سارة السهيل لـ«بوابة دار المعارف »: الكتابة للأطفال هي من اختارتني وأدبهم مهدد بالإنقراض

سارة السهيل لـ«بوابة دار المعارف »: الكتابة للأطفال هي من اختارتني وأدبهم مهدد بالإنقراضسارة طالب السهيل

ثقافة وفنون1-10-2021 | 18:23

سارة طالب السهيل شاعرة عراقية بدأت رحلتها مع الشعر من المرحلة الابتدائية، ويتمها المبكر وجه دفتها للكتابة عن الأطفال لتذهب عنهم الحزن من باب تعليم الأطفال عبر بوابة الأدب فالكتابة علمتها حب الكون بلا تمييز، وكان لنا معها هذا الحوار.

محطات موحشة

كيف كانت البداية وعند أي المحطات الموحشة توقفت؟

** البداية كانت مع الشعر خلال مراحل دراستي الابتدائية، وكان شعرا مغزولا بقيم الانتماء للوطن ، وخلال دراستي بالثانوية كتبت ديواني "صهيل كحيل" بالعامية وديواني "نجمة سهيل" باللغة العربية الفصحى كانت بدايات لأضع نفسي على الطريق.

أما ديوان " دمعة على أعتاب بغداد " ديواني الثالث كان أكثر نضجا بقصائد عبرت فيها عن معاناة وطن يئن وشعبه يتجرع مرارة توابع الاحتلال من طائفية وإرهاب وقتل الأطفال وسرقة الآثار وتدمير المعالم التاريخية والإنسانية المرتبطة في وجدان الإنسان العراقي داخل الوطن والمغتربين قصريا الذين كانوا يحلمون بالعودة للوطن واحتضان ترابه وعادوا ليواجهوا الواقع المرير.

لكني سرعان ما تحولت لكتابة قصص الأطفال، لأن عالم الطفولة سرقني من نفسي وأخذني إليه، كما إني إنشغلت عن الشعر نسبيا بعد استغراقي في تفاصيل حياة يومية مهلكة من خلال القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية التي أعالجها في مقالاتي وتستنزف مني جهدا وعقلا كبيرين، بينما الشعر يحتاج لدرجات أعلى من الصفاء الروحي ليعبر عن تجربة إنسانية مبدعة فكتبت قصص الأطفال ودافعت عن قضايا الطفولة ومن ثم عدت إلى الشعر مجددا وأحضر حاليا لديواني الرابع.

ولاشك أن تجرعي مرارة اغتيال أبي الشهيد الشيخ طالب السهيل من أشد المحطات الموحشة في حياتي موت الأب هو المحطة الموحشة، لأني تشربت فيها كأس اليتم المبكر، فوجهت دفتي وشراعي للكتابة عن الأطفال كي أذهب عنهم الحزن وأدخل السعادة على قلوبهم والفكر في عقولهم والأخلاق في نفوسهم .

هنا اختارتها الكتابة

الكتابة للطفل أو أدب الطفل فيه من الوعورة والصعوبة الكثير فلماذا كان هذا الطريق؟

** بصراحة، إنني لم أختر الكتابة للأطفال، ولكنها هي التي اختارتني، ربما لأنني أشعر بداخلي بروح الطفولة بكل ما تحمله الكلمة من معاني القفز مع الخيال، الحاجة المستمرة لاكتشاف العالم ولذة الدهشة المصاحبة للاكتشاف وهو ما يتحقق بالتعليم وتنمية الأذواق، وروح البراءة في تأكيد حاجات البشر المستمرة لقيم الصدق، والولع بالحياة في فنون الطبيعة الخلابة وفنونها الموسيقية والتصويرية المبهجة والتربية وتأهيل السلوك.

