هذه الغاية.

فى الهند وهو بلد نام ويغلب على أجزاء كبيرة منه الفقر هناك تجربة لشخص يدعى «سوجاتا» يمكنك أن تشاهد هذه التجربة وعنوانها على «يوتيوب» سوجاتا.. الرجل الذى هدم منظومة التعليم فى العالم كله، بتجاربه الفذة.. وإذا أردت أن تبحث عن تجارب الشعوب التى تحافظ على قيمها الإيجابية أدعوك لمشاهدة شريط «التعليم فى اليابان».. فإذا فعلت فسوف تكتشف الهوة السحيقة التى سقطت فيها كلا المنظومتين فى بلادنا: التربية والتعليم .

أضف تعليق