فى مصر أكثر من مائة حزب ولا نجد فى الساحة السياسية غير عدد قليل منها تبشر بصحوة، ولها وجود فى البرلمان، وبقية الأحزاب ليس لها وجود ملحوظ فى الشارع، وقد رصد الدكتور نصر محمد عارف أن بعض الأحزاب ليس لها مقر، وعدد أعضائها محدود جدا، ولا نرى لها نشاطًا سياسيًا أو اجتماعيًا أو ثقافيًا فيما عدا ظهور مؤسس الحزب أحيانا فى التليفزيون، بينما نحن نحتاج فى هذه المرحلة إلى عمل سياسى قوى وسط المواطنين لنشر الوعى بالقضايا والإنجازات، والسياسات، والتحديات الداخلية والخارجية، والتضحيات الضرورية لمرحلة البناء.
ومن المؤكد أن المشاركة السياسية كلما اتسع نطاقها كان ذلك ضمانًا للاستقرار واستمرار التنمية والتحصين ضد الأفكار والتيارات التى تنشر الإحباط والتعصب والكراهية، ومشاركة المواطنين فى الحياة العامة ضمان لتكوين رأى عام ناضج قائم على الوعى ومعرفة الحقائق ورفض الشائعات والأكاذيب، والإصلاح الاقتصادى لكى يحقق أهدافه كاملة لابد من مشاركة المواطنين فيه وإدراكهم لما يحيط بعملية البناء الكبرى التى تجرى فى البلاد، المشاركة الشعبية تعنى الحيوية فى المجتمع، وكلما وجد المواطن فرصة للمعرفة وللتعبير عن رأيه بحرية يتعمق شعوره بأن رأيه له قيمة وبالتالى يزداد شعوره بالانتماء والولاء لوطنه، والمشاركة هى التى تقضى على السلبية وتثير الحماس للعمل وتحاصر الانتهازية والفساد، وتعمق الاستعداد للعمل الجماعى، وتقنع المواطنين بالتضحية من أجل المستقبل.
لكن الحقيقة كما كشف عنها المركز القومى للبحوث الاجتماعية تدل على عكس ذلك، ففى بحث أجرى على 500 من النخبة من جميع المجالات تبين أن جانبًا كبيرًا من النخبة لا تشارك فى النشاط السياسى والاجتماعى مشاركة تتناسب مع أهمية أدوارهم فى المجتمع، وقالوا إنهم لا يهتمون بمتابعة الحياة الحزبية لعدم إقناعهم بما هى عليه، ولأن هذه الأحزاب لا تسمح لكل القوى بالتعبير عن نفسها، وقالوا أيضا إن معظم الأحزاب برامجها مكررة ولا توجد فروق بينها تميز بين الخط السياسى والأهداف التى تسعى لتحقيقها، ولذلك لم تجذب لعضويتها فئات عديدة فى المجتمع، والحزب بدون قاعدة جماهيرية يفقد شرعية وجوده.
والمفروض أن الأحزاب – كما هو معلوم فى الأدبيات السياسية وفى تجارب الدول الأخرى التى تقود فيها الأحزاب العمل السياسى – هى كيانات سياسية لكل منها برنامج واضح ومتميز وبذلك تعكس الأحزاب المصالح والمواقف السياسية لكل فئات المجتمع ويكون لكل حزب فلسفة للعمل الوطنى، ورؤية واضحة للمستقبل، وبرامج واقعية صالحة للتنفيذ، والطبيعى أن تعكس الأحزاب مواقف مختلفة وإلا فإن اتفاقها جميعًا على أهداف واحدة وسياسة واحدة يفقدها المبرر لتعددها، ولابد أن تجد أجيال الشباب فى الأحزاب الفرصة لاكتساب الثقافة السياسية للمشاركة فى العمل العام، وإلى جانب ذلك فإن تحريك القاعدة الشعبية للاهتمام بالمشاركة يحتاج إلى جهد من وسائل التربية والإعلام والثقافة.
وإذا أردنا إعادة الروح إلى الأحزاب فأمامنا لذلك أكثر من طريق، فإما أن نترك الحال كما هو دون تدخل بادعاء أن هذه هى الحرية، والتمسك بمبدأ البقاء للأصلح، وهذا طريق يستغرق منا زمنا قد يطول، والطريق الآخر أن نبدأ فى عملية إعادة بناء الحياة الحزبية بالنظر إلى حجم عضوية كل حزب ومدى تشابه برامجها لإدماجها وحل الأحزاب التى ليس لها أعضاء يسددون الاشتراكات بانتظام، وليس لها نشاط ولا مقر، ولا فاعلية، نحتاج إلى قانون جديد يحدد الشروط المتعارف عليها لتأسيس أحزاب حقيقية ليس لها أهداف دينية أو طائفية أو شخصية مما يسمح بغياب أحزاب كثيرة فقدت مقومات الحياة وتسبب زحامًا يعوق نضج الممارسة السياسية.
وإذا كان المنطق هو الذى يحكم فإن أربعة أو خمسة أو حتى عشرة أحزاب تكفى جدا إذا كانت أحزابًا تتوافر فيها مقومات الحياة وكانت قياداتها جادة، لأن وجود الأحزاب ليس غاية فى ذاتها لكنها وسيلة للدفاع عن حرية واستقلال وتقدم البلد ودراسة مشاكل البلد ومشاكل المواطنين ووضع البدائل والحلول وحشد الجهود الشعبية لمعركة الإصلاح والبناء.
إن فكرة الحزب قائمة على تجمع المواطنين المتفقين على فكرة معينة أو برامج معينة أو أيديولوجية معينة ويقوم الحزب بالتعبير عنهم وتقديم الأفكار والحلول لمشاكل المجتمع، وكل حزب يعبر عن جانب من الرأى العام، وهناك نماذج لأحزاب ساهمت فى التنمية فى بلادها مثل حزب العمل الشعبى فى سنغافورة، والحزب الشيوعى الصينى بعد تحوله إلى الأخذ بنظام السوق، بينما لم يحقق التنظيم الواحد فى مصر - الاتحاد الاشتراكى ثم الحزب الوطنى – إنجازات حقيقية للنهضة أو لتطوير المجتمع أو لتحسين أحوال البلد وأحوال المواطنين، ولم تقدم أحزاب قائمة دليلا على أنها تستحق البقاء.
وإذا لم يكن للأحزاب وجود ملحوظ ودور مؤثر وحياة نابضة فما فائدة وجودها؟ ودعونا نأمل خيرًا بما نراه من صحوة بعض الأحزاب.