تواصل الأجيال والتسليم والتسلّم مدرسة كبيرة لا يمكن الاستهانة بها، فهي ليست مجرد تقليد يتم تداوله فى مصنع الرجال القوات المسلحة المصرية وإنما نمط حياة نعيشه فى مفرداتنا اليومية، على سبيل المثال كان تعداد جيل الشباب خلال حرب أكتوبر لا يقل عن ستين فى المائة وهم اليوم فى طليعة القيادة وصنع القرار حاليا وبالطبع تعرفوا كثيرا عن عمق التجارب والتحديات فى مجالات مختلفة لأن حرب أكتوبر أبدع فيها كل الشعب المصري رجاله وشبابه وشيوخه وحتى أطفاله ونسائه وكانت معركة يتحدث عنها العالم كله باعتبارها عملا عبقريا دقيقا فى تنفيذ المهمة من أصغر جندي إلى أكبر القيادات – اليد باليد – والفكر بالفكر كلها حسابات كانت محسوبة بالثانية فى التعامل مع الأهداف، كل هذا عرفته فيما بعد حيث كان عمري خلال الحرب لا يتجاوز الثالثة عشرة وأدركت وقتها أن الشعب كله يقاتل فى هذه المعركة بكل التفاصيل مع الحفاظ على المواطنين الذين يقطنون مدن القنال وأقصد أن مصر على اتساع أرضها كانت أسرة واحدة وشعور واحد بحجم المسؤولية وبدون تكليف كان الجميع يتصرف وفق ما يرونه من أهمية المساندة لرجالنا فى هذه الحرب المصيرية لتحرير الأرض، وللحقيقة فإن حرب أكتوبر المجيدة محفورة بحروف من نور فى سجلات التاريخ كأروع الانتصارات بفضل تضحيات وبطولات المصريين.
واليوم أتصور أن هناك الكثير من الحكايات والمواقف التي لم تنشر بعد، ولذا أقترح أن يتم تدريس هذا العمل فى كتيب صغير فى سياق ما كان يسمى سابقا بالتربية الوطنية حتى يعرف الجيل الجديد ميراث الأجداد من العمل والإنجاز والتضحيات كما نريد أن يستمر نفس الشعار وبنفس الطريقة مصر كلها (إيد واحدة) وكأنها وقعت بالأمس وأرض المعركة تشهد على كثير من التفاصيل من بينها عنصر المفاجأة والروح القتالية العالية ولذا حرصت على المزيد من القراءة فى قصص الأبطال والتضحيات آنذاك، ومن بينها والتي سطرتها كتب التاريخ، قصة الرقيب نور الدين الملا، الذي يعتبر من أوائل الذين رفعوا العلم المصري على أراضي سيناء خلال حرب أكتوبر 1973 كما لفت نظرى أن الرقيب (نور الدين علي الملا) أثناء إبحار قاربه سأله قائده عما سيكون الوضع عليه إذا أصيب القارب، فلم يجب ولم يتردد فى أن يقفز بملابسه كاملة فى المياه، وسبح إلى الضفة الأخرى من القناة، وأشار إلى قائده برفع سلاحه فى رسالة طمأنة له.
وبشهادة الفريق محمد عباس حلمي فإن «يوم 14 أكتوبر 1973 ظن العدو الإسرائيلي أن بإمكانه أن يصول ويجول فى سمائنا الغالية، دون أن يجد من يردعه فحدث ما لم يدر بخلده» حيث كان الرد عنيفا ومزلزلا ليفقده توازنه وتتحطم آماله فكانت معركة المنصورة التي لقنت العدو أعظم الدروس وبرهنت على مدى الجاهزية والكفاءة العالية لنسور الجو الذين تصدوا ببراعة وجسارة لتلك الهجمة الشرسة قبل أن تصل طائراته لأهدافها رغم تفوقها الكمي والنوعي».
وكانت المفاجئة عندما قام نسور الجو المصريين بتوظيف أفضل لما لديهم من إمكانيات بالاشتباك فى معارك جوية مع طائراته لأكثر من 53 دقيقة وبمشاركة أكثر من 150 طائرة من الجانبين فى معركة جوية هي الأطول فى تاريخ الحروب الحديثة تكبد فيها العدو خسائر فادحة» وصلت إلى 18 طائرة، بالإضافة إلى عجز باقي طائراته عن مواصلة القتال فلاذوا بالفرار تجنبا لمزيد من الخسائر».
و«كان للعناصر الفنية من المهندسين والفنيين والضباط وضباط الصف دور مميز حين حققوا أزمنة قياسية فى استعادة الصلاحية وإعادة تسليح الطائرات لتتمكن قواتنا الجوية من الاستمرار فى القتال لفترة طويلة».
واعتبر أن أهم النتائج والدروس المستفادة من انتصارات أكتوبر المجيدة أن انتهجت القوات المسلحة وبتوجيهات من القيادة السياسية مبدأ التنوع فى مصادر التسليح فشهدت كافة الأفرع الرئيسية ومنها القوات الجوية وخاصة فى السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة فى منظومات التسليح بانضمام العديد من الطائرات الحديثة لتواكب أحدث ما تمتلكه الجيوش وليبقى بفضل الله لجيش مصر العظيم قوات جوية قادرة على الوصول لأبعد مدى لمجابهة ما يهدد أمن مصر القومي.