(1)
إعادة صياغة حياة المصريين، من خلال ترتيب الأولويات، هذا ما يحاول أن يفعله الرئيس عبد الفتاح السيسي، من خلال دفع المصريين إلى ترتيب أولويات الإنفاق العام، الإنجاب، مجالات العمل والتوظيف، الطعام والشراب وارتباطه بالصحة العامة، وبشكل عام يسعى إلى معالجة التشوهات فى هذه المناحى، من خلال تغيير العادات، والأفكار المتوارثة التى تقاوم التغيير.
ولا تتصور أن هذا المقال يدافع أو يهاجم قرارًا محددًا، أو يبحث عن مبررات لقرار، ولكن يحاول هذا المقال أن يضع نفسه مكان متخذ القرار ويسأل ما الذى يضطره إلى اتخاذ قرارات تبدو صعبة على المصريين ؟
(٢)
فى قضية أتصور أنها غائبة عن الذهن العام، وبالتالى الاهتمام، والهم العام، تشير الإحصائيات إلى أن عدد سكان مصر، عام ١٩٦٠ كان 26 مليون نسمة، وزاد هذا العدد إلى أكثر من الضعف عام ١٩٩٠ ليصبح 55 مليونا، واليوم تجاوز العدد 100 مليون.
واستمرار الإنجاب وزيادة السكان على هذه الوتيرة سوف يصل بالعدد إلى ٢٠٠ مليون نسمة عام ٢٠٥٠!، وقد يرى البعض أن هذه ليست مشكلته، ويلقى بالتبعة على الدولة، وصانع القرار، والحكومة، وهذه مشكلة أخرى، أن نتبرأ من المشاكل العامة، فإذا ما تحركت الحكومة وحاولت اقتحامها بطرق وآليات غير تقليدية، نشتكى، ونقاوم التغيير.
(٣)
فى مؤتمر عام قبل ما يقرب من ٤ سنوات، أعلنها الرئيس السيسي:
“هناك خطران يهددان مصر، فإذا كان الإرهاب أحدهما، فإن العائق الأساسي (أمام التنمية) يبقى المعدل المرتفع للنمو السكاني”.
وأن يقرن الرئيس فى خطابه الزيادة السكانية بالإرهاب فى جملة واحدة معناه أنها - أيضا - خطر كبير، وفى رأيى أنه لا ينبغى أن نناقش هذا الخطر بمعزل عن مناقشة الموارد المتناقصة أو المحدودة فى مثلث “الأرض - المياه -الغذاء”، والدولة تحاول خلال السنوات الأخيرة اقتحام المشكلات المتعلقة بنقص الموارد المتعلقة بهذا المثلث، لكن أى معالجة سوف تفشل أمام غول الزيادة السكانية المرعبة المنتظرة خلال جيل قادم.
(٤)
ماذا تفعل الدولة أمام هذا الخطر الذى بدأ الانتباه إليه منذ العهد الناصرى، الذى عرف المصريون خلاله شعار “تنظيم الأسرة”، وكان ذلك فى الستينيات أى قبل أكثر من نصف قرن؟
وفى أحقاب تالية، تم إنشاء وزارة للصحة والسكان، وانطلقت الإعلانات وحملات تنظيم الأسرة، بقوة توفر الرعاية الوسائل وتطرق الأبواب، وتستقبل وتشجع الراغبات والراغبين فى تنظيم الأسرة، وكان يحدث فى أحيان كثيرة بعض التراخى لكن كانت الدولة تعود بقوة للاهتمام بالمشكلة، وقبل ٦ سنوات تم إنشاء مجموعة وزارية مشتركة لوضع استراتيجية وطنية للسكان 2015 - 2030، كما تم إعطاء الأولوية للمناطق الريفية التي تأوي 40% من السكان ولها نسبة نمو ديمجرافى سنوي يقدر بـ 3,3% مقابل 2,2% فى المدن.
وقبل ٤ أعوام تم تعيين وزير جديد للصحة والسكان، بقصد إعادة إحياء دور الدولة بقوة فى هذه القضية، لولا التحديات الأخرى الرهيبة التى فرضت نفسها، وعلى رأسها جائحة كورونا، التى استحوذت ضمن تحديات أخرى على اهتمام الدولة و وزارة الصحة والسكان.
ويبقى الرهان الأكبر فى حل أزمة الزيادة الكبيرة فى النمو السكانى، مرهونا بتغيير المفاهيم الدينية الخاطئة، والعادات الاجتماعية، وتركيبة الأسرة التقليدية التى تعتمد على كثرة الأبناء فى زيادة الدخل، يعنى الجزء الأكبر من حل المشكلة عند الناس وليس الدولة.