(1)
لأسباب شخصية وأسباب عامة، لم يغادر شهر سبتمبر من هذا العام دون أن يترك ذكرى أليمة فى حياتي، أما الشخصى فلم أكن لأذكره لولا أنه يمس حياة الناس، وسبق وأن كتبت فيه كثيرا، وهو أن التطوير الكبير فى شبكة الطرق فى المدن ومنها القاهرة تحديدا، أتاح سيولة مرورية كبيرة أغرت بعض قائدى السيارات بزيادة السرعات داخل المدينة، فى الوقت الذى يمارس فيه المشاة ما تعودوا عليه فى عبور الشوارع، ومع غياب ما ينظم هذه العملية فى كثير من الطرق، بحيث يتيح للمشاة عبورا آمنا، وهو هدف لا يقل بأى حال عن أهمية السيولة المرورية للمركبات، ومع عدم الوصول إلى معادلات مضبوطة ومنضبطة فى هذا الأمر، تقع الحوادث، ويستمر نزيف الأسفلت، ونحن لسنا أقل من الدول التى سبقتنا فى هذا المجال، فلنبحث ونرى مدن العالم الكبيرة ماذا فعلت لتضبط العلاقة بين الراكب، والمترجل، بين السيارة المسرعة والمشاة الذين يعبرون فى غياب كبارى المشاة، أو أماكن مخصصة للعبور، ومحروسة بإشارات ضوئية تسمح بعبور المشاة، بل وتراعى ذوى الهمم، من خلال أكواد أعتقد أنها معروفة ومتاحة لنا الآن.. وأن تسمع عن حادث سير أو تقرأ عنه غير أن تعيش المأساة، ويكون الضحية قريبا لك، ساعتها فقط تعرف حجم آلام الفقد، ولا أصاب أحد منكم مكروه فى عزيز لديه.
(2)
لم أتعود الاحتفال بذكرى يوم مولدى، بل ولا أتذكره إلا مع إحياء ذكرى وفاة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر يوم 28 من شهر سبتمبر، كل عام، وهذا العام مرت على وفاة ناصر 51 عاما، ومع مر السنين، وبعد الشقة، ولدت أجيال لا تعرف حقيقة ما فعله هذا الرجل، ولم تجد من يحكى لها ممن عاصروه، من الفلاحين وأبناء المدن الفقراء، وكان تقريبا الشعب المصرى كله فقيرا، ولا تزيد الطبقة المتوسطة بحسابات الدخل عن 5%، وضف عليها نصف فى المائة باشوات وبكوات، وأغلبهم من أصول ليست مصرية، وباختصار كان المجتمع مقسم إلى أسياد وعبيد، والأسياد فى معظمهم أجانب يسيطرون على مقدرات البلاد، واقتصادها، وقد احتكروا لأنفسهم جنات مصر وخيراتها، بينما يأكل المصريون لقمتهم مغموسة بطين الأرض، وحلم عبد الناصر ورفاق له أن يصححوا هذه الأوضاع غير الإنسانية، أن يغامروا بأنفسهم فى ثورة قد تكلفهم أرواحهم لأجل أن يحققوا إرادة الله فى المساواة والعدل بين البشر، فلما رحل عبد الناصر بعد حوالى 16 عاما من الحكم، كان الفقراء قد صاروا ملاكا للأرض، وقد استقامت أعوادهم، وصلبوا ظهورهم، وصار أولادهم ضباطا، ودكاترة، ومهندسين، وسفراء فى الخارجية، وسكنوا مصر الجديدة ووسط البلد، وجاردن سيتى، وكل الأماكن التى كانت حكرا على الخواجات والبشوات.. واليوم يزيف الإخوان الحقيقة لأنهم يكرهون عبدالناصر متصورين أنه استلب منهم الحكم، فلا يجب أن نترك أجيال الإنترنت نهبة لدعاياتهم، ونبحث جيدا كيف نوصل لهم الحقيقة، كاملة غير منقوصة.
(3)
رحل سبتمبر الحزين، وجاء أكتوبر، بذكرياته الوطنية الرائعة عن الانتصار الكبير الذى غير وجه التاريخ، وأزاح كابوسا كان جاثما على الأجيال التى كانت واعية وشهدت النكسة وشعرت بوطأتها، وبالتأكيد كانت هناك أخطاء لا تغتفر تسببت فى هذه النكسة، وأولها من وجهة نظرى أن بعض المؤسسات فى مصر كانت تدار بالفهلوة والمحسوبية، وبـ «رقبتى ياريس»، وبالاستهتار بالعدو، وبالظرف، وكلها لابد أن تؤدى إلى تقديرات خاطئة وسلوكيات كارثية، وهو ما كان وكانت النكسة، وعلى العكس تماما جاء الاستعداد لحرب أكتوبر، فكان النصر، وهذا هو قانون الدنيا التى تعطى بقدر العمل والجد.
(4)
والرئيس عبد الناصر لم يبرأ نفسه من مسئولية نكسة 67، وأبرز نقاط ضعفه التى أدت لها، كانت صداقته لعبد الحكيم عامر، التى انعكست آثارها السلبية على أشياء كثيرة فى مصر وطالت الجيش، تلك المؤسسة التى لا تعرف الخواطر، والعشم، ولا الترهل، والمحسوبية، والقرابة، والزمالة، والصداقة، والقريبون من دائرة عبد الحكيم عامر لديهم حكايات كثيرة إذا عرفتها فلابد أن تقرر أنه إذا كانت الأمور تدار على هذه الشاكلة، فلابد أن تقع النكسة، لكن رجالا منضبطين أعادوا الأمور إلى نصابها فجاء نصر أكتوبر بعد 6 سنوات فقط مبهرا وعظيما.