ولايمكن إغفال حقيقة أن الكتابة للأطفال تبدو مهمة صعبة للغاية، لكن عندما يحب أي إنسان ما يفعل، فإنه ينجح فيه، وأنا مغمورة بحب الأطفال وأجد فيهم نفسي، وأشعر بكل معاني السعادة عندما أدخل البهجة على قلوبهم ومحاولة حماية مستقبلهم من التغريب أو الإنغماس في البؤس فهم يستحقون السعادة وعيش مراحل العمر دون القفز عن الطفولة بسبب الحروب والمآسي والفقر التي تستدعي عمل الأطفال أحيانا أو تسربهم من المدارس أو تحمل مسؤولية البيت في ضَل اليتم أو خروج الأب للمعارك في منطقتنا العربية والشرق أوسطية وخاصة في العراق كما إنني أشجع على الانفتاح على الآخر والحضارات والثقافات الأخرى بحدود الحفاظ على القيم والجذور الأصيلة لتحقيق التوازن بين التحضر والتقدم والأصالة فيما لا يتعارض مع الأديان السماوية والأخلاق العرفية المتوارثة.

كما إني مدفوعة بشكل فطري ل تعليم الأطفال عبر بوابة الأدب، فأدب الأطفال قنطرة تنقل إليهم كل القيم الأخلاقية والدينية والتربوية كما تحمل في طياتها حب الفنون وتذوق الجمال وصولا لمعرفة الله تعالى والله جميل يحب الجمال.

وأتصور إنني كلما نجحت في غرس حب الجمال في نفوس الصغار فإنني قد قطعت طريقا مهما في سبيل تنمية عقولهم وتهذيب وجدانهم. كما أن كاتب الأطفال لابد وأن يخلق بداخله قدرات كبيرة على التحدي وهو يحاول مخاطبة الصغار بلغة وأسلوب فني شيق يجذبهم ويقنعهم.

كما أن أدب الطفل وكتاب الأطفال العرب في تهديد مستمر بالإنقراض تبعا لقلة عدد الكتاب وقلة دور النشر المهتمة بطباعة وتبني هذا الأدب مما أدى إلى استيراد قصص الأطفال وترجمتها من لغات مختلفة بما فيها أفلام الكارتون وبرامج الأطفال فلمَ لايكون لدينا كتاب يهتمون بشؤون الطفل المحلي وأكرر إنني لست ضد التبادل الأدبي والحضاري ولكن أين منتوجنا العربي الذي يجب أن نبادل غيرنا به فهل مكتوب علينا استيراد أدب الطفل كما مكتوب علينا استيراد السيارات والطائرات والملابس فأين مصانع الأدوات ومصانع العقول فدورنا الآن أن ننمي بالطفل حب العمل والعلم والاختراع وأن نكافح لأخذ الاهتمام بالطفل من المؤسسات الرسمية وإلا نكتفي بزيارات المجاملة التي يتخللها الصور التذكارية نحن نريد عمل حقيقي ينهض بالطفل وأفكاره وإلهامه ولكن هذا يحتاج لمؤسسات دول.

خيال الأطفال

أجريت نوعا من التحديث في كتابة النص الأدبي وحسب علمنا هو عملية المشاركة في تأليف أو كتابة النص كيف جرى الأمر؟

** لأنني معجبة بخيال الطفل، فلابد أن نتفاعل مع خياله الخاص ونطلق له العنان كي يعبر عن ذاته وأفكاره ورؤيته، ولاشك أن خيال الطفل طازج وبكر ومن ثم يمكن الاستفادة منه في إتمام نص أدبي موجه إليه، ومن هذا المنطلق كتبت قصة للأطفال بعنوان "الطفل الطائر"، ولم شأ أن أُحدد نهايتها كي أدفع الطفل للمشاركة في استكمالها من وجهة نظره الفنية والخيالية، وبذلك يصبح الطفل نفسه مشاركا في صنع الحدث الفني أو الأدبي، وهو ما يتيح للطفل أن يصبح مؤلفا في المستقبل ومبدعا.

