أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن مصر تشهد طفرة غير مسبوقة فى مجال السياحة بفضل توجيهات القيادة السياسية وتبنى مشروعات قومية كبرى كانت متوقفة منذ سنوات لنقص التمويل وعدم توافر إرادة سياسية لدفع العجلة إلى الإمام وعدم توافر مناخ سياحى متكامل خصب يساعد على النمو السياحى بالشكل اللائق بمصر التى تتوافر بها كل المقومات السياحية من السياحة التاريخية ممثلة فى زيارة الآثار والسياحة الثقافية ممثلة فى معارض الفنون الشعبية والتشكيلية ومفردات التراث المصرى، علاوة على ما تتمتع به من سياحة شاطئية تحتل المراكز الولى فى العالم فى سياحة الغوص ممثلة فى رأس محمد ودهب وجزيرة فرعون بطابا والسياحة العلاجية ممثلة فى الحمامات الكبريتية بسيناء والواحات والعلاج بالأعشاب والرمال فى سيناء والعلاج بالطمى المصرى الأصيل بالوحات والسياحة البيئية ممثلة فى كم من المحميات الطبيعية المتميزة والمناظر الطبيعية المتفردة فى الصحراء البيضاء وسيناء بجبالها وسهولها المتنوعة.
ويضيف الدكتور ريحان أن مصر تعد البلد الأولى فى العالم فى السياحة الروحية الممثلة فى تلاقى وتعانق الأديان على أرضها فى خمس مجمعات للأديان بالوادى المقدس طوى بسيناء ومصر القديمة ومنطقة حارة زويلة والإسكندرية والبهنسا وتسير خطط التنمية فى كل محافظات مصر لتطوير محطات مسار العائلة المقدسة والمناطق حولها باعتبار مصر قبلة كل راغبى السياحة الروحية فى العالم من كافة الديانات لاقتفاء أثر نبى الله موسى ورحلته ومناجاته لربه عز وجل عند شجرة العليقة المقدسة وتلقيه ألواح الشريعة من فوق جبل موسى أو جبل المناجاة واقتفاء أثر السيد المسيح والسيدة مريم العذراء فى الرحلة المقدسة من رفح إلى الدير المحرق بأسيوط والمعجزات فى العديد من المواقع التى مروا بها وزيارة معالم مقامات آل البيت وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار الإسلامية عامة حيث تنفرد مصر بوجود خمس مدن إسلامية كبرى متفردة، القاهرة التاريخية ومدينة رشيد ومدينة فوة ومدينة القصر ومدينة شالى بالوادى الجديد وقد أصدرت القيادة السياسية توجيهاتها بأكبر وأجرأ مشروعين عملاقيين فى مجال السياحة الروحية وهما مشروع التجلى الأعظم بالوادى المقدس طوى ومشروع القاهرة التاريخية.
وينوه الدكتور ريحان إلى سياحة المؤتمرات فى مدينة السلام بشرم الشيخ وقاعة المؤتمرات بالقاهرة وسياحة مجتمع الصحراء بسيناء والوادى الجديد والتعايش مع المجتمعات الصحراوية بعاداتها وتقاليدها مما يعشقه السائحون الأجانب وسياحة السفارى وتسلق الجبال لما تتميز به سيناء من جبال مرتفعة ولها قدسية خاصة مثل جبل موسى وجبل التجلى وجبل سانت كاترين ومعالم كثيرة خلفتها الظروف الطبيعية بسيناء مثل البرك والحمامات بين الجبال ناتج تجميع مياه السيول والكانيون الملون بمحمية طابا الذى يتميز بالتكوينات والتركيبات الجيولوجية البديعة من كهوف وممرات جبلية متعددة، مع وجود شبكة من الأودية وتكثر بالمحمية الأخاديد والفوالق والفواصل المتقاطعة بين الصخور والتي تُعرف (بالكانيونات) ويتخلل هذه الأخاديد تلال من الرمال الناعمة تًسمي (بارخانات).
ويشير الدكتور ريحان إلى أن السياحة تعتمد على عدة ركائز لو توافرت فى أى دولة فهى نقطة الانطلاق لنهضتها وتميزها السياحى، الركيزة الأولى توافر مقومات سياحية متنوعة وخلال الثمانى سنوات الماضية منذ بداية تولى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة جمهورية مصر العربية وحرصه على توفير المناخ الملائم لتنشيط وتننمية السياحة شهدت مصر إنجازات ملموسة فى كل قطاعات السياحة، ومن هذه الركائز الذى أرسى قواعدها فخامة الرئيس السيسى توافر بنية أساسية وهذا يتمثل فى الإنجازات غير المسبوقة فى شبكة الطرق والكهرباء، التى تجاوزت المأمول والتجميل والتشجير للمواقع السياحية وتطوير الخدمات عامة وتوافر الأمن، وهذا ما تحقق لدرجة شعر بها من هم داخل مصر وخارجها وتم إلغاء الحظر السياحى من عدة دول للظروف التى مرت بها مصر ومنها روسيا وإلغاء الحظر الصحى لظروف كورونا بقرار بريطانيا بشأن رفع اسم 8 دول من بينهم مصر من القائمة الحمراء الخاصة بفيروس كورونا، بدءًا من يوم 22 سبتمبر الجارى، مما يؤكد على نجاح الإجراءات الصحية التى تقوم بها مصر لكل الوفود السياحية على أرضها وعلى أن مصر من الدول الآمنة صحيًا والمفتوحة لكل جنسيات العالم دون خوف وكانت مصر من أوائل الدول التى تحدت كل الظروف العالمية ولم تمنع أى سائح من القدوم إلى معشوقته الأولى مصر مصدر الولع العالمى بالحضارة المصرية، وجاءت أفواج سياحية فى ظل تفشى الوباء العالمى من بيلاروسيا وعدة دول وعادوا بأمان إلى بلادهم وشهدوا بنجاح الإجراءات الصحية بمصر وكانوا خير سفراء للدعاية للسياحة إلى مصر والتأكيد على سلامة الإجراءات الصحية.
