ذكريات ثانوية

ذكريات ثانويةسارة حامد

الرأى21-8-2021 | 15:29

منذ عقود يطارد شبح الثانوية العامة أذهان الطلاب حتى في باكورة مراحل التأسيس، يُنعت الطفل مُتوقد الذكاء بالدكتور أو المهندس، وكأن سواهم فضلة المهن و أدنى نباهه منهم.. ليسوا طلاب الثانوية العامة وحدهم بل كل من سيلحق بتلك المرحلة يتهيأ لها قبالة سنوات عليها، عسى أن ينجز مبتغاه أو يخفق..

والذين اجتازوا هذه المحطة، سَئِموا منها و استبقى لديهم أثراً سواء من أنفذ بُغيته أو من لم تؤازره الأقدار، فالأول إجتوى من فترات الإرهاق النفسي أملاً في اللحاق بركب كليته المنشودة، والآخر دام يُخطط لمستقبله ويُهيئه لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
بعبع التعليم وشبح الدراسة "الثانوية العامة" التي لم تكن كذلك في دول عدة، فهي كأي عام دراسي ينقضي بل أكثرهم بهجة وتهلل، فيها يتجهز الطلاب لانتقاء تخصصات جامعية تناسق رغباتهم وقدراتهم فحسب، تقام المحافل إيذاناً بنفاد مرحلة ثانوية، و إستهلال مرحلة تخصص غير مُرغم عليها ولا مُكره.


حينما كنت في الثانوية العامة، كانت الدراسة عامين، 24 شهراً من الإنهاك النفسي واللُغوب، تراودني مخافة ألا أنتسب لما ترقبت.. عام تلو الأخر، أتذكر هذا العناء مع إعلان نتائج الثانوية العامة، و ظننت أني وحدي التي أسترجعها، إلى أن ضجت إحداهن وكانت تجلس بمقربة: أبغض الإنصات لأحاديث عن الثانوية العامة، وددت لو أني ألتحق بكلية طب الأسنان لكن نصف درجة فقط هي التي ألزمتني الإلتحاق بكلية الإعلام، تباين مصيري تماماً لذا كئبت منها، ولا آلف الإصغاء إلى جرائرها.


تواتر حديثها، وإذا بنبأ انتحار طالبة بالمنوفية ثم أخرى بمنطقة شبرا الخيمة وغيرهن بمنطقة المرج إبتئاساً على مجموعهن و مآتم في بيوتهن.. و التي انصرفت عن منزل أبيها هرباً لحصولها على ٥٠%، وذاك الذي شنق نفسه لرسوبه بمحافظة قنا، و تلك التي حاولت الإنتحار ومازالت في غرفة العناية المركزة، وغيرهم ممن أنهوا حياتهم أو حاولوا ولا نعلم عنهم، حسرةُ على عدم بلوغ "الوهم" أو كليات القمة.


يا كل طلاب الثانوية العامة، و أولياء أمورهم، توسموا واقتدوا بالمتفوقين حقاً، القمة الحقيقية هي إرادتكم، صوّبوا أهدافكم ميمنة كليات تتناسق مع متطلبات سوق العمل.. فغالبية علمائنا، و أدبائنا ووزراءنا و المشاهير و ميسوري الحال، لم يكونوا من بين أوائل الثانوية العامة بل أنهم لم يحصل على درجات عالية تؤهلهم لكليات القمة، ومن بينهم راسب وناجح بالكاد، لكنهم تفوقوا في مشوارهم العملي، إرادتهم ومواهبهم في مجالاتهم فازت على الثانوية العامة وكليات القمة.. إستحدث لنفسك خبرات وعلاقات جيدة كي تلتحق بعمل يتجانس مع قدراتك، هاهو التفوق الجلي الصحيح.. و كي تُعينوهم على ذلك، لاتجعلوا الثانوية العامة غُصة في نفوس أبناءكم يتذكرونها بلذعة ومرارة، و ينعتون أنفسهم بالخيبة على إثرها، الفشل هو إمعان النظر إلى ما أدبر كالبكاء على الأطلال الذي ينبثق عنه تيه المستقبل.

وكما قال المتنبي: عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ..وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ..وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها..وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

أضف تعليق