ماهي الغاية عندما نكتب للطفل ربما السؤال يبدو عاديا لكن الكثير ينتظر إجابة من شخصية محترفة؟

** بالفطرة الإنسانية، فأننا عندما نتواصل مع الأطفال في مرحلة المهد فأننا نعلمهم نطق الكلمات البسيطة، ثم نتطور في تعليمهم ونمزج حرف الكلمة بالصورة الملونة وبرسم حيوان او طائر جذاب لنحفر صوت الكلمة بالألوان الزاهية للصورة، ومن ثم يجري تنشيط لحواس الطفل مبكرا عقليا ونفسيا من خلال الارتباط الحيوي بين الكلام والطبيعية وفنون الصورة والألوان وبالتالي ننمي حاسة تذوق الفنون لديه.

لكن البداية تكون مع الحرف والكلمة، فالكلمة هي مفتاح العلم والتعلم والتثقف والتربية والتأدب والتذوق والارتقاء الإنساني، وهذه المعاني لشرف الكلمة تتجسد في الكتابة للأطفال باعتبارها رسالة سامية تتضمن في طياتها قيما تربوية وأخلاقية وتثقيفية، وذلك وفق منظور فني يوظف طاقات الكلمة وسحرها في تقديم صورة للواقع ممزوج بالخيال والاسطورة والقدرة علي خلق حالة من الانس والاستئناس يشعر بها الطفل عند قراءة لقصة محبوكة الخيال جذابة الصور والألوان.

وعلى ذلك فان الكتابة للأطفال تستهدف تغذيته بالعلم وتثقيفه وتربيته على القيم الأخلاقية وتنمية الجوانب الروحية بداخله ليعطف على الحيوان ويحافظ على الطبيعة ويدرك إبداع الخالق في الكون الفسيح، كما تهدف الكتابة للأطفال إلى خلق مشاعر الرغبة المستمرة في اكتشاف العالم واكتشاف أسراراه ورموزه، مع تغذيتهم أيضا بالمتع الترفيهية خلال ممارستهم الرياضة العقلية عبر القراءات الأدبية.

ولاشك أن هذه الأنواع من التغذية تخلق أجيالا محبة للعلم ومنجرفة نحو تيارات المعرفة، متشبعة بمفهوم القدوة التي يجب محاكاتها، ومتفهمة لقيم التعاون الإنساني في صنع الحضارة البشرية، فأدب الطفل ينمي قدراته الذهنية على الإبداع ويذكي حبه للنهل من المعارف والعلوم ويعزز لديه بالثقة بالنفس ويخلق لديه الطموح للمستقبل.

العراق يسكنني

هل العراق شاهدا حاضرا في أعمالك الأدبية؟

** العراق وطن يسكنني بتاريخه العريق وحضاراته النابضة وبثقافاته غزيرة الينابيع، فالعراق جذوري وأصلي، فكل إدراكي بقيمة الحضارات قد تشربتها من العراق، وكل إيماني بعظمة الحضارات قد استقيها من حضارات العراق، وكل روافد الثقافة قد عكستها معطيات الثقافة العراقية في المأكل والملبس والمشرب ونظرتي للحياة وفنون التعامل مع الآخرين، وفنون المزواجة الفكرية التعايش العقدي.

فقد أعيش في الأردن أو القاهرة أو لندن غير بغداد عاصمة الثقافة العربية تسكنني، وتحضر كل حواضر العراق وريفها ونهرها في أنفاسي، كما تلح بعبيرها في كتاباتي ومنها ديوان "دمعة علي اعتاب بغداد" وكما تلح في مقالاتي التي أتناول فيها الأوضاع السياسية أو الاجتماعية والثقافية بالعراق وقصائدي الأخيرة التي تناجي الوحدة الوطنية ودحر الطائفية كما إنني وقعت مؤخرا في معرض المغرب الدولي للكتاب "تصريح دخول" وهو عبارة عّم قصص قصيرة تتناول قضايا النازحين ومشاكلهم وتعبر عن أحوالهم و ما مروا به من ظروف قاسية.

