يريد النشطاء تأسيس الجمعيات الأهلية بالإخطار المجرد دون تدخل من وزارة التضامن نهائيا، وذلك تطبيقا لنص المادة 75 من الدستور والتى أعطت المواطنين حق تكوين الجمعيات بالإخطار، وهذا ينطوى على فهم خاطىء لمفهوم الإخطار وأن قانون الجمعيات الأهلية الصادر بالقانون رقم 70 لسنة 2017 يضع الشروط اللإزمة لقيام الإخطار، والقول بغير ذلك يمثل تهديدا للأمن القومى للدولة ، حيث يمكن للجماعات الإرهابية ، والذين ينادون بالمثلية الجنسية والحرية الجنسية والإلحاد تكوين جمعيات أهلية ثم يقومون بإخطار وزارة التضامن بها ، وهذا أمر لا يقبله العقل ولا المنطق ويرفضه الدستور، ويستند من ينادون بذلك على الآتى:
أولاً : الفارق بين فلسفة الإخطار وفلسفة الترخيص.
ثانيا : تعارض نص القانون مع تطبيق الإخطار فى مواده.
وسوف نشرح ما سبق بشىء من التفصيل:
أولاً : الفارق بين فلسفة الإخطار وفلسفة الترخيص
يتعين على المشرع عند تنظيم الحقوق والحريات ألا يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها وأن الحقوق والحريات التى تباشر بالإخطار يجب أن تباشر بمقتضى الإخطار والالتزام بفلسفته دون أن يفرغه من مضمونه حتى ولو استخدم كلمة الإخطار متجها نحو فلسفة الترخيص.
والإخطار هو مجموعة من البيانات التى تقدم للجهة الإدارية المختصة من جانب الأفراد الراغبين فى نشاط معين لإعلام جهة الإدارة بذلك وبهدف تمكينها من مراقبة ذلك النشاط واتخاذ الإجراءات التى تحول دون وقوع ضرر منه.
وتقوم فلسفة الإخطار على أنه أخف وأبسط القيود التى يمكن فرضها على ممارسة النشاط الفردى وهو أقرب إلى النظام الحر أو النظام العقابى.
وعلى المشرع عند تنظيم الإخطار ألا ينال أو يعطل أو ينتقص من مباشرة هذا الحق وهو مبدأ دستورى .
وهذا مردود عليه بأن القانون لم يخالف الفلسفة التى يقوم عليها الإخطار بحيث ينقله بالتنظيم من دائرة الإخطار إلى دائرة الترخيص، فقد جاءت عبارات المادة 2 من قانون تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة فى مجال العمل الأهلي الصادر بالقانون رقم 70 لسنة 2017 ترديدا لعبارات المادة 75 من الدستور سالفة الذكر حيث تنص المادة 2 على أن "يكون تأسيس الجمعية بموجب إخطار يقدم إلى الجهة الإدارية المختصة على النموذج الذي تحدده مستوفيا كافة المستندات المنصوص عليها في المواد التالية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، ويكون لكل شخص طبيعي أو معنوي حق الانضمام إليها أو الانسحاب منها وفقًا لأحكام هذا القانون.
أولا: يعتبر إخطاراً منتجاً لأثاره القانونية كل إخطار لم يستوف كافة البيانات والمستندات المطلوبة وفقا للنموذج المعد لذلك."
وتعد ممارسة الحقوق والحريات بالإخطار أعلى مراتب الإباحة والتمكين لممارسة الحقوق والحريات، لأنها لا تجعل ممارسة هذه الحقوق والحريات بيد المواطن، وليس متوقفا على أو مرهونا بموافقة أو ترخيص جهة الإدارة ، ولا شك أن فى ذلك رد على مروجى أباطيل التضييق على عمل المنظمات الأهلية ، ولكن من الأمور المسلمة : أن الحرية المطلقة مفسدة مطلقة، لذلك يضع المشرع ضوابط لهذا الإخطار لضمان عدم استغلال هذه الحرية الدستورية استغلالا خاطئا فى تكوين تنظيمات سرية تستخدم العمل الأهلى أداة لتحقيق أهدافها غير المشروعة أو الإخلال بالنظام العام ، أو استغلاله من قبل دول أجنبية فى تقويض الأمن القومى المصرى .
