فى ذكرى «هوجة» عرابى!

الرأى7-9-2021 | 21:29

عندما تدخل السياسة من الشباك، تخرج الحكمة من الباب، ولعل هذه المقولة تفسر ما كتبه أحمد شوقى "أمير الشعراء" عن عرابى وزملائه:

صغار فى الذهاب وفى الإياب

أهذا كل شأنك يا عرابى

فيعارضه أحمد عرابى "الزعيم الثائر" ببيت أشد قسوة:

كبار فى الذهاب وفى الإياب

رغم أنف أولاد الكلاب

فهذان البيتان من الشعر يمثلان "عنوان" للانقسام الشديد الذى ساد المجتمع المصرى أثناء حركة العرابيين فى ثمانينيات القرن قبل الماضى، فمازال البعض يعتبرها "كارثة" أصابت المجتمع المصرى وتسببت فى احتلال الإنجليز للبلاد لمدة تزيد عن 70 عاما.

وقد استحسن هؤلاء ما أطلقه المعارضون من أنها كانت مجرد "اع السائدة وقتها وأدت إلى تغييرها، ولكن أجهضت لأسباب وعوامل داخلية وخارجية.

ولعل السبب فى ذلك هو شخصية "أحمد عرابى" نفسه والتى تجمع العديد من المتناقضات.. فضلا عن السيرة الذاتية له؛ فقد عين "ضابط صف" أى مساعد فى الجيش المصرى، واجتاز امتحان الترقية وحصل على رتبة ملازم ثانى، ثم رقى خلال أربع أعوام فقط من ملازم إلى عقيد، بسبب قربه من الخديو سعيد والذى أهداه مؤلفه عن بونابرت بعد ترجمته للعربية.

وطوال عهد الخديو إسماعيل وخلال عشرون عامــا كلّف بمهــام صعبـــة وتعــرض للاضطهــاد وحوكم وفصل، ثم أعاده الخديو توفيق ورقاه إلى رتبة العميد الأميرالاى، ومن بعدها عين وزيرا للجهادية ورقى إلى رتبة اللواء (باشا).

كل ذلك - وحسب قول المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعى – وهو لم يكن على حظ كبير من الكفاءة العسكرية، فلم يدرس، ولم يتدرب، ولم يحارب، ولم يكن قائدا مباشرا لأى معركة أثناء المواجهة مع الإنجليز.

ومع ذلك – وعلى حد وصف الرافعى أيضا – كان شجاعا وجريئا ويتمتع بشخصية قوية جذابة تؤثر فى الأفراد والجماعات، فضلا عن موهبة الكلام والخطابة والصوت الجهورى، وهى صفات الزعامة، ولذلك أطلق عليه "الزعيم الثائر" ضمن سلسلة مؤلفاته التاريخية (15 مجلد) والصادرة عن دار المعارف.

هذا فضلا عن ملابسات "الثورة" وما حدث قبلها وبعدها فالخديو توفيق ومن قبله والده إسماعيل كان يعتبر عرابى وزملائه من أتباع الخديو سعيد، ومن ثم كان البُعد والجفاء فى القبول والتعامل، فضلا عن سيطرة الضباط الجراكسة والأتراك على الجيش المصرى، والأهم من كل ذلك "الطمع" البريطانى فى مصر والرغبة فى احتلالها، خاصة بعد نجاح الفرنسيين فى شق وافتتاح قناة السويس!

وكذلك "النفاق" العثمانى لطرفى الخلاف (العرابيين والخديو) فقد أيدوا عرابى فى البداية وشجعوه على رفض التدخل الخارجى من فرنسا وبريطانيا فى الشأن المصرى، ولكن عندما حدثت المواجهة المسلحة أصدروا منشورا "بعصيان" عرابى لأولى الأمر وخروجه على خليفة المسلمين وخديو البلاد!

كل ذلك (الداخلى والخارجى) كان سببا فى إجهاض تلك الثورة المصرية التى أيقظت الروح الوطنية، وهو ما أدى بعد ذلك إلى حدوث ثورة 1919.

نعم.. لم يكن عرابى مؤهلا سياسيا ولا خبيرا عسكريا، ولكنه كان شديد الوطنية والإيمان بمصريته ودينه، وقد دفع ثمنا غاليا لذلك بنفيه وزملائه العشرين عاما بعيدا عن الوطن، أصيب فيها بالسرطان، وأصيب فيها صديقه وزميله البارودى بالعمى.

وللأسف الشديد – وبعد 140 عاما – يدعى بعض "هواة" التاريخ أنه لم تكن هناك مواجهة بين العرابيين والخديو، وأن ما ادعى بحدوثه فى 9 سبتمبر 1882 كذبة كبرى!

بل أنتم الكاذبون.. والكل يتابع ما تتقولون به، وسيظل عرابى وزملائه "محطة" رئيسية فى تاريخ النضال المصرى، ويكفى أن محافظة كبرى "الشرقية" اتخذت من هذا التاريخ عيدا قوميا لها، ردًا للجميل وعرفانا بما قام به أحد أبنائها الشجعان.

أضف تعليق