(١)
مساء الأربعاء الماضى 15/9، جاءت الأخبار أن مجلس الأمن اعتمد بيانًا حث فيه مصر و إثيوبيا و السودان على "استئناف المفاوضات" تحت رعاية الاتحاد الإفريقي للوصول إلى اتفاق سريع بشأن أزمة سد النهضة، وقال مجلس الأمن فى الإعلان الذى صاغته تونس (تشغل مقعدًا غير دائم فى الدورة الحالية للمجلس)؛ إن الاتفاق يجب أن يكون "مقبولاً وملزمًا للأطراف الثلاثة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير، وأن يأتى فى إطار زمني معقول".
كما دعا المجلس فى بيانه جميع المراقبين الذين سيكونون مقبولين لدى أطراف الأزمة الثلاثة ( مصر و السودان وإثيوبيا) إلى "مواصلة دعم المفاوضات بهدف تسهيل حل القضايا الفنية والقانونية العالقة".
وشجع البيان الموجز ل مجلس الأمن المراقبين الذين سوف يتم دعوتهم، لحضور المفاوضات، وأي مراقبين آخرين تتفق الدول الثلاث على دعوتهم بشكل مشترك "لمواصلة دعم المفاوضات بهدف تسهيل حل القضايا الفنية والقانونية المعلقة".
وأكد المجلس فى بيانه أنه لم يسبق له أن وضع أي مبادئ أو حالة سابقة فى أي منازعات للمياه عابرة الحدود (الأنهار وما فى حكمها)".
(2)
استغرق صدور البيان 69 يومًا، مرت منذ انعقاد الجلسة الثانية (انعقدت فى 8 يوليو الماضي) التى ناقش فيها مجلس الأمن قضية سد النهضة، هذه الجلسة التى تابعها العالم فى بث مباشر، ووقف فيها المصريون على أظافر أقدامهم، وباتوا ينتظرون رد فعل المجلس، ودلالة الزمن هنا أن مخرجات مجلس الأمن تأخرت كثيرًا، لكنها أتت وهذا شىء جيد، وربما كانت مصر تنتظر قرارا، لكن المجلس أصدر بيانا، وهو أقل فى إلزاميته من القرار الذى يستوجب اتفاق جميع أعضاء المجلس الـ 15.
لكن لأسباب تتعلق بمواقف بعض الدول داخل المجلس من مشاكل الأنهار، وخشية هذه الدول من صدور قرار فى مسألة سد النهضة، يكون بمثابة سابقة حكم، ويتم القياس عليها فيما بعد، وتسبب مشاكل لتلك الدول ومنها دول دائمة العضوية فى المجلس نفسه، لذلك اختلفت آراء الدول الأعضاء حول تبنى المجلس لهذه الأزمة تحديدا، وانتهى الأمر إلى إصدار البيان المنوه عنه.
(3)
أتصور أن مصر كانت تتوقع هذا البيان، ولا تتوقع أكثر، وقبل أن يسأل أحد وماذا استفادت مصر، نقول له لقد سبق وشرح الرئيس عبد الفتاح السيسى، ووزير الخارجية سامح شكرى، لماذا لجأت مصر ومعها السودان إلى مجلس الأمن، وكان قبول المجلس وتبنيه لمناقشة الأزمة، وأن يدلو بدلوه فيها فى حد ذاته انتصار كبير كرهته إثيوبيا، التى كانت تريد للأزمة أن تبقى فى إطارها الثلاثى، أو على الأكثر الإقليمي والقارى، أما أن يتم تداول المسألة ويشهد العالم عليها، وتناقشها الهيئة المنوطة بها حفظ الأمن والسلم الدوليين، فقد حدث هذا على رغم منها.
(4)
وفى تصريح صحفى متعجل لخبير المياه د. عباس شراقي، (نشره موقع روسيا اليوم RT بتاريخ 15/9) والعهدة على الموقع الذى نشر قال شراقى: "لم يأت البيان بأي جديد عما كان متوقعا" وأسس على هذا القول نتيجتان قال فى الأولى: "بهذا البيان يتخلى مجلس الأمن رسميًا عن قضية سد النهضة ويعتبرها قضية فنية فقط رغم خطورتها"، وقال فى الثانية: "يجب الآن طي صفحة مجلس الأمن وحفظها فى ملف سد النهضة والعودة إلى الاتحاد الإفريقي"، وأنا أحترم هذا الرجل (شراقى) لكنى أرى أنه جانبه التوفيق فى تصريحاته المتعجلة، وأؤكد له على حقيقتين، الأولى أن مصر استفادت سياسيًا بشكل كبير جدا من تعاطى مجلس الأمن للأزمة، وهى تنظر للمستقبل، وردود الأفعال الدولية حال اضطرارها اللجوء لبدائل أخرى فى حل الأزمة، وثانى الحقائق أن العودة إلى الاتحاد الإفريقى، وخطوات استئناف المفاوضات، بدأت بالفعل بزيارة وزير الخارجية الكونجولي إلى الخرطوم، بعد ساعات من صدور قرار مجلس الأمن، ويعقبها بزيارة إلى القاهرة بهدف الوصول إلى اتفاق قبل شهر فبراير 2022 موعد بدء الأعمال الهندسية للتخزين الثالث للسد.