(١)
كان حديثى على إحدى الفضائيات الإخبارية عن المشير الراحل محمد حسين طنطاوى، وزير الدفاع، والقائد العام الأسبق للقوات المسلحة المصرية، وأردت أن أتحدث بأمثلة عن الدور الكبير والمسئولية الرهيبة التى تحمّلها الرجل بصفته الوظيفية، وشخصه، خلال الفترة التى تلت ٢٥ يناير ٢٠١١، وحتى إحالته للتقاعد فى 12 أغسطس 2012، وأعتقد أنها كانت أصعب على الراحل من كل الحروب التى شارك فيها خلال تاريخه الحافل فى مؤسسة العسكرية المصرية، وقد خاض أربعة حروب، وبلغت سنوات خدمته ٥٦ عامًا تقريبًا، بينما استغرقت المعركة التى أقصدها (عامين إلا ربع العام تقريبًا) أعتقد أنها كانت الأصعب فى حياته، لأسباب أولها أن مصر كانت تحارب أشباحًا،
وليس عدوًا واضحًا، سواء للمشير طنطاوى، أو السواد الأعظم من المصريين.
(٢)
فى هذا الغيم الكثيف والغموض المتعمد، والتحفز، والتنمر، للمؤسسة العسكرية والجيش المصرى، وفى ذروة المؤامرة وجد الرجل نفسه مسئولاً عن الإنقاذ.. وأن يلعب دور عربة الإطفاء للحرائق، التى اشتعلت فى أنحاء عديدة من أرض مصر، وأن يلعب دور السياسى فى الداخل والخارج، ويستوعب بصدره بركان الغضب المتفجر، ويرسم للمستقبل القريب بعقلية الخبير الاستراتيجي، هذا غير كل الواجبات الأخرى التى تفرضها عليه مسئوليته العسكرية.. أى أعصاب يمكن أن تتحمل هذا؟! وتضطلع بمسئولية إنقاذ وطن تتنازع أطرافه أنياب ذئاب وضباع وبشر متوحش؟!
(٣)
قلت فى المداخلة إن الراحل بدأ المعركة قبل ٢٠١١ بسنوات، وضربت مثلاً قلت فيه إن موقع ويكيليكس الشهير كشف النقاب عن برقية من برقيات الخارجية الأمريكية تعود إلى عام 2008 وتصف – البرقية – المشير طنطاوي بأنه “لطيف ومهذب”، بيد أنها تضيف إلى ذلك أنه “مقاوم للتغيير”.. فما هو هذا التغيير الذى خطط له الغرب وقاومه وزير الدفاع آنذاك، المشير طنطاوى؟!
وقلت فى الإجابة إن الوزير طنطاوى قاوم بالفعل فى الحقبة الأخيرة من حكم الرئيس مبارك اندفاع البلاد فى تنفيذ إملاءات غربية من شأنها أن تنزع من الدولة المصرية معظم سلطاتها وتحولها إلى ما يوصف بـ “الدولة الرخوة”.
(٤)
بعد الكلام الأخير نوه مذيع الفضائية إلى أن ما أقوله “على مسئوليتى” فأكدت له ذلك، وحاول بعدها المذيع أن يحول دفة الكلام إلى النواحي الإنسانية فى حياة البطل الراحل، ولم أعترض، لكن لم تكن هذه هى المرة الأولى التى تفعلها نفس الفضائية، وفى كل مرة كنت أسأل نفسى: كيف نبنى وعى الأجيال دون أن نمنحهم معلومات موثقة عما حدث؟.. ونشرح لهم وجه الخطورة فيه ونطلعهم على كيفية مواجهة هذا الخطر الذى لم ولن ينتهي، فأخطر معارك البطل الراحل.. للعظة والاعتبار وليست فقط للحكى ومصمصة الشفاه، حتى ولو ظن البعض غير ذلك.