وحدث تراجع إجراءات الإغلاق التام داخل عددًا من الدول الأوروبية والآسيوية، في وقت اختارت فيه مجلة الـ"تايم" الأميركية القاهرة ضمن أفضل الوجهات السياحية العالمية، بينما صنفت "إيكونوميست" البلاد في المركز الرابع عالميًا مع عودة الحياة إلى طبيعتها
ولفت الدكتور ريحان إلى أن رفع بريطانيا لمصر من القائمة الحمراء سيسهم بالطبع فى زيادة الوفود السياحية القادمة من بريطانيا إلى مصر مع بدايات الموسم السياحى الشتوى خاصة وأن البريطانيين من هواة السياحة التاريخية وسياحة الآثار بشكل كبير والتى حققت مصر بها طفرة كبرى فى الثمان سنوات الماضية من اكتشافات أزهلت العالم بسقارة والأقصر وأعمال تطوير غير مسبوقة ينتظرها العالم بأسره مثل إعادة إحياء طريق الكباش وقرب افتتاح المتحف المصرى الكبير علاوة على الأحداث الأثرية الفريدة مثل نقل المومياوات الملكية من المتحف المصرى إلى متحف الحضارة، وتتوالى رحلات الشارتر لعدد من الشركات الإسبانية والفرنسية بعد انقطاع دام لأكثر من عام على مطار الأقصر.
وأوضح الدكتور ريحان أن الإرادة السياسية ساهمت في توفير مناخ ملائم تتحقق فيه هذه الإنجازات بمجال الآثار من توفير الاعتمادات المالية المطلوبة لأعمال الحفائر وتطوير المتاحف ومشاريع الآثار واستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في أعمال التنقيب واختيار عمال حفائر مدربين باحتراف ونتج عنه اكتشافات أذهلت وتذهل العالم علاوة على استكمال المشاريع الكبرى التى كانت تسير ببطيء مثل مشروع متحف الحضارة والمتحف المصرى الكبير ومتحف شرم الشيخ وظهرت على السطح المتاحف الجديدة خاصة في مناطق لأول مرة تشهد وجود ساحة عرض لآثار مصرية متنوعة، منها على سبيل المثال متحف شرم الشيخ أول متحف للآثار المصرية بمدينة شرم الشيخ ويقع على مساحة 191 ألف متر مربع وتم افتتاحه العام الماضي، ويتكون من 6 قاعات عرض ومبنى إداري ومبنى للمطاعم ومساحة للمتاجر ومسرح مكشوف واستراحة للعاملين وكذلك الحال بالنسبة إلى متحف الغردقة الذي يمثل أول متحف أثري بالمدينة ويقع بالقرب من مطار الغردقة الدولي جنوب المدينة، كان الهدف من إنشاؤه جذب مزيد من السائحين إلى المدينة السياحية والجمع بين السياحة الترفيهية والثقافية، ومنح الفرصة للسائحين الذين يفضلون السياحة الشاطئية، للتعرف على تاريخ مصر بمختلف العصور.
وينتظر العالم حاليًا افتتاح المتحف المصرى الكبير وافتتاح تطوير طريق الكباش بداية الموسم الشتوى المقبل وسيتم تنظيم احتفالات كرنفالية كبرى لأول مرة فى التاريخ ستمر فى الطريق بعد افتتاحه مع إعادة إحياء عيد الأوبت.
وعن أهمية مشروع افتتاح تطوير طريق الكباش أوضح خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان إلى أن عيد الأوبت له أهمية كبرى فى تاريخ مصر القديمة حيث أن مهرجان الأوبت أو الإبت هو احتفال مصري قديم كان يقام سنويًا في طيبة (الأقصر) في عهد الدولة الحديثة وما بعدها، وفيه كانت تصطحب تماثيل آلهة ثالوث طيبة - آمون وموت وابنهما خونسو - مخفيين عن الأنظار داخل مراكبهم المقدسة في موكب احتفالي كبير من معبد آمون في الكرنك إلى معبد الأقصر في رحلة تمتد لأكثر من 2كم وما يتم إبرازه في هذا الطقس هو لقاء أمون رع من الكرنك مع أمون الأقصر وتجديد الولادة هو الموضوع الرئيسي في احتفال الإبت، وعادة ما يتضمن احتفالية لإعادة تتويج الملك كذلك.