مفهوم الإخطار فى قضاء المحكمة الدستورية العليا
بينت المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 160 لسنة 36 قضائية بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة العاشرة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، معنى الإخطار بقولها :
" لما كان الإخطار كوسيلة من وسائل ممارسة الحق، هو إنباء أو إعلام جهة الإدارة بعزم المُخطِر ممارسة الحق المُخطَر به، دون أن يتوقف هذا على موافقة جهة الإدارة أو عدم ممانعتها، وكل ما لها فى تلك الحالة أن تستوثق من توافر البيانات المتطلبة قانونًا فى الإخطار، وأن تقديمه تم فى الموعد وللجهة المحددين فى القانون ، فإذا اكتملت للإخطار متطلباته واستوفى شرائطه قانونًا، نشأ للمُخطِر الحق فى ممارسة حقه على النحو الوارد فى الإخطار، ......." ومن خلال هذا الحكم نستنتج أن الحق لا ينشأ قانونا إلا إذا اكتملت للإخطار متطلباته واستوفى شرائطه قانونًا ، فمن هنا كان لا بد من وضع شروط وبيانات للإخطار والتى يرى المعارضون أنها تشبه الترخيص .
ثانيا: مدى تعارض نص القانون مع تطبيق الإخطار فى مواده .
تنص المادة 2 من قانون تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة فى مجال العمل الأهلي الصادر بالقانون رقم 70 لسنة 2017 على أن " يكون تأسيس الجمعية بموجب إخطار يقدم إلى الجهة الإدارية المختصة على النموذج الذي تحدده مستوفيا كافة المستندات المنصوص عليها في المواد التالية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، ويكون لكل شخص طبيعي أو معنوي حق الانضمام إليها أو الانسحاب منها وفقًا لأحكام هذا القانون.. ولا يعتبر إخطاراً منتجاً لآثاره القانونية كل إخطار لم يستوف كافة البيانات والمستندات المطلوبة وفقا للنموذج المعد لذلك."
ويرى المعارضون أن القانون يقر فى المادة الثانية حق تأسيس الجمعيات بالإخطار غير أنه يعود فى المادة التاسعة ويلغيه بإعطاء الوزارة صلاحية رفض التأسيس دون الاحتكام المسبق إلى الجهات القضائية المختصة (محكمة القضاء الإدارى) .
ومردود علي ما سبق بأن نص الفقرة الثانية من المادة التاسعة يقرر أنه " إذا تبين للجهة الإدارية خلال مدة ستين يوم عمل من تاريخ الإخطار أن من بين أغراض الجمعية نشاطا محظورا أو مؤثما وفق قانون العقوبات أو أي قانون آخر أو أن بيانات وملحقات الإخطار غير مستوفاه أو غير صحيحة، أوقفت القيد بقرار مسبب يخطر به ممثل جماعة المؤسسين بموجب كتاب موصي عليه بعلم الوصول. "
ولا شك أن هذا النص هو تطبيق للفقرة الأخيرة من المادة (75) من الدستور على أن " يحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سرياً أو ذا طابع عسكرى أو شبه عسكرى، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون "
والدستور حظر إنشاء الجمعيات التى يكون نظامها، أو نشاطها سرياً أو ذا طابع عسكرى أو شبه عسكرى ، لما رأى فيها خطورة على الأمن القومى للدولة الذى يلتزم الكافة من أفراد ومؤسسات طبقا للمادة 86 من الدستور بالحفاظ عليه، وقد أحال الدستور إلى القانون فى شأن تنظيم كيفية وضع ضوابط وبيانات وشروط فى الإخطار لحظر إنشاء مثل هذه الجمعيات - التى قد تكون تنظيما إرهابيا فى شكل جمعية أهلية - ، بما يمكن السلطة التنفيذية من التثبت من أن نظامها أو نشاطها غير سرى أو طابعها عسكرى أو شبه عسكرى ، ومن هنا كان مجرد الإخطار دون استيفاء كافة البيانات والمستندات المطلوبة وفقا للنموذج المعد لذلك غير كاف لترتيب أثر إنشاء الجمعية .
وهذا أمر منطقى بحكم اللزوم العقلى فلو أن إنشاء الجمعيات بمجرد الإخطار فقط لأصبح الأمر عبثيا ولقامت جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بالإخطار عن إنشاء جمعية أهلية استنادا إلى مجرد الإخطار طبقا لنص الدستور .
كما أن المادة 237 من الدستور تلزم الدولة بمكافحة الإرهاب وتعقب مصادر تمويله وأن الدستور يشكل وحدة واحدة فالمشرع فى هذا القانون وضع من الضوابط ما يوازن بين حق الأفراد فى إنشاء الجمعيات وإلتزام الدولة بمكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن القومى ومن هنا فرفض الجهة الإدارية التأسيس هو تنفيذ لتوجيه دستورى بحظر التأسيس على المتضرر منه اللجوء إلى القضاء.