اعتبرت دراسة تحليلية أعدها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن التفجيرات التي استهدفت مطار كابول أمس بمثابة رسالة سعى تنظيم "داعش" إلى توجيهها إلى كل الأطراف المعنية بالترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في مرحلة ما بعد وصول "طالبان" إلى حكم أفغانستان.
ورأت الدراسة أن العملية الإرهابية التي نفذها "داعش" في محيط مطار كابول لم تكن مفاجئة للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، مشيرة إلى تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل ساعات من وقوعها بتوافر معلومات استخباراتية تكشف أن "تنظيم داعش في أفغانستان فرع خراسان يسعى لاستهداف مطار كابول والقوات الأمريكية والمدنيين".
وأضاف الرئيس الأمريكي قائلاً: "كل يوم نكون فيه على الأرض هو يوم إضافي نعرف فيه أن تنظيم داعش ولاية خراسان يسعى لاستهداف المطار ومهاجمة القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها".
وخرجت السفارة الأمريكية في أفغانستان قبل ساعتين من وقوع العملية الإرهابية بإصدار تحذير للرعايا الأمريكيين بعدم الذهاب إلى مطار كابول، ودعت أيضاً الأمريكيين الموجودين عند بوابات المطار إلى المغادرة على الفور إلى جانب تحذيرات استراليا التي طلبت من رعاياها قبل ساعات من وقوع العملية عدم الذهاب إلى مطار كابول.
وشهد مطار كابول أمس عملية إرهابية أسفرت عن مقتل ما يقرب من 20 قتيلاً وإصابة نحو 40 آخرين، منهم عناصر من قوات المارينز الأمريكية، بجانب عناصر من القوات التابعة لحركة "طالبان" والمتعاونين، وهى العملية التي تبناها تنظيم " داعش " وأعلن عن سقوط نحو 160 قتيلاً وجريحاً من القوات الأمريكية والمتعاونين معها.
وطرحت العملية الأخيرة العديد من التساؤلات حول مغزى توقيتها، وموقف "داعش" من تداعيات ما بعد الانسحاب الأمريكي ، مشيرة إلى أنه بعد نحو عشرة أيام من سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول، أعلن التنظيم عن موقفه من الانسحاب الأمريكي وسيطرة "طالبان" على الحكم في أفغانستان ، حيث أكد استمراره في استهداف المصالح الأمريكية والغربية، وتوعد حركة "طالبان" بمزيد من العمليات الإرهابية خلال المرحلة المقبلة، بل إنه أعلن مسئوليته عن تنفيذ ثلاث عمليات إرهابية في أفغانستان خلال الأسبوع الماضي، بخلاف العملية الأخيرة ضد مطار كابول، إذ ارتفع معدل العمليات الإرهابية للتنظيم منذ بدأ الإعلان عن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أول مايو الماضي لما يقرب من 107 عمليات إرهابية خلال الفترة من أول مايو وحتى 26 أغسطس الجاري.
وأسفرت تلك العمليات- حسب بيانات التنظيم- عن سقوط ما يقرب من 447 شخصاً ما بين قتيل وجريح من قوات الأمن الأفغانية وحركة "طالبان" وقوات عسكرية أمريكية ومدنيين أفغان،وهو ما يجعل من هذه الفترة هى الأعلى في نشاط التنظيم داخل أفغانستان مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وعزت الدراسة تصعيد "داعش" حدة عملياته الإرهابية في أفغانستان خلال المرحلة الحالية إلى العديد من الاعتبارات منها ، استغلال الارتباك بعد الانسحاب الأمريكي حيث يسعى التنظيم إلى استغلال حالة الارتباك في الداخل الأفغاني بهدف توسيع نطاق العمليات الإرهابية في محاولة لإثبات النفوذ والسيطرة، في ظل تراجع بل وتوقف نشاط تنظيم "القاعدة"، على نحو يمكن أن يساعد التنظيم على استقطاب مزيد من العناصر المتطرفة والتي ترى أن وصول حركة "طالبان" إلى الحكم جاء بناءً على اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، لضمان وقف نشاط التنظيمات المتطرفة في الداخل الأفغاني.
كما أشارت إلى سعى التنظيم لتأسيس قاعدة ارتكاز محتملة لقيادة التنظيم مرجحة لجوء داعش إلى محاولة تعزيز قوة فرعه في "خراسان" باعتباره نقطة ارتكاز محتملة للقيادة المركزية للتنظيم، نتيجة تكثيف الضربات الأمنية ضد فرع التنظيم في كل من سوريا والعراق، ما يجعل من أفغانستان ساحة مرشحة لانتقال قيادة وعناصر "داعش" من سوريا والعراق، وهو ما أشار إليه وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، في 28 يوليو الفائت، بقوله أن هناك "إمكانية لتوافد مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من سوريا وليبيا وعدد من الدول الأخرى إلى أفغانستان".
وأوضحت أن تسريع وتيرة الانسحاب الأمريكي ساهم في هذا الهجوم ، فعلى الرغم من تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن على انتهاء عملية الانسحاب الأمريكي في 31 أغسطس الجاري، إلا أن اتجاهات عديدة داخل الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تطالب بإعادة النظر في موعد الانسحاب لما شكله من تهديد مباشر على المصالح الأمريكية، بجانب مطالبة بعض المنظمات المدنية لواشنطن بالإبقاء على قسم من القوات لحين الانتهاء من إجلاء بعض المواطنين الأمريكيين والمتعاونين مع القوات الأمريكية وحلف الناتو، ومن ثم يأتي تصعيد "داعش" في أفغانستان خلال الفترة الجارية لممارسة ضغوط أكبر على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل عدم تغيير موقفها بالإبقاء على قوات أمريكية.
واختتمت الدراسة بالتأكيد على أن الساحة الأفغانية تشهد تنامياً ملحوظاً في عدد عمليات تنظيم "داعش"، الذي بدأ في توسيع نطاق تحركه وسيطرته الجغرافية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة ، موضحة انه بتحليل مسار عمليات التنظيم خلال العام الجاري، يتضح أن هناك تصاعداً في تلك العمليات، وخاصة مع سيطرة حركة "طالبان" على كابول، وهو ما حاول "داعش" إظهاره، حيث نشر، في 12 أغسطس الجاري، قبيل دخول حركة "طالبان" كابول بأيام قليلة، إحصاء حول عدد العمليات الإرهابية التي نفذها خلال الفترة من أغسطس 2020 وحتى أغسطس 2021- في "خراسان"- في إشارة إلى أفغانستان- والتي وصلت إلى 269 عملية إرهابية، وهو ما ينذر بتصاعد كبير في نشاط "داعش" خلال المرحلة الجارية، على نحو قد يؤثر بشكل كبير على باقي أفرع التنظيم المنتشرة بدول الإقليم.