وأن الاحتفالات الأولى من مهرجان الإبت، كانت تماثيل الإله تؤخذ عبر طريق الكباش الذي يربط بين المعبدين، وتتوقف في المعابد الصغيرة التي شيدت خصيصًا في طريقها، وهذه المعابد الصغيرة أوالأضرحة كان يمكن أن تكون مليئة بالقرابين، المهداة للآلهة أنفسهم وللكهنة الحاضرين للطقوس وفي نهاية الاحتفالات في معبد الأقصر، تغدو المراكب المقدسة عائدةً مرة أخرى إلى الكرنك، وفي الاحتفالات المتأخرة من تاريخ مصر، كان يتم نقل التماثيل من وإلى الكرنك / الأقصر عن طريق القوارب في النهر وليس عبر طريق الكباش البري. ويُعقد احتفال إبت في الشهر الثاني من فصل أخت، وهو موسم فيضان نهر النيل.
وأن مظاهر الاحتفال مصورة بمعبد الأقصر فى عدة مناظر على الجدار الغربى من الفناء الأول لرمسيس الثانى وعلى الجدار الغربى لبهو 14 العمود الخاص بالملك أمنحتب الثالث والذى ربما أكمله الملك توت عنخ آمون ونقشه بمناظر عيد الأوبت وهناك مناظر على المقصورة الحمراء للملكة حتشبسوت بمعبد آمون رع بالكرنك ومعبد الرامسيوم الخاص برمسيس الثانى.
من الجدير بالذكر أن طريق الكباش يبلغ طوله من حافة المرسى من الخلف 52م وينتهى قبل البيلون الأول بعشرين متر وعرضه 13.10م وكان يدعى طريق الكباش أيضًا باللغة المصرية القديمة ويزدان المرسى بمسلتين صغيرتين ارتفاع كل منهما 2م وارتفاع القاعدة 75سم أقامهما سيتى الثانى من الأسرة 19 فى نهاية المرسى على جانبى الطريق الذى يخرج منها ويمتد إلى واجهة معبد الكرنك.
والطريق فى شكله الحالى وما يحف به من كباش يرجع إلى عصر رمسيس الثانى ويبلغ عدد الكباش فى كل صف من الطريق فى الجزء الخارجى الذى يمتد من المرسى حتى الصرح الأول 20 كبشًا، والجزء الداخلى عدد 13 فى الناحية الجنوبية و19 كبشًا فى الجهة الشمالية ولا يزال طريق الكباش يحتفظ بجماله.
وعن مستقبل السياحة بمصر أشار الدكتور ريحان إلى أن أقصى عدد سياح وصلت إليه مصر قبل 2011 كان 14 مليون وهذا لا يتناسب مع قدر مصر وقيمتها ومقوماتها السياحية المتنوعة والمأمول أن تصل مصر إلى 40 مليون سائح فى ثلاث سنوات مقبلة قابلة للزيادة مع استمرار توافر المناخ السياحى وسبل التنشيط والتنمية حيث تنتظر مصر استقبال الملايين للحج إلى مصر بناءً على دعوة بابا الفاتيكان فرنسيس بالحج إلى مصر بمسار العائلة المقدسة وإنجاز أكبر مشروع للسياحة الروحية فى العالم مشروع التجلى الأعظم وافتتاح المتحف المصرى الكبير وأعمال التطوير بمنطقة الهرم وتوالى الاكتشافات الأثرية التى أبهرت العالم فى هذا القرن بعد الاكتشافات الشهيرة فى القرن العشرين مثل مقبرة توت عنخ آمون حيث يعد اكتشاف خبيئة العساسيف أعظم الاكتشافات فى القرن الحالى فهى الاكتشاف الثالث الأكثر شهرة عالميًا فى خلال ثلاثة قرون، الأول اكتشاف خبيئة الدير البحرى عام ١٨٨١ التى ضمت 44 تابوتًا ومومياء من عصر الدولة الحديثة (الفترة ما بين القرن السادس عشر قبل الميلاد والقرن الحادي عشر قبل الميلاد.
وهى الخبيئة التى جمعت فى عصر مصر القديمة نفسها نتيجة انتشار سرقات الآثار لذا فقد قاموا بتجميع توابيت ومومياوات الأسرات 18، 19، 20 وتم حفظها فى كهف فى الدير البحرى فى عصر الأسرة 21 لحمايتها من سرقات اللصوص حتى تم اكتشافها عام 1881 والاكتشاف الثانى الشهير هو لمقبرة توت عنخ آمون عام 1922 والتى لم تقترب منها أيدى اللصوص والثالث هذا الكشف والذى نجا أيضًا من لصوص الآثار.وفى اليوم العالمى للسياحة نقول "مصر عادت شمسك الذهب".