أتابع بدقة ما يجري في العراق و ككاتبة أشارك بقلمي في شرح الأحداث واقتراح الحلول والتعليق على ما يجري وبرأيي حاليا أهم شيء دون منازع أن نعيد بناء الإنسان وإعادة تأهيل المتضررين من الحرب والإرهاب واليتم الإنسان أهم من اَي شيء فمن يمتلك الضمير والخوف من الله والوطنية عليه أن يترك كل شيء ويركز مع الإنسان من الناحية النفسية والتربوية والأخلاقية والمعيشية وحقه في التعليم والعيش الكريم ومتطلبات الحياة الأولية على الأقل وأن نركز باهتمام لإعادة منهج الآباء والأجداد بالحب والكرم ونصر الضعيف وإفشاء السلام وإطعام الطعام وكف البلاء وقول الحق والصدق والأمانة وعدم التبلي وأحكام العقل كل هذا يجب أن يغرس في أطفالنا ليكونوا مؤهلين مستقبلا لحمل المسؤولية بشرف و أمانة.

سؤال شخصي جدا ماذا أعطتك الكتابة وماءا أخذت منك؟

** الكتابة في حياة أي كاتب هي جزء أصيل من تكوينه النفسي والوجداني والعقلي والمعتقدي، فالكتابة هي ذات موازية لذات الكاتب، ورغم هذه الذاتية فانها تلتقي في مضامينها الإنسانية وخبرات التجارب مع خبرات وتجارب أناس آخرين وهنا يحدث التلاقي وربما التنفيس عن كوامن النفسية البشرية أحلامها وتطلعاتها وكنوزها النورانية أو الأخرى في إفلاسها الروحي والتدني الخلقي.

كل هذه المعاني تمثل مشترك إنساني تدور في فلكه الكتابات التي تعبر عن ذات الكاتب وذوات المحيط به، وهنا تأخذنا الكتابة الى مسلك العزلة المؤقتة حيث البعد عن التشويش ـ وإتاحة الفرصة للأفكار والمشاعر لكي تنضج وتفيض بالامتلاء فتخرج مصقولة معبرة عن تجارب المضامين الإنسانية، وأقصد بالعزلة وقت الكتابة وإنما لا يمكن للكاتب أن يكون منعزلا عن محيطه وواقعه الذي يجب أن يكون هو من يعبر عنه و يعالج قضاياه.

وعندما ينجح الكاتب في توصيل رسالته التي عاش مخاضها في عزلة فانه يشعر بسعادة الميلاد كما يشعر بتحقيق ذاته خاصة عندما يتماس ما يعتقد من أفكار ورؤى ومشاعر مع هموم الناس فيحدث التنفيس للكاتب وللقارئ معا.

قد تدخلني مرحلة الكتابة وما فيها في دوامة أمواج الأفكار المتلاطمة، وقد تحرمني الكتابة من لقاء أصدقائي لبعض الوقت، لكنها في المقابل تعطيني متعة البحث في المشكلة التي تؤرقني في موضوع الكتابة لكنها توقظ قدراتي العقلية والنفسية متحفزة للحظة ميلاد قد نخلد بها ذكرى أو حدث وقد نتجاوز بها واقع مؤلم، وقد نصحح بها أفكارنا، وقد نطرح فيها ما نعيشه من سلبيات بعدما نكتشف داخل التجربة المعاني الإيجابية التي تستحق أن نعيش من أجلها وتسعد قلوبنا.

أنانية بلا عودة

وبكل صدق الكتابة أخذت مني الأنانية بلا عودة وأعطتني حب الكون بلا تمييز وأصبحت أشعر وكأنني مسؤولة عّن كل ما يحدث وأن عليَّ إيجاد الحلول لكل المشاكل وعندما أعجز أحيانا أشعر بالحزن الشديد، الكتابة أعطتني الشعور مع الآخرين وأعطتني الصدق بأن أكون سارة الحقيقية هي نفسها سارة على الورق و أعطتني عهدا اقتطعته على نفسي بأن أحارب من أجل أفكاري ربما أصبحت أفكر بنفسي أقل بكثير مما يجب ولكن أنا سعيدة جدا وفخورة بهذا.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2